يُعدّ دونالد ترامب، الذي تم اختياره لرئاسة الولايات المتحدة الأميركية عن الحزب الجمهوري، نقطة تحوّل في الوضوح والصراحة الكاشفة لبواطن الأمور لدى الإدارة الأميركية، فليس غريباً أن يخرج علينا بتصريحات صادمة، مثل: منع المسلمين من دخول أميركا للزيارة أو إلقاء محاضرات، أو لاعتبارات تجارية واقتصادية، واعتبارهم إرهابيين، وإنشاء قاعدة بيانات للمهاجرين العرب والمسلمين، من أجل التعامل معهم بعنصرية وتفرقة. وعلى ذلك وفي الاتجاه نفسه كانت اختياراته لفريقه الرئاسي. فالرجل أصبح رئيساً لدولة عظمى دمّرت الكثير من الدول الإسلامية، وقتلت الملايين من المسلمين، وما زالت تعبّر عن مواقفها العنصرية ضد المسلمين بقتل المزيد منهم، تحت ذرائع متعددة خاصة في سوريا والعراق وأفغانستان، والوقوف بشكل مطلق مع إسرائيل ضد الفلسطينيين أصحاب الأرض، ودعم الانقلابات في العالم، وكان آخرها الانقلاب على المسار الديمقراطي في مصر، وعدم التدخل لإنقاذ الشعب السوري من براثن النظام الغاشم الذي يقتل الأطفال صباح مساء، ولا حول ولا قوة إلا بالله! ودعم مواقف إيران التوسعية في المنطقة العربية، والسكوت والتغاضي عن كل ممارساتها الطائفية التي تؤدي إلى تقسيم المنطقة العربية، والتدخل السافر في شؤون الدول العربية والتعدي على سيادتها بحجة محاربة الإرهاب، فضلاً عن دعمها السافر لكل من يحقق أجندتها في المنطقة، ومحاربة أي دولة تريد أن تستقلّ بقرارها! أقول: كل ما قاله دونالد ترامب، كان صادقاً في التعبير عن المشاعر الحقيقية للمجموعة الحاكمة في أميركا تجاه العرب والمسلمين، والفرق بينه وبين الآخرين أنه أكثر وضوحاً وصراحة، رغم الصدمة التي يمثلها للكثيرين حتى داخل الولايات المتحدة الأميركية. فهل يمكن محاسبته على مواقفه العنصرية البغيضة ضد العرب والمسلمين، وهل يمكن مساءلته قانونياً على تحريضه على العنف والإرهاب ضدهم؟! وإذا كان هذا التحريض يمثل مخالفات قانونية وسياسية، فهل يمكن لنقابات المحامين العرب رفع دعاوى ضده أمام المحاكم الأوروبية والأميركية؟! لأن هذه المواقف العنصرية ضد أكثر من مليار ونصف المليار مسلم، تمثّل الإرهاب بعينه، والتي تدّعي أميركا أنها تحاربه في كل مكان، ولكنها للأسف، بمثل هذه التصريحات والممارسات العنصرية، تولّد الإرهاب وتدعمه. ومن المؤسف أنّ المناخ السياسي والثقافي والإعلامي في الولايات المتحدة الأميركية، والغرب عموماً، أصبح جاهزاً لكلّ عاصفة هوجاء وأعاصير ضدّ كلّ ما هو عربي وإسلامي. وما يحدث في الولايات المتحدة لا ينفصل -للأسف- عن المناخ السلبي السائد في أوروبا ضدّ المهاجرين والمسلمين، والذي تضاعف وتعزّز بعد حدوث أعمال إرهابية في فرنسا وألمانيا وبلجيكا، وهي الدول التي تقود الاتحاد الأوروبي، وخصوصاً بعد تدفّق مئات الآلاف من المهاجرين واللاجئين من دول عربية وإسلامية. وعلى ذلك، يجب أن ينتبه الشعب الأميركي إلى أن خطاب الكراهية وتأجيج "الإسلاموفوبيا" لا يصبّ في مصلحة الولايات المتحدة ولا الغرب بشكل عام، فقد تزايدت معدلات جرائم الكراهية ضد المسلمين في الغرب منذ شن هجمات باريس، والذي يعزز ذلك وجود ثغرات قانونية تساعد على إفلات مرتكبي تلك الجرائم من العقاب، خاصة أنه يتعذر إقامة أي دعاوى قضائية بشأن "الإسلاموفوبيا". أقول: لا سبيل للمجتمع الغربي -إن أراد الأمان من التطرف والإرهاب- إلا بنبذ كل الخطابات التحريضية التي تنشر الكراهية في المجتمعات، وتؤجج الصراع وتهدد السلم المجتمعي، فالحل الأمثل هو دعم المسلمين ومساعدتهم على الاندماج في مجتمعاتهم الأوروبية والغربية؛ لأنهم جزء لا يتجزأ منه، حينها فقط سيكون المسلمون في الغرب هم حائط الصد الأوّل، والحصن المنيع ضد تسلل التطرف إلى المجتمعات الغربية. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :