في إحدى ليالي عام 1943 المُقمرة، كان الشيخ مصطفى إسماعيل أو كما لقبوه بـ«سلطان التلاوة»، على موعد مع صدفة قلبت حياته رأسًا على عقب، ففي تلك الليلة، قامت الإذاعة المصرية بنقل الإذاعة إلى مسجد الإمام الحسين، القاهرة، تمهيدًا لنقل الإذاعة الخارجية مُباشرة في تلك الليلة، وكان من المقرر أن يحيي الحفل، الشيخ عبد الفتاح الشعشاعي، إلا إنه تأخر عن الحضور، وفكّر الجميع كيف ستمُر تلك الليلة بدون الشيخ المعروف. وبعد قليل من التفكير، قال الشيخ محمد الصيفي، إنه سيطلُب من الشيخ مصطفى اسماعيل أن يُحيي الحفل، نظرًا لعذوبة صوته، إلا أن تلك الفكرة قوبلت بالرفض، لأن الشيخ مصطفى لم يكُن تم اعتمادة في الإذاعة المصرية بعد، فقال لهم الشيخ الصيفي: «دعوه يقرأ على مسئوليتي الشخصية»، وبعد لحظات، استسلم المسئولون لفكرة الشيخ الصيفي، كمّا لم يكن لديهم حل بديل. وفي البدء، قرأ الشيخ مصطفى آيات من سورة «التحريم»، لمدة نصف ساعة، بدأت من الساعة الثامنة، وحتى الثامنة والنصف، وسط استجابة الجمهور، وما أن انتهى الشيخ مصطفى من القراءة، حتى أقبل عليه الجمهور يقبله ويُهلل، وبينما يستعد لمغادرة المسجد، طلب منه الحاضرون أن يستمر في القراءة، بما تيسر لهُ من آيات القرآن الكريم، وبالفعل استسلم الشيخ مصطفى لإلحاح الجمهور، كما أنه لا يستطيع رفض طلبهم، وهُم جناب سيدنا الحُسين الطاهر، نظرًا لمّا يحمله مقام الحُسين من دلالات تتعلق ببركة أهل البيت النبوي. ظل الشيخ مصطفى يقرأ القرآن الكريم، حتى انتصف الليل، فيما يجلس الناس حوله في خشوع، فكانت تلك هي بطاقة مرور الشيخ مصطفى اسماعيل كمقرء للقرآن الكريم، داخل العاصمة، القاهرة، ومن خلال البث المباشر لإذاعة القرآن الكريم، تعرّف عليه الجمهور المصري في مسجد الحسين، وفي البيوت أيضًا. وفي تلك الليلة، حدثت الصُدفة التى قلبت حياة الشيخ مصطفى اسماعيل، فكان من ضمن الآلاف اللذين يستمعون لصوته عبر إذاعة القرآن الكريم، كان يجلس الملك فاروق، مُستمعًا، وأعجب بصوته، فأصدر بعدها أمرًا ملكيًا، بتكليفه ليكون قارئ القصر الملكي، وعندها حاول السكرتير الخاص للملك، محمد باشا سالم، التوصل لأي معلومات عن الشيخ مصطفى من الإذاعة، فأخبروه أنه قارئ مجهول، لا يعرفون عنهُ سوى اسمه. وبعد محاولات كثيرة من سكرتير الملك، توصل إلى الشيخ محمد الصيفي، صاحب فكرة إحياء مصطفى إسماعيل لتلك الليلة، وبالفعل أخبره عن عنوانه، وبينما كان الشيخ يجلس بين أهله وأولاده بقرية «ميت غزال»، إذ به يفاجأ بعمدة القرية ومأمور المركز يقتحمان عليه بيته، ويسأله المأمور: «أنت مصطفى إسماعيل؟»، فقال بصوت مُرتبك «نعم»، وقد ظن أنه ارتكب جرمًا كبيرًا دون أن يدري، فسأله «إيه اللي حصل؟»، فقال «عليك أن تذهب غدًا إلى القصر الملكي، لمقابلة مراد باشا محسن، ناظر الخاصة الملكية بقصر عابدين»، فسأله الشيخ «لماذا؟»، قال «لا أدري وعليك أن تنفذ الأوامر فقط». وفي اليوم التالي، سافر الشيخ مصطفى اسماعيل إلى القاهرة، وداخل القصر الملكي، التقى بناظر الخاصة الملكية، والذى هنأهٌ بدوره بتقدير الملك لصوته وموهبته، وأخبره بالأمر الملكي الذي صر بتكليفه قارئًا لإحياء ليالي رمضان، بقصر رأس التين والمُنتزه بمدينة الإسكندرية.
مشاركة :