توفي فيدل كاسترو أب الثورة الكوبية الذي حكم بلاده بيد من حديد وتحدى القوة الأميركية العظمى لأكثر من نصف قرن قبل أن يسلم السلطة لشقيقه راوول، مساء الجمعة في هافانا عن تسعين عاماً. وأعلن راوول كاسترو في بيان تلاه عبر التلفزيون الوطني «توفي القائد الأعلى للثورة الكوبية في الساعة 22,29 هذا المساء» (03,29 ت غ السبت). ولم يوضح راول كاسترو أسباب الوفاة لكنه قال أن الجثة ستحرق. وقال «بناءً على رغبة عبر عنها الرفيق فيدل، سيتم حرق جثمانه في الساعات الأولى من يوم السبت». وأضاف «أن تنظيم الموكب الجنائزي سيتم توضيحه لاحقاً»، قبل أن يختم إعلانه مطلقاً هتاف الثورة «هاستا لا فيكتوريا سيمبري» (حتى النصر دائماً). وكان الزعيم الكوبي سلم السلطة في 2006 لشقيقه راوول، المسؤول الثاني في الحزب منذ تأسيسه في 1965، بعد إصابته بالمرض، وفي أبريل 2011 تخلى له عن آخر مسؤولياته الرسمية بصفته السكرتير الأول للحزب الشيوعي الكوبي. وغاب فيدل تماماً عن الأضواء بين فبراير 2014 وأبريل 2015، ما غذى حينها شائعات حول حالته الصحية. لكن منذ عام ونصف ورغم محدودية تنقلاته، عاد لنشر «أفكاره» وإلى استقبال شخصيات وأعيان أجانب في منزله. وفاجأ فيدل كاسترو الجميع بعدم استقباله رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، رغم الصداقة الكبيرة التي ربطته في الماضي بوالده بيار-اليوت ترودو، وذلك رغم أنه كان استقبل عشية وصول رئيس الوزراء الكندي الرئيس الفيتنامي تران داي كوانغ. وتأتي وفاة فيدل كاسترو بعد نحو عامين من الإعلان التاريخي عن التقارب بين كوبا والولايات المتحدة، ليطوي نهائياً صفحة الحرب الباردة التي أوصلت العالم إلى حافة النزاع النووي أثناء أزمة الصواريخ في أكتوبر 1962. وحيد ومع وفاة فيدل يجد راوول نفسه للمرة الأولى وحيداً في القيادة وهو الذي كان أكد عند تعيينه انه سيستشير «القائد الأعلى» في كافة القرارات المهمة. وبدا راول (بلغ 85 عاماً في يونيو) منذ عشر سنوات عملية بطيئة لنزع بصمة فيدل على النظام، ترجمت في أبريل باعتماد مؤتمر تاريخي للحزب الشيوعي الكوبي مجموعة من الاجراءات الاقتصادية الهادفة لانقاذ كوبا من الافلاس. كما رتب في الخفاء تقارباً تاريخياً مع الولايات المتحدة أعلن في منتصف ديسمبر، ليكشف بذلك عن نزعة برغماتية تناقض مناهضة شقيقه فيدل العميقة للولايات المتحدة. وعرف فيدل كاسترو بمواقفه الصاخبة وخطبه المطولة وايضا بزيه العسكري الأخضر الزيتوني وسيجاره ولحيته الاسطورية، وكان رمزاً للكفاح ضد «الامبريالية الأميركية» مع حصيلة رديئة في مجال الحقوق المدنية والحريات. وفيدل كاسترو نجل أحد كبار ملاكي الأراضي من ذوي الأصول الأسبانية، وقد فاجأ حتى أنصاره بتقربه من موسكو بعيد توليه الحكم في يناير 1959. وتحدى فيدل كاسترو 11 رئيساً أميركياً ونجا من مؤامرات لا تحصى لاغتياله بلغت رقماً قياسياً من 638 محاولة بحسب موسوعة غينيس، إضافة إلى محاولة فاشلة لانزال منفيين كوبيين مدعومين من وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (سي آي ايه) في خليج الخنازير (جنوب كوبا) في أبريل 1961. وفرض جون كينيدي بعيد ذلك في فبراير 1962 حظراً تجارياً ومالياً على كوبا، لا يزال ساري المفعول حتى الآن ويؤثر بشدة على اقتصاد كوبا رغم سلسلة من اجراءات التخفيف التي اعتمدتها إدارة الرئيس باراك اوباما. وفي أكتوبر 1962 وقعت أزمة الصواريخ التي تسبب فيها نصب صواريخ نووية سوفياتية في كوبا ما ولد مزايدات وضعت العالم على حافة التهديد الذري، وقررت واشنطن فرض حصار بحري على كوبا، وانتهى الأمر بسحب موسكو صواريخها مقابل وعد أميركي بعدم غزو كوبا. وأراد فيدل كاسترو رفيق سلاح القائد الثوري الأرجنتيني ارنستو تشي غيفارا، أن يكون بطل تصدير الثورة الماركسية في أميركا اللاتينية، وكذلك في افريقيا وخصوصاً في انغولا التي انخرطت فيها قوات كوبية لمدة 15 عاماً. وأثارت تلك الثورة حينها نوعاً من الاعجاب وافتخر النظام الكوبي بانه قضى على الأمية وأقام نظاماً صحياً ناجعاً وفي متناول جميع سكان كوبا البالغ عددهم 11,1 مليوناً، وهو انجاز نادر في بلد فقير في أميركا اللاتينية. لكن انهيار الاتحاد السوفياتي، أهم ممول لكوبا، في 1991 سدد ضربة قوية للاقتصاد الكوبي، وواجه السكان نقصاً كبيراً في التزويد، وأعلن فيدل كاسترو عندها «فترة خاصة في زمن السلم» وتكهن الكثيرون بنهاية نظامه. غير أن فيدل بطل الانبعاث السياسي، وجد مصدراً جديداً للدخل مع السياحة وخصوصاً مع حليفين جديدين هما الصين وفنزويلا في عهد الرئيس هوغو تشافيز الذي قدمه فيدل كاسترو باعتباره «ابنه الروحي». وأبقى فيدل كاسترو باستمرار حياته الخاصة بمنأى عن الأضواء، وشاركته حياته مرافقته داليا سوتو ديل فالي منذ ستينات القرن الماضي وأنجبا خمسة أطفال، ويتوقع أن تحضر جنازة رفيقها فيدل كاسترو الذي لديه ثلاثة اطفال آخرين على الأقل، بينهم بنت تعيش في ميامي، من ثلاث نساء أخريات.
مشاركة :