حالة من الشد والجذب تشهدها مصر هذه الأيام، خاصة بعد أن أقر مجلس النواب بصفة مبدئية مواد قانون الجمعيات الأهلية الجديد. هل يعود المرشح الرئاسي السابق أحمد شفيق إلى مصر؟ وقدم المشروع عبد الهادي القصبي رئيس لجنة التضامن الاجتماعي، و203 من أعضاء البرلمان، وحظي بالموافقة عليه، قبل أن يعاد طرحه في الجلسة العامة في غضون الأيام المقبلة للحصول على الموافقة النهائية على مواده التسعة وثمانين. القانون الذي جوبه باعتراضات واسعة من الجمعيات الأهلية، وخاصة "الحقوقية" منها، والتي توجه إليها أصابع الاتهام داخل مصر، بتلقي تمويلات "مشبوهة" من "الغرب"، قوبل أيضا بمعارضة حكومية، عبرت عنها وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي، والتي قاطعت جلسات البرلمان التي ناقشت القانون ، مبدية تحفظاتها على ما ورد ببعض مواده. وبينما وقف البرلمان وحيدا في مواجهة الحكومة والمنظمات الحقوقية، فوجئ الرأي العام في مصر بتدخل وصف بـ"المريب" لسفراء الاتحاد الأوروبي في القاهرة، والذين دعوا لعقد اجتماع في الثلاثين من نوفمبر/تشرين الثاني "الأربعاء المقبل" بمقر مفوضية الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، بحضور سفراء دول الاتحاد الأوروبي وسويسرا لاتخاذ موقف ضد قانون الجمعيات الأهلية الجديد، ووجه الاتحاد الأوروبي الدعوة كذلك لعدد من نواب البرلمان، من المعارضين للقانون، وفي مقدمتهم من يوصفون بتكتل"25/30"داخل البرلمان للمشاركة في الاجتماع. وعلي نفس الخط، دخلت العديد من وسائل الإعلام الغربية، لتشن حملة واسعة ضد مشروع القانون المقدم من النواب، حيث لم تتوقف وكالات ومحطات "رويترز-اسوشيتد برس-سي إن إن-بي بي سي" وغيرها، عن التحريض على القانون، وتبني آراء عدد محدود من المنظمات "الممولة" والتي لا يزيد عددها عن خمس أو ست منظمات فقط، يبدون تضررهم من هذا القانون، متجاهلة أن في مصر نحو "46"ألف جمعية ومنظمة، تمارس العمل الأهلي، ودون محاذير تذكر. هذا التكاتف بين الحكومة المصرية ومنظمات التمويل الأجنبي وسفراء الاتحاد الأوروبي وسويسرا، جاء في سياق الاعتراض علي عدد من البنود التي تضمنها قانون الجمعيات الجديد، خاصة فيما يتعلق بالمادة "70"من القانون المقدم من النواب، والتي تبنت ضرورة "إنشاء جهاز قومي يسمي -الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية-يتبع رئيس مجلس الوزراء شخصيا، وتكون له شخصية اعتبارية، وتنشأ له مكاتب في المحافظات الأخرى، ويتولى البت في كل ما يتعلق بتأسيس وعمل ونشاط المنظمات الأجنبية غير الحكومية في مصر، وكافة صور تعاونها مع المؤسسات والجهات الحكومية وغير الحكومية داخل البلاد، والتمويل الأجنبي للجمعيات والمؤسسات الاجتماعية، ويصدر بتشكيله قرار من رئيس الجمهورية برئاسة رئيس متفرغ بدرجة وزير وعضوية ممثلين للوزارات والجهات المعنية، ومنها ممثلون لوزارات الخارجية والدفاع والعدل والداخلية والتعاون الدولي والوزارة المختصة، وممثل للمخابرات العامة، وممثل للبنك المركزي، وممثل لوحدة غسل الأموال، وممثل لهيئة الرقابة الإدارية، ويكون للجهاز أمانة عامة برئاسة أمين عام متفرغ وعدد من العاملين المؤهلين.". وزارة التضامن ، الممثلة للحكومة المصرية، أعلنت رفضها لهذا القانون، وخاصة تشكيل الجهاز القومي لتنظيم عمل المنظمات الأجنبية غير الحكومية، وأعلنت الوزيرة غادة والي عن تمسكها باللجنة التنسيقية "البديلة" عن الجهاز القومي "برئاستها"، وهي لجنة تخلو