الزبالة كنز ثمين لـ"نباش القمامة" في مصر

  • 11/25/2016
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

الزبالة كنز ثمين لـنباش القمامة في مصر لا شك أن الذين زاروا القاهرة، ومشوا ببعض شوارعها الجانبية، في الصباح الباكر، استوقفهم مشهد أولئك الأطفال والصبية، الذين يبحثون في حاويات القمامة، فيبعثرون محتوياتها حولهم، ثم يمدون رؤوسهم من جوفها ليلقوا ببعض ما التقطوه من الأشياء في عرباتهم الصغيرة، التي يجرها حمار أو حماران، ثم يرحلون مسرعين؛ هؤلاء هم نبّاشو القمامة في مصر الذين يتهمون بأنهم مذنبون، في حين أنهم يرون أنفسهم مظلومين. العربمحمد عبد الهادي [نُشرفي2016/11/25، العدد: 10466، ص(20)] ثروة مهملة القاهرة - في مصر الآن 3 ملايين شخص، يعملون في جمع القمامة، منهم مليون في القاهرة وحدها، وكل طن قمامة يتم جمعه يوفر فرص عمل لتسعة أشخاص، وبحسب أرقام وزارة البيئة المصرية، فإن حجم قمامة مصر، يزيد على 70 مليون طن سنويا، بمعدل 47 ألف طن في اليوم الواحد. وتستعد شركات النظافة الأجنبية العاملة بمصر الآن، للملمة معداتها والرحيل في عام 2017 المقبل، بعد تجربة استمرت 14 عاما، فشلت خلالها في مجابهة “النبّاشين”، الذين يستخرجون ما غلا ثمنه وخفّ وزنه من أكوام القمامة، كما لم تستطع احتواء “الزبالين” التقليديين، وهؤلاء بدورهم يتهمونها بالحصول على مستحقات مالية كبيرة من دون وجه حق. ولا يعبأ نبّاشو القمامة في مصر كثيرا بالنظرة السلبية للمجتمع إلى مهنتهم، ما يشغلهم فقط سرعة جمع ما يسمونه بـ“الكنوز”، التي يجهل أصحابها قيمتها فيلقونها مع القمامة، فكل شيء صلب عندهم يمكن أن يتحوّل إلى نقود، ومهمتهم العثور على أكبر قدر منه وفي أسرع وقت ممكن، محاولين التواري قدر الإمكان عن أماكن تواجد أجهزة الشرطة. وتشكو الشركات الأجنبية، من أن هؤلاء “النبّاشين” يجعلون القمامة التي تجمعها هي من الحاويات في الشوارع منخفضة القيمة، إذ يستولون على كل المواد غالية الثمن والقابلة للتدوير، ويتركون المواد العضوية فقط بعد نشرها بالشوارع، ما يتسبب في قضاء عامليها وقتا أطول لجمعها من الشوارع، رغم انخفاض قيمتها. الأمر ذاته أكدته دراسة قامت بها جمعية إدارة الأعمال بالإسكندرية، والتي قدرت قيمة القمامة المصرية بنحو 5 مليارات دولار، من الممكن أن تدخل الخزانة المصرية لولا “النبش” في القمامة، الذي يضيع تلك القيمة الاستثمارية، ويجعل المستثمرين الأجانب عازفين عن القدوم للعمل في مجال تدوير النفايات. قمامة من ذهب قال عدد من النبّاشين، لـ”العرب”، إن أول ما يتم البحث عنه في الأكوام هي مواد النحاس غالية الثمن ومعظمها يوجد في الأسلاك، علاوة على الحديد القديم، ثم زجاجات المياه الغازية والبلاستيكية الفارغة، فالورق، والأخشاب القديمة، ثم قطع الخبز الفاسدة التي يتم تجفيفها، لبيعها كعلف للطيور والحيوانات. الفقر وغياب فرص العمل المجدية هما السببان الرئيسيان في ظهور "النباشين"، الذين يتم توظيفهم من قبل تجار كبار، بأجر يومي يصل إلى نحو 4 دولارات ويبلغ سعر الطن من زجاجات المياه الغازية المستعملة حوالي 539 دولارا داخل القاهرة و519 دولارا خارجها، وأطباق وورق الألومنيوم “الفويل” يتراوح ثمنها بين 231 و539 دولارا، أما طن البلاستيك القديم فهو بنحو 155 دولارا، والورق بين 60 و70 دولارا، حسب حالته ونوعه. وأوضح شحاتة المقدس، نقيب الزبالين بالقاهرة، أن تغيير المنظومة القديمة للقمامة، أوجد النباشين، وتسبب في تراكم المخلفات بالشوارع، فجامع القمامة التقليدي كان يمرّ على المنازل ويجمعها من المنبع، لكن