حلب – بعد نحو أربعة أشهر من حصار خانق وبعد هجمات جوية وبرية لم تهدأ طيلة تلك الفترة إلا نادرا، انهارت قوات المعارضة السورية في شرق حلب بشكل لم يكن متوقعا فيما تواصل القوات السورية النظامية التقدم باتجاه انتزاع المزيد من المناطق التي لاتزال تسيطر عليها الفصائل المسلحة. وخسرت الفصائل المعارضة الاثنين كامل القطاع الشمالي من الأحياء الشرقية في مدينة حلب، ثاني المدن السورية، إثر تقدم سريع أحرزته قوات النظام وحلفاؤها فيما فر آلاف السكان من منطقة المعارك. وتشكل سيطرة قوات النظام على ثلث الأحياء الشرقية بحسب المرصد السوري لحقوق الانسان، الخسارة الأكبر للفصائل المعارضة منذ سيطرتها على شرق المدينة في 2012، في وقت تعد أكبر انتصارات النظام الذي استعاد المبادرة ميدانيا منذ بدء روسيا حملة جوية مساندة له قبل أكثر من عام، وفي ظل عجز دولي كامل إزاء ايجاد حلول لتسوية النزاع المستمر منذ أكثر من خمس سنوات. ويعتقد أن الحصار الذي فرضه نظام الأسد وحلفاؤه من المليشيات الشيعية والقوات الايرانية والروسية، أضعف فصائل المعارضة السورية التي تشعر بالإحباط نتيجة الصمت الدولي على ما يحدث في شرق حلب. وتراجع زخم الجهود الدبلوماسية بشكل لافت في الفترة الماضية مع تحقيق الجيش السوري مكاسب ميدانية تقربه تدريجيا من اعادة فرض سيطرته على كامل حلب. والأرجح أن انهيار المعارضة في عدد من الأحياء الشرقية أمام الجيش السوري نقطة تحول في مسار الحرب. ومع فرار أكثر من عشرة آلاف مدني من شرق حلب إلى مناطق تحت سيطرة النظام وأخرى تحت سيطرة الاكراد، توجهت المئات من العائلات في اليومين الاخيرين إلى جنوب الأحياء الشرقية التي لا تزال تحت سيطرة الفصائل المعارضة ويعيش سكانها المحاصرون وسط ظروف انسانية صعبة للغاية. ووصف الناطق باسم الدفاع المدني في حي الأنصاري ابراهيم أبوالليث الوضع في شرق حلب بـ"الكارثي". وقال بصوت متقطع "هذان أسوأ يومين منذ بدء الحصار.. النزوح جماعي والمعنويات منهارة". وأضاف "تنام الناس على الأرض. لا مأكل ولا مشرب ولا مأوى أو ملجأ"، مضيفا بغضب "قولوا لنا إلى متى سيبقى العالم ضدنا؟". وشوهدت عشرات العائلات معظم أفرادها من النساء والأطفال، تصل تباعا سيرا على الاقدام. ويعاني أفرادها من الإرهاق والبرد الشديد والجوع، حتى أن بعضهم ليس بحوزته المال لشراء الطعام. وعمل أهالي الحي على ايوائهم في منازل خالية من سكانها وتبرعوا لهم بالأغطية. ومنذ بدء قوات النظام احراز تقدم في شرق حلب، أحصى المرصد السوري لحقوق الانسان فرار أكثر من ستة آلاف مدني إلى حي الشيخ مقصود، ذو الغالبية الكردية، وأربعة آلاف الى مناطق سيطرة قوات النظام. وتداولت مواقع كردية مقاطع فيديو تظهر مئات الاشخاص وهم يتجمعون في باحة في الشيخ مقصود بعد وصولهم إلى الحي. وفي صور أخرى، يسير العشرات وبينهم عدد كبير من الأطفال على طريق وهم يحملون حقائب وأمتعة أحضروها معهم. وهي المرة الأولى، بحسب المرصد، التي ينزح فيها هذا العدد من السكان من شرق حلب منذ 2012 حين انقسمت المدينة بين أحياء شرقية تحت سيطرة الفصائل وغربية تحت سيطرة قوات النظام. حي تلو الآخر واستأنفت قوات النظام في 15 نوفمبر/تشرين الثاني حملة عسكرية عنيفة ضد الأحياء الشرقية، تخللها هجوم ميداني على أكثر من جبهة وغارات كثيفة على مناطق الاشتباك والأحياء السكنية. وحتى بدء الهجوم، كان يعيش أكثر من 250 ألف شخص في الأحياء الشرقية في ظروف صعبة نتيجة حصار بدأته قوات النظام قبل حوالى أربعة أشهر. ودخلت آخر قافلة مساعدات إنسانية إلى مناطقهم في يوليو/تموز. وقال المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين سكوت كريغ الاثنين "الوضع في شرق حلب متقلب وتتطور الأمور بسرعة"، مضيفا "نحن قلقون للغاية من تبعات القتال على السكان المدنيين في حلب". وغداة سيطرة القوات السورية على العديد من الأحياء الاثنين، أبرزها حيي الصاخور والحيدرية، أفادت وكالة الأنباء السورية الرسمية "سانا" بسيطرة الجيش على محطة سليمان الحلبي، المحطة الرئيسية التي تضخ المياه إلى الأحياء الغربية والتي كانت الفصائل المقاتلة تتحكم بها. وقال مدير المرصد السوري رامي عبدالرحمن "خسرت الفصائل المعارضة كامل القسم الشمالي من الأحياء الشرقية بعد سيطرة قوات النظام على أحياء الحيدرية والصاخور والشيخ خضر، وسيطرة المقاتلين الأكراد على حي الشيخ فارس". وتقدمت قوات النظام منذ ليل السبت بسرعة في الأحياء الشمالية الشرقية انطلاقا من مساكن هنانو، الحي الأول الذي سيطرت عليه الفصائل المعارضة في صيف العام 2012 وأكبرها مساحة، لتتقدم إلى الأحياء المجاورة، واحدا تلو الآخر. وسيطر المقاتلون الأكراد الأحد على أحياء بستان الباشا والهلك التحتاني والشيخ فارس الاثنين، التي كانت أيضا تحت سيطرة الفصائل. ويتهم مقاتلو المعارضة الأكراد بالوقوف إلى جانب النظام في النزاع الجاري. عين تقاوم مخرز وبحسب المرصد، يأتي التقدم السريع لقوات النظام وحلفائها "نتيجة خطة عسكرية اتبعتها في هجومها وتقضي بفتح جبهات عدة في وقت واحد، بهدف اضعاف مقاتلي الفصائل وتشتيت قواهم". وربط ياسر اليوسف، عضو المكتب السياسي لحركة نورالدين الزنكي، أبرز الفصائل المقاتلة في حلب الاثنين تقدم النظام باستقدامه "تعزيزات عسكرية كبيرة وبالقصف الجوي العنيف الذي لم يهدأ". وأوضح "الوضع أشبه بعين تقاوم مخرز.. طيلة السنوات الماضية كنا نقاوم بما أوتينا من قوة بأساليب بدائية، أما اليوم فنحن نقاوم ايران وروسيا" أبرز داعمي دمشق عسكريا. وأضاف "النظام انتهى وسقط منذ خمس سنوات، ونحن الآن نقاتل جيوش ومليشيات من كل أصقاع الأرض" معتبرا أن الفصائل "محكومة بالصمود والدفاع عن النفس وعن اهالينا". وتخوض قوات النظام حاليا معارك عنيفة في حيي الشيخ سعيد والشيخ لطفي في جنوب المدينة. ومنذ بدء الهجوم الأخير على شرق حلب منتصف الشهر الحالي، أحصى المرصد مقتل 225 مدنيا بينهم 27 طفلا جراء القصف والغارات، فيما قتل 29 مدنيا بينهم 11 طفلا في غرب المدينة جراء قذائف الفصائل التي حصدت قتيلين الاثنين، وفق وكالة سانا. في العالم، هناك صمت شبه تام منذ يومين ازاء التطورات الميدانية المتسارعة. ومن شأن خسارة المعارضة لحلب أن تشكل خسارة أيضا للدول الداعمة للمعارضة وبينها السعودية ودول غربية وأن تقوي المحور الداعم للنظام، أي روسيا وايران.
مشاركة :