الموصل - اف ب: تقف بشرى طلال، بعد أيام من فرارها من تنظيم داعش في مدينة الموصل، على طريق ترابية موحلة بين خيم النازحين في الخازر، وتهتف بأعلى صوتها "أريد الخروج، أخاف على بناتي من البرد". وصلت بشرى إلى مخيم الخازر شرق الموصل برفقة بناتها الثلاث قبل أيام، بعدما فرت من حي السماح في الموصل التي شهدت قبل عامين مقتل زوجها على يد الدواعش. في الخيمة التي تسكنها مع بناتها، وأكبرهن في الـ 13 من العمر، تبكي طفلة بشرى ليلاً وتنادي والدتها "ماما أشعر بالبرد، ماما أشعر بالبرد". تنهمر دموع الأم لإحساسها بالعجز. وتقول "البرد أنهكنا، بناتي مرضن من الإسهال والقيء". وتضيف المرأة الشابة (30 عاماً)، التي أحيطت بكثيرين للتعبير عن التضامن، أن "المياه باردة، لا يستطعن حتى الاستحمام أريد فقط الخروج، لسنا في سجن أبوغريب". وتتابع وقد لفت رأسها بحجاب أصفر يكسر سواد عباءتها التقليدية "ذهبت لأرى مسؤول المخيم وأطلب منه أن نخرج من هنا، لا أريد أن يموت أولادي من البرد". طوال أكثر من عامين سيطر خلالها تنظيم داعش على الموصل، آخر معاقل الجهاديين في العراق، عانى سكان المدينة من الممارسات الوحشية والقيود الصارمة التي كانت تفرض عليهم. ونزح أكثر من 70 ألف شخص منذ بدأت القوات العراقية عمليتها العسكرية لاستعادة الموصل في 17 أكتوبر. وتعيش غالبية النازحين في مخيمات تزداد قدراتها الاستيعابية يومياً. أيدينا تشققت عند مدخل مخيم الخازر، وضعت عشرات الصناديق التي تحوي مدافئ جديدة بعضها فوق بعض، استعداداً لتوزيعها على النازحين الذين يعيشون في مئات الخيم البلاستيكية بأبوابها المتطايرة الشبيهة بالستائر. وتؤكد المسؤولة في مكتب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في العراق كارولين غلاك أن المفوضية وزعت "3300 جهاز تدفئة" على مخيمي الخازر وحسن شام (شرق الموصل)، فيما يؤوي الأول "28992 شخصاً" والثاني"10860 شخصاً". لكن نزلاء المخيم يشككون بفائدة تلك الأجهزة في ظل نقص الوقود والبرد القارس.عند سؤاله عن البرد، يرد إدريس جبر (46 عاماً) من حي عدن الذي استعادته القوات العراقية قبل يومين في شرق الموصل، "لا تسألوا حتى!". ويضيف "ليس هناك كهرباء، لا غاز ولا مازوت، ولا حتى أدوية إذا مرض الواحد منا من البرد". لا يزود مخيم الخازر بالكهرباء إلا لأربع ساعات فقط خلال العصر، وليس في كل الخيم، وفق ما يقول نازحون كثر. في مخيم الخازر، حيث تغيب أيضاً التجهيزات الضرورية، تشكو النساء من المياه الباردة التي يستخدمنها لغسل الأطباق أو الثياب أو الاستحمام. وتقول علية زنون (56 عاماً) وهي تغسل الأطباق في وعاء كبير أمام خيمتها، "متنا من البرد، أيدينا تشققت وامتلأت بالفطريات من المياه الباردة". سأموت نزحت فاطمة حسن عمر "38 عاماً" مع عائلتها وأطفالها الستة إلى مخيم الخازر قبل 23 يوماً، هرباً من المعارك قرب قريتها علي رش في ناحية برطلة شرق الموصل. ومذ ذاك، تعاني يومياً جراء انخفاض درجات الحرارة. وتعرب فاطمة عن خشيتها على أولادها "أخاف على أولادي، طفلي يعاني من الإسهال". تشير إلى قريبتها الجالسة إلى جانبها وتردد "أخاف على الحجة". تنضم "الحجة" مريم سفر -71 عاماً- إلى الحديث، وأمامها موقد صغير وضعت عليه إبريقاً من الشاي، تقول "حين يأتي المطر سأموت".
مشاركة :