ثورة «بلوك تشين»*

  • 11/27/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

*فايننشيال تايمز أمضى القطاع المالي العالمي السنوات القليلة الماضية في دراسة طريقة تعامله مع تقنية بلوك تشين وهي الدفتر الرقمي المتوافق مع شيفرة العملة الرقمية بيت كوين. فهل يمكن أن تشكل تلك التقنية منجم ذهب للبنوك الباحثة عن ضغط نفقاتها وتحسين كفاءة أجهزتها، أم أنه مجرد فقاعة تقنية عابرة استندت إلى فكرة لامعة لكنها تفتقر إلى الأدوات التي تجعل استخدامها مجدياً ومربحاً بحيث يخلق الباعث على نشرها على نطاق شامل؟ وباشرت بعض البنوك في اعتماد بلوك تشين في صفقات تجارية فعلية. فقد أعلن في هونغ كونغ عن تعاون بين بنك الصين المركزي وبنك إتش إس بي سي في خطط استخدام تلك التقنية في طلبات عقود الرهن العقاري من خلال تخصيص دفتر بمثابة سجل لتقييم العقارات. وهذا سوف يسهل عليهم منح القروض بتكاليف أقل حسب تقدير المسؤولين في البنكين. والواضح أن تخصيص دفتر لتقييم العقارات ليس إلا مجرد رأس جبل الجليد. فهناك من يعتقد أن بلوك تشين سوف تحدث ثورة في أنظمة عمل البنوك وأنظمة تداول العملات. وأهم عناصر تعويم تلك التقنية هو أنها تغني المتعاملين عن اللجوء للطرف الثالث وتسهل عمليات المقاصة والتسوية من خلال توفير سجل معاملات مالية خال من العراقيل والمماطلات. وقدرت شركة أوليفر وايمان الاستشارية حجم الوفر الذي يمكن أن تحققه البنوك في نفقاتها جراء تقنية بلوك تشين في عمليات التحويل عبر الحدود وعمليات تداول الأسهم ما بين 15 و20 مليار دولار سنوياً. ومع تزايد الضغوط على التنفيذيين في البنوك لضغط النفقات تزداد جاذبية مثل هذه التقنيات. وفي واقع الأمر يتطلع 50 بنكاً من كبار بنوك العالم لاستخدام هذه التقنية في أنظمتها خلال الأشهر الاثني عشر المقبلة. إلا أن معرفة خصائص تقنية جديدة شيء ونشرها شيء آخر، خاصة عندما تحيط بها الكثير من التساؤلات كما هو الحال في بلوك تشين. فأولاً هناك قضية الأمن. فمن أهم قواعد العمل المصرفي أن أمن النظام مرتبط إلى حد بعيد بعدد مستخدميه. فكلما ارتفع عدد المستخدمين صار اختراقه أسهل. وتفيد التقارير الخاصة بتقنية بلوك تشين بأنه يمكن نشرها على نطاق واسع جدا. ثم هناك مشكلة الكفاءة التشغيلية. فتخزين البيانات الضرورية لنجاح تجربة بلوك تشين في واحد من أسواق المال العالمية الكبرى مثلاً، لا بد أن يكون هائلاً ما يعني أنه يتسبب في بطء النظام. وأخيراً هناك مسألة السرية والخصوصية. فمن المفترض ان ينشر الدفتر الرقمي سجلات مرئية بكل لغات التشفير وهذا يتيح للمشتركين فيه التجسس على صفقات بعضهم البعض وبالتالي تصيد أفضل الصيغ لتحقيق الأرباح. ولا شك أن هناك حلولاً لهذه المشكلات. وأبسط تلك الحلول الاستغناء عن الدفتر الشامل المتاح لجميع المشاركين واعتماد دفتر مركزي، وبدلاً من مشاركة الجميع في كافة البيانات يمكن إنشاء مركز أو مجموعة مراكز فرعية ينضم إليها المشتركون إما حسب فئات تخصصية أو مواقع جغرافية. إلا أن مثل هذا التقسيم الذي يعزز الإجراءات الأمنية يقلص حجم المدخرات. وبدلاً من التعرض لهذا الكم من التحولات التقنية الضخمة قد تفضل البنوك الاحتفاظ بأنظمتها الحالية. وتفتح تقنية بلوك تشين قنوات أخرى لضغط النفقات. فمبادرة بنك الصين وإتش إس بي سي ليست سوى مثال بسيط إذ تشمل القنوات الأخرى إجراءات التوافق مع القوانين مثل غسل الأموال والسجل الائتماني للعملاء وغيرها كثير. وينبغي على البنوك التفكير ملياً قبل اعتماد تقنية بلوك تشين في عملياتها الرئيسية. وكغيرها من القطاعات التي تتطلب أنظمة سلامة عالية الكفاءة كما في الطيران والجسور المعلقة، يجب على البنوك توخي الحذر حيال الوقوع في فخ الإهمال بالاستغناء عن عين الرقيب من العنصر البشري التي تبقى يقظة عند تعطل الأنظمة التقنية. ويجب على هيئات التنظيم التأكد من أن سعي البنوك الحثيث لضغط النفقات لا يعميها عن رصد المخاطر.

مشاركة :