أكد عشرة مختصين وقيادات نفطية في أوبك وخارجها لـ"الاقتصادية"، أن إنجاز "اتفاق الجزائر" مهمة صعبة ومحفوفة بالمخاطر، لكن الآمال كبيرة في أن تنجح أوبك في قيادة السوق إلى بر الأمان وتقدم إسهاما قويا لاستعادة التوازن، وتجنب التقلبات السعرية واستعادة مستويات سعرية كفيلة بإنعاش الاستثمارات النفطية. وأشاروا إلى أن الوصول إلى 60 دولارا للبرميل سيتحقق على الأرجح خلال العام المقبل، وهو السعر الحرج الذي سيكون كفيلا بإنعاش استثمارات النفط الصخري من جديد، مستدركين أن التوازن الحقيقي في الأسواق لن يتحقق قبل عام 2019. وأوضحوا أن أوبك عادت بالفعل إلى دورها التاريخي في توجيه السوق ودعم التوازن بين العرض والطلب، مشيرين إلى أن النفط والغاز سيستمران في الهيمنة على مزيج الطاقة العالمي لأكثر من عشر سنوات مقبلة. وبدا كثير ممن استطلعت آراؤهم "الاقتصادية" متفائلين بمستقبل اتفاق الجزائر، والنتائج التي قد يسفر عنها الاجتماع الوزاري رقم 171 لمنظمة الدول المصدرة للبترول "أوبك" الأربعاء المقبل، والاجتماع مع المنتجين من خارج أوبك، الذي سيعقد الإثنين المقبل. وفى البداية، قال مصطفى صنع الله؛ رئيس المؤسسة العامة للنفط في ليبيا، إن "توقع نتائج اجتماع وزراء أوبك مهمة صعبة رغم أننا وجدنا في اجتماع الجزائر مؤشرات جيدة"، مشيرا إلى أن كل دول الإنتاج مطالبة بشدة في هذه المرحلة بتخفيض الإنتاج لدعم الأسعار. وفيما شدد صنع الله على أن خفض الإنتاج قضية اضطرارية وملحة بشدة على كل الدول، أوضح أن الطلب سينمو بقوة خاصة من الأسواق الصينية والهندية، وعلى المدى البعيد من المتوقع تحسن مستوى الأسعار. وأضاف، انه لا يستطيع تحديد فرص نجاح اجتماع أوبك بالضبط، ولكن يتمنى أن ينجح في هذه المهمة الكبيرة والثقيلة التي سيكون لها تأثيرات واسعة على الأسواق، مشيرا إلى أن نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي هو الذي سيرأس وفد ليبيا في اجتماع أوبك. وحول مدى صحة طلب ليبيا الإعفاء من خطة خفض الإنتاج، أكد صنع الله، أن "ما ينطبق على ليبيا ينطبق أيضا على العراق وإيران ونأمل من كل الدول المنتجة أن تعطى ليبيا وضعا خاصا، لأنها كانت خارج السوق لفترة طويلة ويصل حجم الفاقد من الإنتاج النفطي الليبي 1.3 مليار برميل منذ اندلاع الاضطرابات وبسبب الإقفالات المتعمدة للحقول النفطية، ما حرم ليبيا من دخل كبير محقق ونأمل من كل الدول تفهم وضع ليبيا. وأوضح صنع الله حول اتفاق جميع المنتجين في أوبك وخارجها على ضرورة الإجماع في خطة خفض الإنتاج، أن "ليبيا لها وضع خاص كما سبق وأن أكدنا مرارا، فالإنتاج متدن للغاية وما سينطبق على العراق وإيران يجب أن ينطبق أيضا على ليبيا"، لافتاً إلى أنه يجب أن يراعى أن ليبيا ليست منتجا كبيرا ولا يمكن أيضا أن تقبل حتى بتجميد الإنتاج في ضوء الوضع الراهن. ولفت إلى أن الجهود في المؤسسة الليبية تنصب حاليا على عودة