في العام 2002 قضت الدولة على تلك المنظومة، وسمحت للشركات الأجنبية باحتكار جمعها من الشوارع، وليس من المنازل. وأضاف لـ”العرب”، أن تلك المنظومة أثبتت فشلها، فالمواطن المصري بسبب موروثات ثقافية، يستنكف من حمل أكياس القمامة إلى حاويات التجميع بالشوارع، ويلقيها في أي مكان قريب، مما يؤدي إلى ظهور أكوام من النفايات وسط التجمعات السكنية، يجد فيها النباشون ضالتهم. ويُتهم نباشو القمامة بأنهم معرضون للإصابة بالأمراض “المُعدية”، ثم نقلها إلى الآخرين، بسبب تعاملهم مع المخلفات الطبية بأيديهم العارية، وبعثرتها في الشوارع، في بلد يعاني فيه نحو 15 مليون مواطن من مرض الالتهاب الكبدي الوبائي، الذي تنتقل عدواه بالمخلفات الملوثة بالدم، لكن معظم النباشين لا يأبهون لذلك، ويؤكدون أن أجسادهم اكتسبت مناعة من أمراض متعددة على مدار سنوات العمل. ذبح الخنازير أشار شحاتة، إلى أن الأزمة تعقدت أكثر عندما قررت الدولة ذبح الخنازير في عام 2008، والتي كانت تلتهم معظم المخلفات العضوية، بحجة الخوف من نقل ما سمي في حينها بـ”أنفلونزا الخنازير”. وبعد ثورة 25 يناير 2011، تبنت مصر منظومة جديدة للقمامة، هدفها القضاء على ظاهرة النباشين بشكل نهائي، وتحقيق دخل مالي لكل محافظة، وذلك من خلال فرز القمامة بالمنازل، وعزل المخلفات الصلبة عن “العضوية”، لكنها لم تجد صدى عند المواطن المصري. وتعدد الجهات المسؤولة عن ملف القمامة، كان السبب وراء فشل تلك التجربة، وفتح الباب لانتشار “النباشين”، إذ تتوزع المسؤولية على وزارات التنمية المحلية والبيئة والكهرباء، علاوة على المحافظات ورؤساء الأحياء، ودعا الكثيرون إلى ضرورة إنشاء وزارة خاصة بالنظافة، تتولى تلك المنظومة، وتعمل على تحقيق الاستفادة الاقتصادية القصوى منها. لقمة عيش مغمسة في الوحل والأوبئة ويتسبب النباشون في اختفاء مهنة جامع “الروبابيكيا” (وهي الأشياء القديمة المهملة بالمنازل) في الكثير من المدن، إذ لا يُفضل المصريون الاحتفاظ بمخلفات الصلب إلى حين قدومه وبيعها له، جرّاء تغير نمط السكن إلى شقق صغيرة الحجم قد لا تزيد مساحتها على 70 مترا مربعا، الأمر الذي يدفع ساكنيها إلى التخلص من مخلفاتهم القابلة للتدوير، بإلقائها في القمامة، تجنبا للمزيد من الأشياء المكدسة. شركات النظافة المحلية، ومعها نقابة “الزبالين” تضغط على الحكومة حاليا لعدم صدور أي قرار يتيح الاستعانة بالشركات الأجنبية من جديد، فالشركات المحلية تؤكد امتلاكها القدرة على التعامل مع المخلفات بالقاهرة والمحافظات، ولديها أسطول يبلغ 30 ألف عربة نظافة و8300 مصنع صغير لإعادة تدوير المخلفات، دون حاجة إلى الأجانب، وتنتظر فقط الإشارة من الحكومة لبدء العمل. و”الزبالون” في مصر أقبلوا قبل سنوات، على تأسيس مصانع صغيرة لتجميع القمامة، بالتعاون مع هيئة الاستثمار المصرية، وبتوجيهات من ليلى إسكندر وزيرة التطوير الحضاري والعشوائيات في حكومة المهندس إبراهيم محلب الثانية، التي تمت إقالتها في سبتمبر 2015، لكن تلك التوجيهات تم إلغاؤها خلال حكومة شريف إسماعيل الحالية. تحظى ليلى إسكندر، بشعبية جارفة لدى جامعي القمامة، إذ ساهمت جمعية روح الشباب لحماية البيئة، التي أسستها إسكندر عام 2002 في منطقة “منشية ناصر” (إحدى أكبر مناطق تجميع القمامة بالعاصمة المصرية)، للدفاع عنهم وتنظيمهم في كيان واحد، تحوّل في ما بعد إلى نقابة. الفئة المظلومة أكد توني جمال، تاجر مواد صلبة، أن “النبّاشين” من الفئات المظلومة بالمجتمع، فكل همهم هو توفير لقمة العيش لأبنائهم، وأوضح أن المصريين يتركون شركات