بيروت: هناء توبي تشهد البرامج التلفزيونية اللبنانية جملة تجاوزات يلاحظها العامة والخاصة على حد سواء، بعضها سياسية يحاسب عليها القانون، والبعض الآخر اجتماعي متفلت من القيود بألفاظ سوقية وإيحاءات وإثارة وسخرية جاوزت النقد البناء لتصل حد التجريح.. كل ذلك يتلمسه المشاهد أرضياً وفضائياً حتى باتت مادة دسمة يتم تداولها بين رافض ومؤيد، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أمّا على الصعيد الخارجي فهي تعطي انطباعاً عن الانفتاح اللبناني الذي بلغ حدوداً غير أخلاقية وفق تغريدات المشاهدين.. ورغم أن الكل من محطات وإعلاميين وجمهور يتشاركون في دفع هذا النوع من البرامج إلى الصفوف الأمامية، إلاّ أنهم في الوقت عينه يتساءلون عن الرقابة، علماً أن المشاهد يهرب من سماع الأخبار السياسية والمشاهد الدموية باتجاه البرامج الترفيهية والاجتماعية ليجد نفسه فريسة سهلة لإيحاءات واستباحات تسللت إليه وإلى أطفاله. أين الرقابة من كل هذا؟.. سؤال يجيب عنه المعنيون في هذا التحقيق. إذا كان بعض الإعلاميين يرون أن ما نشاهده، هو انعكاس لاختلال نظام القيم والأخلاق في مجتمعاتنا، فإنّ البعض الآخر يُقرّ بوجوب فرض الرقابة على هذه البرامج وضبطها ومحاسبة العاملين فيها. في حين ترى جهات مختصة، أنه بوجود قانون الرقابة مضاف إليه الرقابة الذاتية، فلا داعي لدق ناقوس الخطر. يلفت هنا قانون المجلس الوطني للإعلام المرئي والمسموع يحظر بث جميع البرامج التي تتضمن مواد"جنسية"وتعبيرات ترتبط بها سواء بمضمون ترفيهي أم علمي وتربوي قبل العاشرة والنصف ليلاً، كما يمنع بث الإعلانات الترويجية للبرامج التي تتضمن مثل هذه المواد قبل التاسعة والنصف ليلاً، ورغم ذلك، يفاجأ المشاهد بتجاوزات ومواد تخدش الذوق العام.. المسرحي والإعلامي فؤاد يمين مقدم برنامج نقشت (take me out) عبر شاشة lbci، يشير إلى سقف الحرية العالي جداً في البرامج غير السياسية في لبنان، مع عدم تفلتها التام من الضوابط، وقال: الرقابة على البرامج الاجتماعية والترفيهية تتأتى من خلال ضبط وقت العرض، واستخدام إشارة + 18، أي للراشدين، واعتماد رموز القطع للكلمات النابية، إضافة إلى رقابة العائلة التي أعطيها الأولوية. ورأى أن البرامج لا تخيف بقدر وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف الذكية التي يستبيح الأولاد من خلالها كل المحظورات، وعبرها تغيّرت القيم والنظرة إلى العيبيات. يمين وافق على غياب النقد البناء في العديد من البرامج وتجاوز السخرية إلى التجريح، وتخطي الحدود الحمراء من قبل بعض الإعلاميين، مشيراً إلى عدم معرفته بمحاسبة أحد، وأضاف: محتويات البرامج لم تصل إلى حدّ الابتذال ولن تصل، لأن مجتمعنا غير متفلت من القيود، ومحكوم بالتابوهات، لدينا عادات وتقاليد وأديان ومصالح محطات إلى جانب الرقابة الذاتية التي يمارسها أهل الإعلام، هناك توجيهات المحطة التي ترفض الخوض في المحظورات الأخلاقية والدينية، والجمهور المنتقد هو