«وراء كل رجل عظيم امرأة» ولو ابتعدنا عن الدلالة السلبية لرمزية الورائية و التحمنا بالدلالة الإيجابية لتلك الورائية التي تعني توفير طاقة الدفع و التقدم الممثلة من خلال المرأة الداعمة للرجل للوصول إلى مناصب السيادة و القمة. والسيدة الأولى المقصود بها «التأثير الاجتماعي و الثقافي للمرأة المسنودة بسلطة سياسية حاكمة سواء أكانت تلك السلطة هي الأب أو الزوج أو الابن أو الأخ». والحقيقة أن دلالة السيدة الأولى هي دلالة موغلة في التاريخ وكذلك تصريفاتها التوصيفية، ولو تجاوزنا تاريخ العصور القديمة قبل الإسلام بما فيهم العصر الجاهلي. سنجد أن أول تطوير لهذه الدلالة «السيدة الأولى» في ظل الإسلام كانت من خلال السيدة «خديجة بنت خويلد»-رضي الله عنها، التي ساندت الدعوة الإسلامية بفكرها و مجهودها الاجتماعي،إذ كانت رسالتها الاجتماعية متممة للرسالة السماوية التي قادها الرسول الكريم،كما كانت خير سنيد للرسول الكريم نفسيا و عاطفيا. ولم تكن السيدة خديجة رضي الله عنها هي المرأة الوحيدة ذات التأثير الإيجابي في نشر الدعوة الإسلامية في بداياتها و دعمها بل كان هناك العديد من النساء اللائي ساهمن في نشر وتعضيد الدعوة الإسلامية وحمايتها ولكن هذا المقال مقصور على دور أمهات المؤمنين كرمز للسيدة الأولى المدعوة بسلطة سياسية حاكمة في ذلك الوقت من تاريخ الدعوة الإسلامية الدور الذي مثّل «مفهوم و مكانة و خصوصية السيدة الأولى» من خلال تأثير أمهات المؤمنين في صناعة الدور التنويري للمرأة في ذلك الوقت. استطاعت السيدة خديجة أن ترسم منهاجا لمفهوم وقيمة السيدة الأولى أو المرأة المسنودة بسلطة حاكمة وهو مفهوم و قيمة يتمثلان من خلال الدور الفعّال لزوجات الرسول الكريم اجتماعيا و فكريا و ثقافيا والذي تبلور في أعظم صوره فيما بعد من خلال السيدة «عائشة بنت أبي بكر» -رضي الله عنهما- والتي أكدّت دور «السيدة الأولى» فقد كان لها تأثير إيجابي في نشر فكر و مبادئ و تشريعات الإسلام ، وهو دور رسخ الثورة الاجتماعية التي أسستها مبادئ الإسلام لأهمية مشاركة المرأة في صناعة المجتمع الجديد في ظل الإسلام الداعمة لحقوق المرأة و مساواتها بالرجل. ولم تكن السيدة عائشة منفردة من تقوم بهذا الدور بل كل زوجات الرسول الكريم، لكن السيدة عائشة كانت الأبرز بحكم ملازمتها للرسول الكريم ،ولم ينته دورها كسيدة أولى بعد وفاة الرسول الكريم بل استمر، فقد كانت ملجأ استشاريا للصحابة كما حدث في فتنة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه. والاستشارة السياسية في الحرب لم تكن مقصورة على السيدة عائشة، فقد استشار الرسول الكريم السيدة أم سلمة رضي الله عنه يوم الحديبية عندما اختلف رأي الصحابة في الصلح.وهو فعل له دلالاته لايتسع المجال هنا لتحليلها. و تعددت أدوار زوجات الرسول الكريم رضي الله عنهن ما بين العلم و الفقه حتى أصبحن مصدر علّم و فقه للكثير من الصحابة بحكم مشاركتهن في رواية الأحاديث النبوية، وكونهن المرجع الأول للسيرة الحياتية الخاصة للرسول الكريم، والذي حفظ فيما بعد الكثير من «سنته عليه أفضل الصلاة و السلام»كما كن واسطة بين النساء و الرسول الكريم في ثقافة السؤال و تشريعية الإجابة، وهو ما جعلهن مصدر تنوير لعامة نساء الإسلام حتى اليوم . لقد آمنت زوجات الرسول الكريم بدورهن في تنوير المجتمع الجديد و تثقيفه إيمانا ينطلق من كونهن زوجات صاحب السلطة الحاكمة ،فكن مثالا لخير سيدات التاريخ اللائي مارسن السياسة بمفهوم السيدة الأولى اليوم.
مشاركة :