بعدما قدم برامج تلفزيونية ناجحة في العقد الأخير، يُدير المذيع الهولندي من أصول مغربية جواد الميلودي الكاميرا ويوجهها على نفسه وحياته ويواجه الأسئلة التي تلح عليه في البرنامج التلفزيوني الجديد «جواد: كاسكوب أو موكرو»، والذي انتهى التلفزيون الهولندي الحكومي من عرضه أخيراً. يُحقق المذيع الشاب في حلقات البرنامــج في حال المهاجر المغربي في هولندا وعلى نحو يمكن تعميمه على مهاجرين عرب في دول غربية أخرى، وبعضهم ما زال في منتصف المسافة بين ثقافة الآباء أو الأجداد وثقافة الدول التي يعيشون فيها. فيما زاد اضطراب العالم في السنوات الأخيرة من حدة أسئلة الهويات والانتماء لجيل من الأوروبيين المسلمين. ينطلق الميلودي في كل حلقة من حلقات البرنامج في اتجاه مختلف ليسائل ويبحث في قضايا ملتبسة كثيراً تخص هوية المهاجر المغربي وعلاقته بما حوله. بدا التعرض لهذه القضايا وبالأسلوب الشفاف والصريح الذي طبع البرنامج، أمراً صعباً ومعقداً على المذيع الشاب نفسه، وكأنه يواجه هذه الأسئلة للمرة الأولى في حياته، بل أن بعض المواقف التي مرت في البرنامج مثلت تحديات شخصية للمذيع، مثل السؤال الذي طرحه على والده إذا كان سيمانع زواجه من هولندية غير مسلمة، وهو السؤال الذي كان يتردد في البوح به في الماضي. حملت كل حلقة عنواناً خاصاً يشير إلى محاورها والأسئلة التي تتضمنها، فحلقة «الحب»، ركزت على مواقف هولنديين مغاربة من قضايا الحب والزواج، والعلاقات العاطفية خارج أطر الزواج. وتناولت الحلقة أيضاً العلاقات المثلية، إذ التقى المذيع مثليين من أصول مغربية بينهم فتاة، فأُحرج كثيراً عندما سألوه ماذا يمكن أن يكون موقفه، وهو المثقف المندمج بمحيطه الأوروبي، إذا تبين أن ابنه الذي لم يولد بعد سيكون من المثليين. أربك السؤال المقدم الشاب، ونقل البرنامج في مشهد طويل غير مريح ما بدا أنه صراع نفسي داخلي، أنهاه المذيع بكشفه بأنه سيقف مع أي خيار لأبنائه وإن كان هذا سيكون صعباً كثيراً أحياناً. سيكون البرنامج رحلة صعبة وأحياناً محرجة للمذيع الشاب، الذي لم يهرب من الأسئلة الإشكاليّة، حتى لو عنى ذلك توجيه الاتهامات والسخرية منه، كما حدث عندما قابل شاباً مغربياً جدليّاً مشهوراً بصلافته على موقع «يوتيوب» وآرائه المتطرفة وانحيازه للهوية المغربية. إذ هاجم الشاب الميلودي واتهمه بأنه يحاول أن يخفي «مغربيته» ويُغير لكنته حتى يبدو كرجل «أبيض». ذلك الموقف سيكون الوحيد الذي يفقد فيه الميلودي أعصابه، ليترك الاستوديو الصغير الذي كان يسجل فيه، قبل أن يعود ويكمل الحوار. إلى جانب الأسئلة عن الهوية والعادات، يوفر البرنامج نافذة على حياة جيل شاب من الهولنديين المغاربة، فيقابل فتيات مغربيات مثقفات، وشباب يعيشون حياة لا يشوبها الكثير من التوترات الإثنية أو الثقافية. كما يكشف البرنامج عن ظواهر بعضها مجهول من داخل حياة المغاربة الهولنديين، فيقابل شاباً يعالج الحالات النفسية والعضوية عبر الأدعية الدينية والابتهالات. ويسلط البرنامج الانتباه على تجربة جراح ناجح من عمر المذيع الشاب، تغلب على الظروف المادية الصعبة التي عاشها والداه، وحقق حلمه بالدراسة والتفوق في مجاله. يُعدّ البرنامج الجديد محاولة لسبر أغوار قضية الهويات المزدوجة في هذا الزمن الذي تغلب عليه العتمة والتشكيك. ويرى الذين يقفون خلف البرنامج أن مشاكل هذا الزمان تحتاج إلى طبيب نفسي، إذ اختتمت كل حلقة منه بلقاء لمقدم البرنامج مع طبيبة نفسية من أصول مغربية، حاولت أن تفسر وتعلل الظاهرة العامة التي تناقشها الحلقة، وخصصت وقتاً لتحليل ردود فعل الميلودي على ما دار حوله، والنفاذ إلى العالم الداخلي للهولندي المغربي الشاب، والذي قدم برنامجاً شجاعاً وصادقاً وجديّاً كثيراً في محاولاته تحليل الواقع.
مشاركة :