شاعر عراقي يستلهم الأسطورة في حضرة بلقيس كثيرا ما ورد ذكر الخمر في الشعر العربي بقديمه وحديثه، وقد برع العرب في وصفه والتغني به خصوصا في الفترة الجاهلية، كي يأخذ رموزا أخرى وأبعادا زادت في شاعرية القصيدة، على اختلاف المقاصد إن كانت الصور مادية أو روحية. وقد ظهرت العديد من القصائد في تمجيد الخمر ومجالس اللهو والطرب، وكان ذلك في شكل ثورة عارمة على جميع التقاليد العربية. العربسلام الشماع [نُشرفي2016/11/29، العدد: 10470، ص(14)] بلقيس تغري الشاعر لم يغادر الشاعر العراقي محفوظ داود سلمان الحياة، مؤخرا، قبل أن يرى آخر مجموعتين شعريتين له هما “خمارة بلقيس” و”ليس هذا اسم الوردة”، أنجزهما ليبلغ عدد مجموعاته الشعرية 15 مجموعة بدأها بـ”صلاة بدائية” في العام 1976. وفي مجموعته الشعرية “خمارة بلقيس” يعود محفوظ إلى الشعر كما ينبغي أن تكون العودة في بهائها، وبها يُعيد إلى الشعر بعض بهاء ضاع في متاهات لا حدود لها، حتى صارت قراءة قصيدة تنتسب إلى جوهر الشعر وتتوفر على مقومات لا تتحقق إلا في استثناءات نادرة. منجز إبداعي إن ما أنجزه الشاعر في قصائده هذه ليس من المبالغة حين يقال عنه إنه إنجاز إبداعي مهم وليس من الوهم أن نتوقع له حضورا مؤثرا على صعيدي قراءات التلقي والنقد. وتضم مجموعة “خمارة بلقيس” الكثير من القصائد ومن عناوينها “آخر الأعراب”، و”نشرة أخبار يومية”، و”موسيقى مرئية”، و”الصدى ذئب شريد”، و”الحلاج”، و”أحلام مؤجلة”، و”ماذا تقول الريح”، و”كثير من الحب”، و”امرأة من هذا الزمان”، و”الغراب”، و”الوليمة”، وغيرها من القصائد. ويقول الشاعر حميد سعيد في مقدمة المجموعة الجديدة الصادرة هذا العام “مما تتميز به قصائد ‘خمارة بلقيس” هي كثافة التناص، حيث أن التناص فيها ينفتح على الشعر بقديمه ومعاصره حتى يكاد يشمل مساحة واسعة ومتشعّبة، ونجد هذا التناص في مصادر عربية وأجنبية ويتمثّل أشخاصا وأحداثا ورموزا، ويتداخل التثاقف مع هذا التناص من خلال مصادر ثقافية كثيرة هي الأخرى. وهذه المصادر تاريخية واجتماعية، دينية وملحمية وأسطورية، غير أن التناص والتثاقف لا يثقلان النص الشعري عند الشاعر محفوظ داود سلمان”. وكانت بدايات الشاعر في بواكيره قد لفتت إلى قصيدته الأنظار وكان ينتظر منه إضافة إبداعية إلى القصيدة الجديدة في مخاضاتها وتعدد توجهاتها وسعة أدائها وكثرة أصواتها وضجيجها، غير أنه غاب طويلا وكاد صوته أن يضيع. الشاعر يكتب قصيدة ذات معان فكرية تأتي من خلال التقاطه لأفكار بسيطة ومتداولة ليحيلها إلى معان أوسع ويقول الشاعر حميد سعيد في تقديمه للمجموعة “في السنين الأخيرة يفاجئني محفوظ داود سلمان بقصائد أقرأها فلا تفارقني، وأُعيد قراءتها فأتوقف عندما يختار من موضوعات تتمثل في قضايا وجودية لمحيط شعري يتوزع بين موضوع دون شعر، وبين ما يعده أصحابه شعرا دون موضوع”. ويرى سعيد أنه يرى في القصائد، التي قرأها في السنين الأخيرة لمحفوظ داود سلمان ومنها ما ضمته مجموعته الشعرية “خمارة بلقيس”، أنها لا تأخذ أهميتها وشعريتها من موضوعاتها وإنما من مقوماتها الإبداعية، فكرية وجمالية. فهي تُغْني شعرية الموضوع بلغة شعرية متوازنة، لا افتعال فيها ولا تمحل ولا تهافت، تكاد تحقق فرادتها بنى ومعجما ولا تذهب بعيدا عن معاصرتها، فإذا كانت “للغة هذه القصائد، ومن ثم لغة الشاعر محفوظ داود سلمان، خصوصيتها في ما تتوفر عليه من خصائص ومواصفات، فليس في هذا القول ما يخرجه عن موضوعيته”. يحتفظ الشاعر محفوظ داود سلمان بين طيات كلماته المنتقاة التي يؤلف منها جمله الشعرية بكمّ هائل من الصور التي يختلط فيها الأسطوري بالتراث العراقي والعربي مع اللحظة والزمن اللذين يعيشهما الشاعر. فهو يكتب قصيدة ذات معان فكرية تأتي من خلال التقاطه لأفكار بسيطة ومتداولة ليحيلها إلى معان بمضامين واسعة، فيها الكثير من التأويل. صور تأملية قصيدته، كما يرى الناقد العراقي مؤيد داود البصام، مفعمة بالصور التأملية وبلغة سلسة من السهل الممتنع، يقول فيها ما لم يقله في العلن، وهو شيء مغلف بهذه الروح المتمردة التي تكثر من السؤال والاستفهام لتحفز العقل على الاشتغال وكشف الأشياء المضمرة، فهو شاعر متصاعد يجدد ثوبه الشعري في كل ديوان يصدره، وفي قصائده شيء جديد بأبعاد فكرية تربط الماضي بالحاضر. تكريس شخصية القصيدة ويلحظ الأديب العراقي باسم قاسم المعمار في الإصدارات الأخيرة للشاعر محفوظ أن هناك كمّا من المخيلة العبقرية المتأججة شعرا وثقافة متسعة متمثلة في “استجلاءات روحية مكتنزة متواصلة”، وتزاوجا أدبيا تاريخيا لمسارات القصيدة الواحدة في الممازجة في التطعيم ووحدة الهدف، و”ارتقاء سلم البناء القصيدي المتصاعد كمّا ونوعا”، واستثمار “الحوشي” من المفردات بالنحو المخفف المقبول ومنها ما يقال في القذف والزنا والمومس والخمرة. وتميزت شاعرية محفوظ بأسلوب السهل الممتنع، إذ لا بد للقارئ والمتلقي من إعادة القراءة مرات عديدة للاستيعاب، وهذا سر قوته اللغوية الأدبية والحرفية والبلاغية في تنويعات تشبيهاته. إن لغة قصائد محفوظ بقدر ما تمتلك شخصيتها، فإنها تكرس شخصية القصيدة، ولا تتحقق هذه الشخصية بمعزل عن الإيقاع الداخلي للبنى اللغوية. وبقراءة جادة يمكن أن نكتشف أن إيقاعات القصيدة داخلية أكثر مما هي إيقاعات خارجية، فالتزام الشاعر في قصيدته بالتفعيلات العروضية لا يجعل منها مجرد إيقاعات خارجية، بل تدرك كإيقاعات داخلية تتكامل مع الفكر واللغة. وسبق للشاعر محفوظ داود سلمان (1941-2016) أن أصدر مجموعات “صلاة بدائية”، و”مملكة الأنهار”، و”انتظريني بثياب القتال”، و”يوميات طرفة بن العبد”، و”عالم بلا حدود”، و”أغنية السندباد الأخير”، و”الخروج من كنده”، و”نذور حجرية”، و”حانة المقبرة”، و”الهبوط إلى أور”، و”اللوحة بأكملها”، و”البحث عن دلمون”، و”قلوع مهجورة”. :: اقرأ أيضاً الرواية السعودية تتقدم والنقد الأدبي يتراجع.. ونحن بخير ندوة دولية بالمغرب حول آثار وحياة فاطمة المرنيسي أدب الرحلة في مهرجان طيران الإمارات للآداب 2017 مشكلات مهرجان القاهرة السينمائي لا تنتهي
مشاركة :