الإنتاج والعاملين، بعدما كانت الموانئ والحقول مختطفة لفترة طويلة وتم تسلمها وتحريرها في سبتمبر الماضي، مبينا أن ليبيا مسيطرة بشكل كامل حاليا على القطاع النفطي في كل أرجاء البلاد. وأشار إلى أنه لم يطلع على تقارير الخبراء في اجتماعي الدوحة ثم فيينا، لكنه يتوقع أن التقرير ركز على الصعوبات والخسائر التي لحقت بالقطاع النفطي في الآونة الأخيرة. من جانبه، قال محافظ إحدى الدول العربية في منظمة أوبك، إنه متفائل بنجاح أوبك في تنفيذ اتفاق الجزائر وإقرار خطة خفض الإنتاج، مشيرا إلى أن تنفيذ الاتفاق سيؤدي على الفور إلى ارتفاع الأسعار بعدة دولارات، بينما الإخفاق في الاتفاق سيؤدي إلى انهيار الأسعار. وأضاف المحافظ - فضل عدم ذكر اسمه - أن المهمة ليست سهلة وواقعيا أوبك تواجه معضلة صعبة لأن الأسعار الحالية لا تساعد على نمو الاستثمار بينما رفع الأسعار بشكل كبير- إذا تم تقليص إنتاج أوبك- سيؤدي إلى نشاط الإنتاج الأمريكي وإغراقه الأسواق والعودة إلى حالة تخمة المعروض. وأشار إلى أن بعضهم اتهم منظمة أوبك في بداية تهاوي الأسعار عام 2014 بأن المنظمة انتهى دورها ووجودها، بينما الآن عرف الجميع قدرها ويطالبونها بالتحرك لدعم الأسعار. وأوضح، أنه واقعيا فإن دولا قليلة هي القادرة على زيادة الإنتاج لكن عموما الاستثمارات تراجعت كثيرا وبقاء الأسعار في المستويات الحالية لا يساعد على نمو الاستثمارات. ولفت إلى أن أسعار النفط تحركها في الأساس قوى العرض والطلب لكن هناك عوامل أخرى مؤثرة بقوة في السوق وبالأخص الإنتاج الصخري الأمريكي، الذي شهد سابقا حالة من الوفرة إلى جانب العوامل الجيوسياسية وسعر صرف الدولار الذي يرتبط بعلاقة عكسية مع أسعار النفط الخام. ونوه إلى أن الصين والهند هما محورا استهلاك النفط الخام في العالم ومعدل النمو في البلدين ينعكس على أسعار النفط الخام، مشيرا إلى أن النمو في الصين شهد بعض التباطؤ في السنوات الأخيرة إلى نحو 6 في المائة، بينما في المقابل ارتفع النمو في الهند إلى نسبة 7.3 في المائة خلال العام الجاري، ما سيساعد على تعزيز التحسن في أسعار النفط الخام. من ناحيته، أكد المهندس مضر الخوجة؛ الأمين العام للغرفة الاقتصادية العربية النمساوية أن نجاح خطة خفض الإنتاج مهمة صعبة للغاية بحسب ما نما إلى معلوماته عبر مندوبي الدول الأعضاء في منظمة أوبك، مشيرا إلى أن "السوق به نفط أكثر من الحاجة مما أضعف مستوى الأسعار التي يجب أن تبقى بين 60 و70 دولارا للبرميل لدعم اقتصاديات الدول المنتجة". وأضاف، أن صناعة النفط تعرضت لتأثيرات سلبية للغاية بسبب تهاوي الأسعار على مدى الأعوام الماضية، والأسعار لم تكن طبيعية وأدت إلى تعثر اقتصاديات أغلب دول الإنتاج خاصة في المنطقة العربية، فيما أعرب عن قناعته بصعوبة وصول أسعار النفط في الفترة الحالية وبداية العام المقبل إلى المستوى السعرى المنشود. وأوضح، أن الوضع في السوق يحتاج إلى حكمة بالغة ونقاش مستمر بين كل الأطراف لأن خفض إنتاج أوبك بنسبة كبيرة سيحفز الدول المنتجة من خارج أوبك على زيادة إنتاجها، مشددا على ضرورة التنسيق المستمر مع المنتجين سواء داخل أوبك أو خارجها. وحول التقارب السعودي الروسي أخيرا، قال إن استقرار السوق يتطلب دائما تنسيقا خاصا بين كبار المنتجين سواء السعودية أو روسيا وأيضا الولايات المتحدة بصفة أساسية، معربا عن أسفه لملاحظة استمرار عدم توحد الخطاب بين دول أوبك على الرغم من كل الجهود المبذولة لتحقيق التقارب والتنسيق في المواقف. بدوره، أوضح أندرياس شفينجس مدير شركة "أو إم في" النفطية النمساوية، أن أوبك في مفترق طرق وقد اتخذت قرارها بالسيطرة على المعروض العالمي منذ التوصل إلى اتفاق الجزائر في سبتمبر الماضي، وفرص النجاح قائمة رغم تعدد التحديات. وأكد أنه لا بديل عن سرعة التواءم مع الصعوبات والمتغيرات في سوق النفط الخام وعلى الشركات القيام بتعديل استراتيجيات الإنتاج والاستثمار من أجل الوصول إلى مستويات أفضل من الربحية، ولن يتحقق ذلك إلا من خلال برامج فعالة لخفض التكاليف. وأشار إلى أنه لا يستطيع أحد السيطرة على الأسعار في السوق ولكن يمكن السيطرة على القدرات الإنتاجية وتحسين مستويات الكفاءة والتمسك بنمو الاستثمار والبحث عن أفضل الأسواق للعمل والاستثمار بكفاءة وربحية عالية. من ناحيته، أكدت المحللة الروسية ماريا جوساروفا، أنها لا تتوقع نجاح أوبك في التوصل إلى اتفاقية حول خفض الإنتاج، مشيرة إلى أنه نما إلى علمها أن الساعات الأخيرة شهدت حالة تعثر جديدة في المفاوضات بين المنتجين. بدوره، أكد يوهانس بينجينى؛ مدير شركة "جيه بي سي" للطاقة، أن اتفاق الجزائر هو إنجاز مهم لدول أوبك، ويمثل تحولا مؤثرا في استراتيجيات عمل منظمة أوبك وطريقة تعاطيها مع المتغيرات في السوق. وأشار إلى أن اتفاق الجزائر إذا قاد بالفعل إلى تطبيق خفض الإنتاج، سيكون الأمر بمنزلة إنجاز عظيم للصناعة لكن المهمة ليست سهلة ومحفوفة بالمخاطر. وألمح إلى أن الوصول إلى 60 دولارا للبرميل سيتحقق على الأرجح خلال العام المقبل وهو السعر الحرج الذي سيكون كفيلا بإنعاش استثمارات النفط الصخري من جديد التي تجد في هذا المستوى مستهدفها للعودة إلى الإنتاج بقوة. وأكد أن الطلب سينمو أكثر من العرض في السنوات المقبلة لكن من المستبعد العودة إلى مستويات مائة دولار للبرميل مرة أخرى– بحسب تقديراته– فإن التوازن الحقيقي في الأسواق لن يتحقق قبل عام 2019. من جانبه، قال أيفيليو ستايلوف؛ المستشار الاقتصادي البلغاري في فيينا، إن قضية خفض الإنتاج تم تجاهلها لسنوات، وأدت إلى غياب الاستقرار واستمرار التقلبات السعرية، ما ساهم في زيادة الأعباء على كل أطراف الصناعة. وأضاف أن الأجواء مناسبة لتنفيذ اتفاق الجزائر ودعم الاستقرار والتوازن في السوق والأمر لا يحتمل مزيدا من الخلافات وهو ما تدركه أوبك جيدا وتعمل على