كيفَ نستغلُ السوشيال ميديا للترويج لأعمال نجيب محفوظ؟

  • 11/28/2016
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

وبعدما وجد نفسه قد قارب على الانتهاء من قراءة خمس عشرة أو عشرين رواية، جلس على كرسيه يفكر، كيف يخرج على أصدقائه في الفيسبوك ويظهر أمامهم شخصاً عميقاً بوهيمياً متمرداً؟ فكر كثيراً إلى أن اهتدى بتفكيره أن يهاجم أديب كبير. "ولكن أهاجم كي أبدو أمامهم شخصاً يسارياً مختلفاً؟!" هكذا حدَّث نفسه قبل أن تومض في عقله فكرة، ألا وهي مهاجمة الأديب نجيب محفوظ، رغم أنه ظل يشكر فيه قبل يومين حين كان جالساً مع أصدقائه على أحد مقاهي وسط البلد! وضع أنامله على لوحة المفاتيح ليكتب: "وما نجيب محفوظ إلا صنم صنعتموه لتعبدوه، وأن أسلوبه سطحي ركيك". لا شك أن له الحق تماماً في التعبير عن رأيه، بشرط أن يدعمه بمبررات توضح سبب تحقيره وتقليله هذا، ولو كان فعل ذلك وأوضح وجهة نظره كاملة لربما كنت تراجعت عن كتابة هذا المقال، ولكن ما أثار حفيظتي هو أنه لم يفعل ذلك، ولأنني أختلف معه تماماً فسأوضح هنا بعضاً من وجهة نظري، ولماذا أخذ نجيب محفوظ هذه المرتبة العليا في الأدب المصري خصوصاً، والعربي عموماً، بل والعالمي إن كنا نريد تحري الدقة. نجيب محفوظ هو ببساطة أول عربي يحصل على جائزة نوبل في الأدب. نجيب محفوظ هو أكثر أديب عربي تم تحويل أعماله الأدبية إلى أعمال درامية، سواء سينمائية أو تلفزيونية. نجيب محفوظ هو أكثر أديب عربي أثارت أعماله جدلاً، وعلى رأس هذه الأعمال روايته الأشهر، أولاد حارتنا، والتي ما زالت يتم تناولها ومناقشتها في الكثير من الندوات الأدبية والمقالات، وكثيرون ما أخذوا بأنها إسقاط ديني، وفريق آخر قال إنها إسقاط سياسي، وآخرون رأوا أنها مجرد رواية واقعية ممزوجة ببعض الفلسفة الوجودية، بل وكتب عنها دراسات نقدية وتحليلية كثيرة جداً تقدر بالعشرات. ومثلما نال عملاً واحداً من أعماله كل هذا الجدل، فمعظم أعماله الأخرى كان لها حظ من هذا الجدل أيضاً، فالرجل رغم أنه في ظاهر الأمر يبدو أنه يتناول الحارة المصرية، لكن حينما نتعمق أكثر نجده يحقن فلسفاته داخل الشخوص، حتى إن القارئ حينما ينتهي من العمل يجده يحمل أكثر من إسقاط، وأكثر من تأويل، فيثير بذلك غريزة التفكير فيه. نجيب محفوظ -في رأيي- أعظم من استخدم تقنية الراوي المتعدد في أعماله، ويتجلى ذلك بوضوح في رواية ميرامار، الرواية البوليفونية بجدارة، وفي هذا النوع من السرد، يكون الكاتب محايداً تماماً، ويقف على مسافة متساوية من كل الشخوص، والذي يقرأ ميرامار بتأنٍّ، يعلم جيداً مدى صعوبة كتابتها، ومدى الدقة اللازمة لذلك. أتحدث هنا عن طرحه لحادثة واحدة، يقابلها طرح عدة وجهات نظر تجاهها، نفس الشيء في رواية أفراح القبة، ورواية العائش في الحقيقة أيضاً. نجيب محفوظ هو أبرع من جعل المكان بطلاً، ويتجلى ذلك في رواية قشتمر، ميرامار، وزقاق المدق، وغيرها الكثير، بالإضافة لطريقته الساحرة الآسرة في الوصف، فيجعلك تشم رائحة مقهى المعلم كرشة، ومنزل سنية، ورائحة حميدة.. إلخ. نجيب محفوظ، هو أكثر أديب عربي تمت ترجمة أعماله لمعظم اللغات إن لم يكن جميعها، بل ومثلما تم تحويل أعماله إلى أفلام ومسلسلات مصرية، أيضاً تم تحويلها لأفلام أجنبية، على سبيل المثال لا الحصر... زقاق المدق الذي لعبت فيه دور حميدة الفنانة العالمية سلمى حايك، وفيلم بداية ونهاية واللص والكلاب.. إلخ. لم أتحدث بعد عن ملحمة الحرافيش، أو همس الجنون أو السراب، ولم أتحدث عما قال عنه الغرب، ولن يكفيني عشرات المقالات كي أصف وأسرد وأفند وأشرح هذا الأديب العظيم، ومهما تكلمت لن أستطيع أن أوفيه حقه، كل ما في الأمر أنني ينتابني الحزن حين أرى أحد رموز وأيقونات الأدب المصري، رفع رؤوس كل المصريين بما فعله وما حصل عليه، في حين يأتي جاهل جهول يجلس وراء شاشته مستغرباً ومندهشاً من تعظيم العالم لنجيب محفوظ، لمجرد أنه أحس بأن لديه حفنة قليلة من المتابعين على مواقع التواصل الاجتماعي! وإن فاجأته وسألته ماذا قرأ لأديب نوبل، فحتماً لن يستطيع الرد عليك. أراد أن يبدو مختلفاً، فسبقت التاء الخاء بالنسبة للبعض، بينما اختفت الفاء بالنسبة لي. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

مشاركة :