القمامة الأجنبية -الفاشلة في رأيه- وينهالون بالانتقاد والغضب على رؤوس هؤلاء “النبّاشين” المساكين، الذين يتعرضون كل يوم للأمراض المعدية وشبح الموت، من أجل الرزق. في بداية عملها في مصر، استعانت شركات النظافة الأجنبية، بجامعي القمامة التقليديين، كموظفين من الباطن، لكنها منحتهم عشرة قروش فقط (الجنيه يساوي مئة قرش)، عن كل وحدة سكنية، وحصلت هي على باقي الرسوم، الأمر الذي دفع معظمهم إلى عدم العمل احتجاجا على تدني المقابل. ويدفع 33 مليون مواطن مصري شهريا ما يسمى برسوم النظافة، على فاتورة الكهرباء، يتم توجيهها إلى وزارة التنمية المحلية، بمبالغ تتراوح بين 23 و35 سنتا على كل وحدة سكنية، وفقا لموقعها، بمبلغ إجمالي يتراوح بين 77 مليون دولار و230.7 مليون دولار، والبعض من هذا العائد تأخذه الشركات الأجنبية. أول ما يتم البحث عنه في الأكوام هي مواد النحاس غالية الثمن قال وليد علي، صاحب مصنع لتدوير القمامة، إن الفقر وغياب فرص العمل المجدية هما السببان الرئيسيان في ظهور “النباشين”، الذين يتم توظيفهم من قبل تجار كبار، بأجر يومي يصل إلى نحو 4 دولارات، على أن تتم محاسبتهم مرة أخرى في نهاية كل أسبوع عن الفارق بين ما جمعوه وما حصلوا عليه بشكل يومي، لافتا إلى أن معظم هؤلاء العمال لديهم الاستعداد للعمل في منظومة النظافة الرسمية، بشرط دفع رواتب جيدة لهم. مع التطور التكنولوجي، بدأ النباشون في تغيير أدوات وطرق عملهم، فباتوا يستخدمون تريسيكلات (مركبات ثلاثية العجلات تشتغل بالسولار) بدلا من عربات الكارّو (عربات خشبية صغيرة يتم جرها بالخيل أو الحمير)، الأمر الذي يمكنهم من الدخول إلى كل الشوارع الضيقة، ثم المسارعة بالهروب حال مطاردتهم من رجال الشرطة. هنا أوضح علي لـ”العرب”، أن التجار المستفيدين من القمامة هم من يوفرون التريسيكلات للنباشين، على أن يوردوا ما جمعوه إلى هؤلاء التجار، بينما الشركات الأجنبية تستغلهم، وتقدم لهم رواتب شهرية متدنية جدا، قد لا تتجاوز 40 دولارا شهريا، مقابل العمل 12 ساعة يوميا. ويتم التعامل مع المخلفات وفقا لنوعها، فإذا كانت ورقا، يتم كبسها لتوريدها إلى مصانع الورق لإعادة تصنيعها، أما بالنسبة إلى البلاستيك، فيتم تكسيره وتفتيته قطعا صغيرة، لتدخل في صناعات البلاستيك والأكياس، وبعض أنواع لعب الأطفال والأحذية. الحقيقة أن شركات النظافة الأجنبية تكاد تكون شبه غائبة عن مصر منذ ثورة 25 يناير، بينما الشركات المحلية والزبالون التقليديون هم الذين يتولون جمع القمامة. صناعة تدوير النفايات بمصر -خصوصا البلاستيك- تواجهها منافسة شرسة من البضائع الموردة من الصين، التي تتسم بأنها أفضل من حيث الجودة، وينصح الخبراء مصانع التدوير المصرية بأن تضيف بعض المواد الخام الجديدة على المنتج المعاد تدويره، لتحسين جودته، وتعزيز فرص تنافسيته أمام المستورد. وتهتم مصانع تدوير القمامة في مصر بالمواد الصلبة متجاهلة المواد العضوية التي تزيد على 30 بالمئة من مكونات القمامة، والتي يمكن أن تساهم في إنتاج 14 مليون طن من الأسمدة العضوية تكفي لزراعة 2 مليون فدان جديد، خصوصا مع إنشاء الحكومة المصرية لمشروع يهدف إلى استصلاح 1.5 مليون فدان، واعتمادها على استيراد أصناف كثيرة من الأسمدة من الخارج. رغم كل ذلك، فإن النباشين في مصر، سوف يظلون يواصلون عملهم، من الصباح الباكر بمختلف الشوارع المصرية، غير مبالين لا بمن يدافع عنهم، ولا بمن يهاجمهم، ففي نظرهم إن كلا الفريقين المهاجمين والمدافعين، لا يعرفان مدى المعاناة التي يتحملونها لكي يطعموا أطفالهم. :: اقرأ أيضاً

مشاركة :