تحقيقه في اجتماعها الوزاري المقبل، الذي من المتوقع أن يجيء مطولا وشاقا، لكنه أوضح أن الأمل ما زال باقيا في انطلاق جهود التعاون المشترك للمنتجين. من ناحيته، أوضح ردولف هوبر؛ المختص والباحث في شؤون الطاقة، أن المطلوب إدارة جيدة للسوق في هذه المرحلة الحرجة، وأوبك عادت بالفعل إلى دورها التاريخي في توجيه السوق ودعم التوازن بين العرض والطلب. وأضاف، أن هناك فائضا نحو أكثر من مليون برميل يوميا في الأسواق وأن نجاح تطبيق اتفاق الجزائر سيؤدي ولو مرحليا إلى امتصاص هذا الفائض وبلوغ حالة التعافي والاستقرار في الأسواق، مشيرا إلى أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة في دول منتجة مثل العراق وإيران وليبيا تجعلهم يضغطون في اتجاه زيادة الإنتاج ويصعب انضمامهم لتجميد أو خفض الإنتاج. من ناحيته، أوضح دامير سيبرات خبير الطاقة في كرواتيا، أن أوبك ستلعب دورا رئيسيا ومؤثرا في ضبط سوق النفط في المرحلة المقبلة، معربا عن تفاؤله تجاه نتائج الاجتماع الوزاري المقبل. وأوضح، أنه يجب ألا ننزعج من تراجع الأسعار لأننا نعيش مرحلة الطاقة الرخيصة التي ستكون حافزا للنمو في عديد من دول العالم خاصة الدول النامية، مشيرا إلى أن "سوق النفط اعتاد على اجتياز دورات اقتصادية متعاقبة وجميعنا نتذكر في عام 1989 عندما شهدنا سعر البرميل عند 12 دولارا للبرميل، كما نتذكر أيضا عندما قفز سعر البرميل إلى نحو 109 دولارات في عام 2012". من جانبه، قال ماركوس كروج؛ كبير محللي شركة "ايه كنترول" لأبحاث النفط والغاز، إن النفط والغاز سيستمران في الهيمنة على مزيج الطاقة العالمي لأكثر من عشر سنوات مقبلة، مشيرا إلى أن أوبك تزداد حصتها في المعروض العالمي كما أن دورها في دعم توازن السوق يتنامى أيضا. وتمنى أن يرسل الاجتماع الوزاري المقبل لأوبك رسالة للأسواق، تؤكد تحرك المنتجين بشكل جماعي وفعال وتضييق مساحات الخلافات والتركيز على استقرار السوق وارتقاء الصناعة. من ناحية أخرى، فيما يخص الأسعار في ختام الأسبوع الماضي، هبط الخام الأمريكي نحو 4 في المائة الجمعة متأثرا بحالة الضبابية بشأن ما إذا كانت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) ستتوصل إلى اتفاق بخصوص الإنتاج، بعدما قالت السعودية إنها لن تحضر مباحثات مع المنتجين المستقلين لمناقشة تقليص الإنتاج الإثنين. وانخفض خام القياس العالمي مزيج برنت بواقع 1.76 دولار أو ما يعادل 3.59 في المائة في العقود الآجلة إلى 47.24 دولار للبرميل عند التسوية، في حين نزل الخام الأمريكي في العقود الآجلة بواقع 1.90 دولار أو ما يعادل 3.96 في المائة إلى 46.06 دولار للبرميل. وأنهى الخام الأمريكي الأسبوع مرتفعا 13 سنتا للبرميل بعدما جرى تداوله بما يتراوح بين 45.77 و49.20 دولار للبرميل، فيما ارتفع برنت بواقع 20 سنتا خلال الأسبوع وجرى تداوله في نطاق 46.85 إلى 49.96 دولار للبرميل.
مشاركة :