الفن رحلة عطاء والمرأة عطاء بلا حد ذلك أن عوالمها الشاسعة التي ألهمت الشعراء والفلاسفة تظل مجالات حية للخصب والأمل والحياة، وهي حالة أخرى وبالأساس من حالات الانسان الابداعية بالنظر لدورها في الفعل الانساني، هي المدرسة الأولى والجنة تحت أقدامها..المرأة، هذا الكائن الجميل. والابداع مجال من مجالات المرأة الحيوية لاثبات كيانها وتحقيق ذاتها فالتربية وما يحف بها فسحة لا تضاهى في الحيز الواسع للابداع والابتكار ومن هنا ننظر طبيعيا لابداعاتها في مجالات أخرى كالفنون والحقول الثقافية والفكرية عامة.. المرأة مبدعة.. فقط يفسح لها المجال كغيرها لتفصح عن اعتمالات الذات والكينونة والاسئلة والهواجس. في المنستير ومنذ سنوات تجاوزت العقد انطلقت فكرة بسيطة وعميقة في الآن وهي في شكل سؤال.. ماذا لويفسح المجال للمرأة عموما لتبرز قدراتها وابتكاراتها في مجالات العبارة التشكيلية.. وهكذا انطلقت الفكرة وبدعم من المندوبية الثقافية بالجهة. لقد مثل ملتقى العصاميات في التعبير التشكيلي بالمنستير منذ انبعاثه على الصعيد الوطني بولاية المنستير ومن خلال دعم و اشراف المندوبية الثقافية بالمنستير مجالا حيويا للقول بما هو متاح في مجالات الفنون التشكيلية من ابداعات لعدد من هواة الفنون من العصاميات حيث الفن تلك الموهبة والشغف والهواية وهو ما جعل هذا الملتقى بمثابة الحلقة الأخرى والهامة ضمن حلقات الفعاليات التشكيلية في الساحة الثقافية التونسية. لقد أشارت تجربة هذا الملتقى الروسبيني الى تلك المقولة "يوجد في النهر مالا يوجد في البحر" وبالتالي اكتشف الرواد ومتابعو هذا المهرجان عددا من الابداعات وبالتالي برزت رسامات وفنانات تخرجن من الملتقى وصارت تجاربهن محترمة أقمن المعارض وهكذا. هذه بادرة أولى على النطاق العربي جعلت المنستير التونسية سباقة اليها ما ميز الحراك التشكيلي التونسي وجعل للمرأة ضمنه هذا الحضور والفعالية والمشاركة حيث الفن هنا في المنستير وخلال هذه الأيام بتاء التأنيث وبطيف مخصوص من الألوان والمفردات التشكيلية الباذخة. وبمشاركة 79 مبدعة من مختلف جهات البلاد، وخاصة ولايات المنستير، قفصة، تونس، بن عروس، القيروان، سوسة، صفاقس، المهدية، توزر، قابس وأريانة انطلقت في 25 نوفمبر/تشرين الثاني الجاري فعاليات الدورة السادسة عشر من الملتقى الوطني للمبدعات العصاميات في التعبير التشكيلي والذي يُعتبر تظاهرة غير مسبوقة على المستوى العربي، فضلا عن مشاركة الفنانة التشكيلية البحرينية زكية زادا والتي تنزل ضيفة شرف على التظاهرة. ويكتسب الملتقى خصوصيته وطرافته من كونه يعمل على تقديم إبداعات النساء العصاميات بعيدا عن التكوين الأكاديمي والتقيّد بمدارس الفنّ التشكيلي، فضلا عن كونه أصبح منجما خرّج عددا من الأسماء التي باتت فاعلة اليوم في المشهد التشكيلي التونسي ليس محليّا فقط بل وعلى المستوى العربي والدولي. ويستعدّ المركب الثقافي بالمنستير لإستقبال عدد كبير من المبدعات العصاميات في التعبير التشكيلي، وذلك على مدى أيام 25 و26 و27 نوفمبر/تشرين أول الجاري، حيث تلتئم فعاليات الدورة السادسة عشرة من الملتقى الوطني للمبدعات العصاميات في التعبير التشكيلي. وانطلقت الفعاليات الجمعة 25 نوفمبر/تشرين الثاني في الثالثة بعد الظهر باستقبال المشاركات بالمركب الثقافي، وفي السهرة التأم "لقاء المبدعات" حول البحث عن الذات وتنوّع الآفاق التشكيلية. وفي اليوم الثاني انطلقت الفعاليات في التاسعة صباحا بافتتاح عمل الورشات الجماعية تحت عنوان "مساحات في التعبير التشكيلي الحر بفضاءات المركب الثقافي"، وهي ورشة الرسكلة وتطويع المواد بإشراف الفنان محمود الخليفي وورشة الحفر على المعادن "ظلال وإضاءة" بإشراف الفنان عبدالعزيز المعلال وورشة الفسيفساء بإشراف الفنان كريم كريّ وورشة التصوير الفوتوغرافي "نظرات متقاطعة" بإشراف الفنان عمر عبادة حرز الله وورشة الرسم المائي "مناجاة الألوان" بإشراف الفنان ياسين قلالة. في الخامسة مساء يتمّ الإفتتاح الرسمي بتدشين المعرض الجماعي الذي يحمل عنوان "فينوس... وهواجس الجمال في التعبير التشكيلي"، وفي العاشرة ليلا مداخلة علمية بعنوان "الممارسات الجديدة في الفنون المرئية" للأستاذين سامي بشير وسكينة ساسي ثمّ قراءات في أعمال المبدعات بإشراف الفنانين الصادق قمش وسامي بشير. اليوم الختامي للتظاهرة ينطلق في التاسعة صباحا بمواصلة أشغال الورشات وعرض أعمالها تحت عنوان "تصوّرات ورؤى فنيّة" وفي الخامسة مساء ينتظم حفل الاختتام بعرض موسيقي بعنوان "نساء بلادي" لمجموعة الشباب للموسيقى العربية ويتخلّل الحفل تكريم المشاركات في الملتقى وتسليم مديالية اللمسة العصامية وتكريم قيدومة العصاميات. هذا الملتقى مناسبة بارزة في المشهد التشكيلي ويمكن القول أنه من المهم التفكير بمتحف ومكان يحوي الأعمال والاستفادة من عرضها في مدن تونس وخارجها للاطلاع على حيز مهم من ابداعات المرأة بتونس الأصالة والفن والجمال والهوية. هكذا تسافر المنستير مع النسوة في حلهن التشكيلي وترحالهن الفني حيث المكان تلوين وتشكيل ونعم.. يوجد في النهر مالا يوجد في البحر.
مشاركة :