كل التنظيمات والجماعات والحركات التي تبشر بالموت انما يبحث أفرادها عن حل لمشكلات، وقفوا أمامها عاجزين، فقرروا بدلا من الذهاب إلى مصحات العلاج النفسي أن ينتحروا، من بعد أن يلحقوا الضرر ببشر، ليس لهم ذنب، سوى الرغبة في الاستمرار في الحياة ورفدها بأسباب الجمال. بشر وجدوا في الحياة فرصة لشكر الخالق على نعمته. نعم الحياة نعمة. اما الموت فهو جزء من عالم الغيب الذي لا يعرف أسراره أحد سوى الله. ولأن الحياة كريمة في عطائها فإنها تظل قادرة على الضحك بالرغم من كل الفجائع التي يصنعها دعاة الذهاب إلى السماء من خلال غزواتهم وحروبهم وحرائقهم ووعودهم الباطلة. الحياة تضحك لأنها تثق بقوة الخير الكامنة في أعماق البشر. إن إضفاء مسحة دينية على الموت المجاني، انتحارا أو قتلا من خلال تتويجه بمفهوم الشهادة لا يبدل من صفته، كونه فعلا عبثيا يحارب من خلاله الضعفاء، المأسورون بالخرفات قوة الحياة باليأس. فالذهاب إلى السماء صار ممكنا، لكن بالعلم وليس بالجهل. لقد اخترق الإنسان الفضاء بالمركبات وصار القمر في متناول الأيدي. في كل لحظة هناك ملايين من البشر تنظر إلى الأرض من نوافذ الطائرات المحلقة. صارت الأصوات تنتقل بين القارات عبر الهواء من غير أن تكون هناك واسطة ملموسة لنقلها. لم تعد تقنية الانترنت ترفا، بل صارت حاجة، يؤكد المرء من خلالها وجوده في مكان فيما يجلس في مكان آخر وصار الناس يرون وجوه بعضهم، فيما يجلس كل واحد منهم في قارة. ليس الموت المجاني الذي تبشر به الجماعات المتطرفة وسيلة للذهاب إلى السماء إلا كذبة. هل امتلأت السماء بجثث القتلة والمقتولين من أفراد جماعات كالقاعدة وداعش وبوكو حرام وطالبان وحزب الله؟ تلك الزرقة الباهرة لا يمكن أن تكون مستقرا نهائيا لمَن سفك الدماء وأحرق الحقول وحرم الطفولة من براءتها ودمر حنان الأمهات وعاث بجمال النساء وهدم المدارس والآثار ودور العبادة ومزق الكتب وأشاع الفساد ونشر الذعر ووضع الملايين من البشر قيد التهجير والنزوح والتشرد. السماء لا ترحب بمَن لم يخلص إلى جوهر الحياة ساعيا إلى تدميره. السماء التي تحتضن كل لحظة ملايين البشر المحلقين بحنان وإشفاق هي مأوى العشاق الثملين بحب الحياة. أهل الأرض هم بناتها وهم أهل السماء أيضا. فاروق يوسف
مشاركة :