من العناصر الرقابية المعنية بالتمويل الأجنبي، وكذلك تفتقد وجود آلية لضبط التمويل الأجنبي ومراقبته. ونقطة الصدام الثانية بين الحكومة والبرلمان، تدور حول المادة"87"،والتي تفرض عقوبة الحبس لمدة لا تقل عن سنة، ولا تزيد علي خمس سنوات، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه، ولا تزيد علي مليون جنيه لكل من أنشأ جمعية، ثبت أن حقيقة أغراضها ممارسة الأنشطة المحظورة، وكل من تلقي أموالا من جهة أجنبية، أو قام بجمع التبرعات بالمخالفة لأحكام هذا القانون، حيث يرفض مشروع الحكومة، المعدل لقانون الجمعيات رقم"84"لسنة "2002"عقوبة الحبس، ويقصر العقوبة فقط علي الغرامة من"50"ألف جنيه، إلي مليون جنيه. الصراع بين الحكومة والبرلمان، والذي تفجر بشكل علني في الأيام الماضية، دفع بوزير الشؤون القانونية والبرلمانية المستشار مجدي العجاتي-ممثل الحكومة-إلى مطالبة مجلس النواب بوقف مناقشة القانون، لحين عرض مشروع الحكومة، جنبا الي جنب، وهو ما رفضه النواب بأغلبيتهم الساحقة، متسائلين عن الأسباب التي تدعو الحكومة، وممثليها تحت قبة البرلمان إلى عرقلة مشروع النواب، وهو حق أصيل لهم وفقا للمادة"101"من الدستور المصري، ويرى العديد من النواب، في معرض دفاعهم عن القانون، أنه، وإن كان الدستور المصري، ووفقا للمادة "75"منه، منح المواطنين الحق في تكوين الجمعيات والمؤسسات الأهلية، على أساس ديمقراطي، وتكون لها شخصيتها الاعتبارية، بمجرد الإخطار، إلا أن الدستور في المقابل أكد ضرورة حماية الأمن القومي والنظام العام في البلاد. ويستندون كذلك إلي أن المادة"22"من"العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية" لم تطلق حرية تكوين الجمعيات والمنظمات بدون ضوابط، بل انها أكدت ضرورة صيانة الأمن القومي للدول أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. ويري هؤلاء أنه "واستنادا إلى ما تعرضت له مصر من مؤامرات خارجية، تستهدف الفوضى واسقاط الدولة أن تكون هناك ضوابط محددة ،تحمي الكيان القومي، وتلتزم بما نص عليه الدستور والمادة"22"من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية". وارتكز هؤلاء في معرض دفاعهم عن مشروع قانون الجمعيات الأهلية الجديد، إلى ما أعلنته لجنة تقصي الحقائق المصرية، والتي حققت في التمويل الأجنبي، للمنظمات، في الفترة من فبراير/شباط، وحتي نوفمبر/تشرين ثان"2011"أي الفترة التي أعقبت ثورة الخامس والعشرين من يناير، حيث كشفت اللجنة" أن جملة ما تم صرفه على دعوات الفوضى التي شهدتها البلاد في تلك الفترة فقط بلغ مليارا ومائتي مليون دولار". يومها- يري النواب في معرض تبريرهم- أن الدكتورة فايزة أبو النجا، وزيرة التعاون الدولي في ذلك الوقت- مستشار الأمن القومي للرئيس حاليا، رصدت كافة الاختراقات، التي وصفت بـ"المال الملوث "للعبث بالأمن القومي للبلاد، وحذرت مبكرا من خطورة الصمت الحكومي علي هذه التجاوزات، وطالبت بضرورة وجود ضوابط حاكمة لهذا التمويل، ولقيم الشفافية والإفصاح التي ظلت غائبة عن هذا القانون طيلة الفترات الماضية. وكان من الغريب، بل والمثير- بحسب هؤلاء النواب- أن تظل الحكومة على صمتها، متجاهلة كافة المخاطر التي تتعرض لها البلاد من الخارج، ثم تنتفض، حين يبادر نواب البرلمان بإعداد قانون يستهدف حماية الأمن القومي لمصر، ساعية لإجهاضه، ومتلاحمة مع المنظمات الحقوقية "الممولة" والاتحاد الأوروبي، في ذات الموقف، ونفس الخندق؟!. محمود بكري
مشاركة :