ذاته الذي يريد أن يتسلى ويرفّه عن نفسه، ولو أراد الثقافة لتحكّم بمشاهداته عبر الريموت كونترول أو قصد المسرح الذي يقدم أعمالاً جادة إبداعية وتوجيهية. بالتالي، لا داعي لتبادل الاتهامات حول تسيب البرامج، لأن ما نشاهده عبر الشاشات هو نحن، والبرامج مرآة المجتمع على حقيقته، ومن يطالب بتشديد الرقابة لا يريد أن يعترف بواقع المجتمع، إنما يختبئ خلف إصبعه، فبرنامج نقشت مثلاً مرآة لأناس من مجتمعنا يحاكيهم ويشبههم. الإعلامية رندا المرّ معدّة برنامج يوم جديد عبر قناة otv ومقدمة برنامج أسود أبيض الإذاعي، أشارت إلى غياب الرقابة الصارمة فيما تعرضه شاشاتنا،لكن بالنسبة لي أعتمد معياراً ذاتياً، يتجلى بما أقبله لعائلتي وأولادي، ضمن الحرية الأخلاقية. لدي قواعد ثابتة بعدم بث أي مادة في يوم جديد تحرض على الطائفية والفتنة، أو تثير الغرائز، حتى لو استضفت فنانة صاحبة صوت جميل، فإنني لا أسمح بعرض كليب غير مناسب أخلاقياً لها. أرفض تسليع الإنسان وأطالب بتحديد أُطر للرقابة تمنع النكتة المبتذلة، والإيحاءات خاصة فيما يتعلق بالبرامج التي يتم شراء فكرتها من الخارج. للمجتمع حرمته، وعلى أهل الإعلام أن يقدموا اقتراحات وأفكاراً تتماهى مع القيم والمبادئ الاجتماعية السائدة. أضافت المر: فيما يخص البرامج الفضائية والساخرة والسافرة، أرى ضرورة ضبطها بإسناد محتوياتها إلى وثائق وأدلة وبراهين، فمن يريد فتح ملف ما، أو فضح فنان، عليه الاستناد على بيّنات وليس شائعات، وإلاّ صار إعلامنا مبني على القيل والقال، وعلى المجلس الوطني للإعلام أن يُحاسب المتجاوزين لأنه منذ تأسيسه في العام 1995 أنشئ لغاية رقابية، والعاملون فيه يتقاضون أجورهم من الدولة اللبنانية. بالتالي عليهم القيام بواجبهم دون التذرع بالتسييس أو بمقولة الجمهور عايز كده، فإذا كان هذا الجمهور يريد محتوى مختلفاً،فعلينا كمؤسسات إعلامية أن نرتقي به ونضيء على الموضوعات التي تسهم في بناء المجتمع، وهذا ما أفعله في برامجي. أقول للمشاهدين: أنتم الحكم وبيدكم الريموت اختاروا ما يهذب سلوك أولادكم وأسركم لأن الرقابة العائلية، تجعل الإنسان مسؤولاً في حريته وخياراته. الإعلامية رابعة الزيات أشارت إلى وجود برامج عائلية جيدة وأخرى يجب ضبطها وتابعت: أؤيد الحرية المسؤولة، وأرفض اللعب على الغرائز والأحقاد الطائفية لجذب المشاهد. وتساءلت: من يكون المشاهد الذي يتقاتلون عليه؟ وعن أي مشاهد نتحدث؟ ومن قال إن كل المشاهدين يريدون الابتذال؟ الجمهور متنوع، وبإمكاننا أن نشد المشاهد الذي يتمتع بأخلاق عالية، ويريد صون نفسه وأسرته من الابتذال والرخص والنميمة، وهذا ما اعتمدته ونجحت فيه، خلال مسيرتي. وإن دلّ هذا النجاح على شيء؛ فهو أنه لدينا جمهور مهذب، ويمكننا كعاملين في حقل الإعلام أن نتفق معاً لتقديم برامج نوعية لنرتقي أكثر بجمهورنا، ونغلِّب صورة البرامج الأُسرية. مسؤول البرامج في محطة الجديد إيلي أسمر، اعتبر أن الإعلام اللبناني ينقسم إلى متزمت دينياً، ومنفتح. كل محطة تلفزيونية ترسم سياستها البرامجية وفق الشريحة التي تتوجه إليها. ونحن في الجديد نتوجه إلى العائلة ونحكي معها باللغة العربية الأم، وباللهجة اللبنانية، جمهورنا منفتح يقبل الآخر، ويؤمن بالحرية شرط ألا تصيب حرية الآخرين، لذا تفرض سياستنا البرامجية أن نقدم برامج تلمّ أفراد العائلة، فيها ترفيه وتسلية وقصص مأخوذة من قلب المجتمع اللبناني، وبالتالي سقف الحرية لدينا عالٍ، فلا نقمع المقدمين ولكن نطلب منهم التزام المسؤولية ومراعاة الأخلاقيات العامة. أمّا المحاسبة فتتم من قبل وزارة الإعلام المخولة بمحاسبتهم على تجاوزاتهم لقوانين الإعلام المرعية الإجراء في لبنان، ومن الجيد أن يعرف الجميع حدودهم. وأشار أسمر إلى أنه خلال رحلته المهنية الطويلة في lbc والجديد لم يسمع بأي محاسبة كالطرد أو إيقاف برنامج، لأجل تجاوزات أخلاقية، لأن الإعلامي يتلقى ملاحظات من قبل أصحاب ومديري المحطات أو منتجي البرامج. المنتج صاحب رأس المال ويحق له ضبط المادة التي ينتجها، والمحطة تلتزم بالوقت الملائم للعرض. مديرة إنتاج البرامج في الجديد يمنى بعلبكي التي تنوب عن المديرة ندى حلاوي، أشارت إلى جملة من الأسباب التي ترفع سقف الحرية في البرامج غير السياسية: أولها أن الجديد لا تروج لخط سياسي معين، وبالتالي فهي تنهل أفكار برامجها من الواقع، وتواكب المتغيرات الاجتماعية الحاصلة، ولا تختلف شيئاً، بل جلّ ما تفعله هو كشف النقاب عن المستور. ورسالتنا ألا نختبئ خلف أصابعنا بل نقول الحقائق ونقيّمها ونقومها. حريتنا مسؤولة، لذا نمارس رقابة ذاتية متشددة تجاه كل ما يثير الحقن الطائفي والمذهبي، أو يطال من حرية الآخر، أو يخدش الحياء العام، أو يشجع على العنف والقتل أو يؤذي بدمويته. فعرض برامجنا الجريئة بعد العاشرة ليلاً ونستخدم عبارة 18 وما فوق أو مقص الرقابة تجاه المحتوى الذي يسيء إلى مستوى منتجنا، وكل برنامج لدينا هو منتج قائم بذاته لا يمكن الاستهانة به والتقليل من أهميته، لذا نعتمد الجرأة دون الوقاحة. مدير البرامج في محطة mtv جوزف الحسيني أكد أن الرقابة القانونية على الإعلام المرئي موجودة، وتبدأ من جملة الشروط الواجب استيفائها للحصول على ترخيص إنشاء محطة تلفزيونية ومزاولة الإعلام المسؤول. أما الرقابة الذاتية فهي دائمة ومعمول بها لدينا. نحن نراقب المحتوى، ونحرص أن تدل برامجنا الاجتماعية والترفيهية على الاحترافية العالية والمهنية. ولا نستخدم الإثارة والمال في برامجنا حتى الانفتاحية منها مثلاً رقص النجوم الذي نعرضه في موسم جديد وقد لزم مراقبتنا ونقاشنا السير الذاتية للمشاركين والمتبارين فيه، حرصنا على أن تكون كل الأسماء لائقة وذات مستوى عالٍ، والحرفية في العمل معيار أساسي لبرامجنا وضيوفنا. ومشاهد mtv يعرف تماماً أننا نراعي التوقيت المناسب لعرض كل برنامج بحسب طبيعته والأعمال المعنية بالمادة التي يحتويها وجماهيرنا المستهدفة هي عائلات عصرية تقبل الآخر وغير متزمته دينياً.
مشاركة :