أُمّيْه الله لا يهينك لم تُرسل - عبد العزيز المحمد الذكير

  • 3/22/2014
  • 00:00
  • 27
  • 0
  • 0
news-picture

نظرة إلى الماضي الذي لم يكن بالبعيد جداً، عندما استطاع قاطن الجزيرة العربية أن ينتصر - ولو بعض الانتصار - على الشح المائي وعلى القلة والندرة اللتين قادتا الى النزاع والحروب، كانت أدواته بسيطة وتدار بعضلاته بقوة وثقة. وقد أعطى كل فصل حقه، فانتظر سحب المواسم وتغزل بمقدمها، مع أننا لم نسمع الكثير من الغزل بالآبار التي كان قد تعب في حفرها، لكننا سمعنا النخوة والاستماتة في الدفاع عنها أو استغلالها بواسطة غير صاحب الحق. في آداب الغرب لمن درسوها يقل أن يرى الدارس شعر غزل بالمطر والسحاب والبرق والشعيب. والسبب معروف وهو وفرة الأمطار. ودعي نجديّ لمدينة أوروبية أحبها بالسيل! فقالوا له: لا يسمعونك أهل الديرة. والحضر، قصدي أهل المنازل في نجد، يسأل مُضيّفه على سبيل الدعابة "أنتم مروّين" الجملة ليست سؤالاً، وإن بدت هكذا. تركيبة كلامية يمازح بها الضيف مضيّفهُ ليقول له: أُريد شربة ماء. والمقلق أيضاً أن تصريحات مسؤولين عن المياه تقول إن 50% من مياه الإسالة والإرواء تذهب هدرًا بسبب تلف وقِدَم شبكات التوزيع. فالتلف الظاهر في الإسفلت نراه، والتلف في المباني يظهر للرائي، والتلف بالرصف بالبلاط يظهر أيضاً. لكن شبكة المياه لا يراها أحد فهي تندثر وتتكسَر تحت الأرض. واندثارها خسارة اقتصادية وإدارية لا يمكن حسبانها لكبر حجمها. ربما لأن شبكات الإسالة جديدة علينا في هذه المنطقة من العالم، ولم نتعلم - بعد - أن برمجة تحديثها من أهم الضرورات. والمرأة التي تزوّد المنزل بالماء الصالح للشرب يقال لها: الروّاية - بتشديد الراء والواو. وهي "مبرمجة" أدق من برمجة الشبكات الحالية. أما الرجل (في الحجاز) فيقال له: السقّا، بتشديد السين والقاف، وكلها فصحى، من الإرواء والسقيا. وكلها مفردات توحي بالعذوبة والحيوية. والمقلق فيما يكتب الآن عن حالة الإرواء في بلادنا أنها قد تصل الى مرحلة تكون معها اعتمدت اعتماداً كلياً على التحلية التي لا تأتي الا بواسطة طاقة ومعدات تعتمدان بشكل كلي على الإدارة والصيانة وقطع الغيار والتعمير الدوري والتحديث وربما الصقل والتلميع..!!. ومع أن الأمطار وتكوينها عملية تحلية ربانية، فقد غابت - ربما لحكمة إلهية - عملية التحلية أو جعل البحر أحد مصادر الإرواء التي يلجأ الناس اليها. صحيح أن تحلية المياه المالحة عملية لجأنا إليها عند شح المياه الجوفية، وعند عدم إيفاء المتوفرة منها بحاجة مدن وعواصم ومصانع ومواسم حج وعمرة، وأخيرا استعملناها اي المياه الجوفية لإرواء أحواض برسيم وحدائق ورود قيل ان بعضها يصدر الى هولندا..!!. تجربة الاستنزاف خضناها، وتكسب منها بعضنا الكثير تمتعوا بالحاضر ونسوا المستقبل، وهذا باجماع كل من له معرفة بعلم الجيولوجيا واختصاص في اقتصاديات المياه من كتبوا ونصحوا. "بل الريق" كما يطلق العامة على ماء الشرب، سيجعل العملية صعبة أمام مخاطر الحروب، أو أمام تعذر الحصول على قطع غيار تساومنا عليها تجمعات صناعية أو دول لا تريد تركيعنا بأسعار برميل النفط وحدها بل بمياه الشرب.. وصيانة شبكات توزيع الماء الصالح للشرب - رغم أهميتها - رخوة، ولا أقول مهملة. فلكل شيء مدفون في باطن الأرض برامج صيانة وتبديل دورية، سواء ظهر العطب أو لم يظهر. وسوء الصيانة الدورية المبرمجة يكلف ميزانية البلد أكثر من المشاريع الجديدة. أي أن الوصلات المتضررة أو التالفة إذا لم يُبادر إلى تبديلها، لا يفيد معها الترميم المؤقّت..

مشاركة :