وقع الانهيار السريع لفصائل معارِضة وإسلامية في الأحياء الشمالية الشرقية لمدينة حلب أمام «فكّي» القوات النظامية السورية وحلفائها من جهة، والمقاتلين الأكراد من جهة ثانية، كالصاعقة على ربع مليون من المدنيين المحاصرين والذين باتوا مخنوقين وسط فقدان الغذاء والوقود، حيث انتقل آلاف الهاربين حفاة وعراة، من جحيم الحصار والقصف والجوع والبرد إلى الأحياء الغربية الخاضعة لسيطرة القوات النظامية والكردية التي باتت تملك في الوقت الراهن «مفتاح الحرب والسلام» باعتبار أنها تتقاسم السيطرة على المدن والمناطق الإستراتيجية. ومنذ إعلان السفير السوري في موسكو رياض حداد قبل ثلاثة أيام أن قرار «حسم حلب اتُخذ»، بدأت القوات النظامية السورية وحلفاؤها تطبيق خطة عسكرية تقوم على «تقطيع أوصال» الأحياء الشرقية الخاضعة لسيطرة المعارضة منذ العام 2012، عبر عزل الأحياء الشمالية عن الأحياء الجنوبية. وحصل التقدم الأول السبت لدى السيطرة على مساكن هنانو ذات الموقع الإستراتيجي. وكان البدء بتنفيذ «قرار الحسم» بمثابة رصاصة الرحمة على خطة المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ذات النقاط الأربع، ونصت على وقف الغارات على شرق حلب مقابل خروج عناصر «جبهة النصرة» وإيصال مساعدات إنسانية وبقاء المجلس المحلي المعارض. كما كان التقدم العسكري السريع للقوات النظامية والميليشيات المدعومة من إيران، نعياً لخطة رسمتها موسكو وأُقرت ونوقشت بين الرئيسين فلاديمير بوتين ورجب طيب أردوغان، وتتضمن عناصر مشابهة لخطة دي ميستورا، إضافة إلى عنصر سياسي نص على تشكيل مجلس سياسي باسم الأحياء الشرقية يكون «منصة سياسية» تضاف إلى المنصات الأخرى التي قد تشارك في العملية السياسية لدى انطلاقها، وفق وثيقة اطلعت «الحياة» على نصها. كما جرت محاولات من أنقرة لربط مصير شرق حلب بمصير مدينة الباب التي تحاصرها فصائل من «الجيش السوري الحر» المدعومة من أنقرة لطرد «داعش»، ذلك أن هذه المدينة التي تشكل معقلاً للتنظيم بين حلب وتركيا، باتت محاصرة من ثلاثة تكتلات: فصائل «درع الفرات» المدعومة من الجيش التركي، فصائل «غضب الفرات» الكردية- العربية المدعومة من أميركا، الجيش النظامي السوري و «القوات الرديفة» المدعومة من إيران وروسيا. ويُعتقد أن السيطرة على الباب ستكون مفتاحاً أساسياً لمستقبل حلب، باعتبار أنها بوابة استراتيجية، لذلك فإن الفصائل المدعومة من أنقرة تعرضت لغارة سورية لوقف تقدمها، لأن حصول ذلك يجعل السيطرة على شرق حلب هشاً وقابلاً للذوبان لاحقاً. وبقي مصدر الغارات الثماني التي شنت على بلدتي النبل والزهراء اللتين تضمان شيعة وموالين لإيران والنظام السوري غامضاً، خصوصاً أن القاعدة العسكرية الروسية في حميميم أكدت حصول الغارات من دون أن تؤكد المسؤولية عنها. وإلى حين بدء معركة الباب، يعتبر انهيار فصائل المعارضة شمال شرقي حلب وعدم خوضها حرب شوارع أو استخدام الأسلحة والذخيرة التي تسلمتها من دول داعمة قبل أسابيع، من أكبر انتصارات القوات النظامية، التي استعادت المبادرة على الأرض في سورية منذ أكثر من سنة بعد بدء التدخل العسكري الروسي لمصلحتها في ظل عجز دولي كامل إزاء إيجاد حلول للنزاع المستمر منذ أكثر من خمس سنوات. وسيعزز هذا التقدم الموقف التفاوضي للرئيس بوتين لدى تشكيل الإدارة الأميركية الجديدة برئاسة دونالد ترامب بداية السنة المقبلة، إذ إن سيطرة القوات النظامية على كامل حلب، تعني السيطرة الكاملة على دمشق وحمص وحماة (وسط) واللاذقية وطرطوس (غرب)، أي كبريات المدن السورية. وتبقى مدينة الرقة الخاضعة لسيطرة «داعش»، حيث تدعم أميركا قوات كردية- عربية للسيطرة عليها، ومحافظة إدلب الخاضعة لسيطرة «جيش الفتح» الذي يضم سبعة فصائل بينها «جبهة النصرة» المحافظة، التي وصلتها أمس دفعة إضافية من عناصر معارِضة ضمن اتفاقي تسوية جديدين في ريف دمشق. وسجل الأكراد أمس نقطتين: الأولى عسكرية، لدى التقدم من حي الشيخ مقصود الى أحياء بستان الباشا والهلك التحتاني أمس والشيخ فارس، التي كانت أيضاً تحت سيطرة الفصائل التي تتهم الأكراد بالوقوف إلى جانب دمشق في النزاع الجاري. الثانية إنسانية، عبر استقبال نازحين من شرق حلب. وقال صالح مسلم الرئيس المشارك لـ «حزب الاتحاد الديموقراطي الكردي» السوري، إن بين ستة وعشرة آلاف مدني فروا إلى حي الشيخ مقصود الخاضع لسيطرة الأكراد. وشاهد مراسل لوكالة «فرانس برس» عشرات العائلات معظم أفرادها من النساء والأطفال، تصل تباعاً سيراً على الأقدام إلى حي جنوبي. ويعاني أفرادها من الإرهاق الشديد والبرد والجوع وحتى نقص الألبسة، حتى أن بعضهم ليس بحوزته المال لشراء الطعام. وعمل أهالي الحي على إيوائهم في منازل خالية من سكانها وتبرعوا لهم بالأغطية والبطانيات. وقال مسؤول في الدفاع المدني السوري (القبعات البيض)، إنه استنفد احتياطاته من الوقود شرق مدينة حلب، وإن الوقود المتبقي في مركباته ومعداته سينفد خلال يومين، فيما نقلت «رويترز» عن رامش راغاسينجام مساعد المنسق الإقليمي للشؤون الإنسانية في الأزمة السورية، أن برنامج الأمم المتحدة للأغذية وزع كل إمداداته الغذائية في شرق حلب. ودعا وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، إلى «وقف فوري لإطلاق النار» في حلب، مطالباً روسيا وإيران باستخدام نفوذهما على دمشق لتجنب «كارثة إنسانية». وفي نيويورك، أعربت الأمم المتحدة عن «القلق البالغ» على المدنيين في شرق حلب، وأكد المتحدث باسمها ستيفان دوجاريك أن المنظمة الدولية «مستعدة للتحرك لتأمين حاجات النازحين عبر خطوط القتال وعبر الحدود». وفي جانب آخر، تواصل الحكومة السورية رفض منح تأشيرات الدخول الى فريق التحقيق الدولي الذي شكله الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للتحقيق في استهداف قافلة «الهلال الأحمر السوري» قرب حلب في أيلول (سبتمبر) الماضي، وفق ديبلوماسيين في نيويورك قالوا إن الأمم المتحدة «طلبت مساعدة روسيا وإيران» للضغط على دمشق في هذا الإطار «لكن دون جدوى حتى الآن». ويبحث مجلس الأمن اليوم الثلثاء ملف الأسلحة الكيماوية السورية في جلسة يستمع فيها الى إحاطة من لجنة التحقيق الدولية المعنية.
مشاركة :