على الرغم من مرور أكثر من ثلاثة أعوام على اندلاع ثورة 25 يناير 2011، وتبدل ملامح المشهد السياسي في مصر، مازالت تساؤلات عدة تشغل بال المصريين، والمنشغلين بالعمل السياسي حول العالم بشأن حقيقة شخصية الرئيس الأسبق حسني مبارك، ومدى ضلوعه في قتل المتظاهرين إبان الثورة المصرية. ويأتي كتاب «أسرار في حياة مبارك – شهادات 7 جنرالات وطباخ» الصادر حديثًا عن دار نشر «طوى» في بيروت للكتاب الصحفي المصري أحمد الجمال، ليمثل محاولة جادة للإجابة عن هذه التساؤلات، غير معتمد في ذلك على وثائق أمريكية – اعتمد عليها آخرون في هذا السياق – أو تقارير لجان تقصي الحقائق التي شُكلت للبت في هذا الأمر، ولم تنتهِ إلى شيء، لكن عبر محاولة الكشف عن ملامح شخصية مبارك التي قد تكون خفية عن الجميع، وإزاحة الغبار عنها، حيث قام المؤلف وهو أحد الشباب الذي شارك في الثورة، بإجراء 7 حوارات مع ضباط طيارين، جمعتهم سنوات من العمل والتعامل المباشر مع الرئيس المخلوع، ومن بعدها حوار مع أحد الطهاة السابقين في قصر الرئاسة، لمعرفة الطريقة التي كان يتعامل بها مبارك مع المقربين له والمحيطين به، علها تكشف سيكولوجية الرجل وتعطي إجابة شافية لتساؤلات عديدة عن كيفية إدراته للبلاد طوال 30 عامًا وحتى الأيام الأخيرة في قصر الرئاسة. الكتاب حوى ملحق صور في فصله الأخير، وهي صور نادرة جمعت أبطال الكتاب مع مبارك، وهم: طيار الرئاسة السابق اللواء طيار محمد أبوبكر حامد محسن، وكبير ياوران رئيس الجمهورية الأسبق اللواء ساجي لاشين، واللواء طيار أحمد كمال المنصوري، واللواء طيار يحيى الجزار، واللواء حسين ثابت، واللواء أحمد شوقي، واللواء طيار فكري الجندي، بالإضافة إلى طباخ الرئاسة السابق الشيف خالد عواد. يقول المؤلف في ثنايا مقدمة الكتاب: ما يهمني هنا هو الإشارة إلى حالة الالتباس التي سيطرت على المواطنين، وصعوبة الحكم على مبارك، هل كان لصًا بالفعل سرق مليارات الدولارات وهربها إلى بنوك أوروبا، هل سعى جاهدًا إلى توريث ابنه الحكم، هل عمدت حاشيته إلى إفساد البلاد وسرقة مقدرات الشعب؟.. أم أن الرجل مظلوم وأن مَنْ حوله هم الذين سرقوا البلاد وأهدروا كرامة العباد؟.. هل كان مبارك نظيف اليد وعمل بوطنية لخدمة مصر في بداية سنوات حكمه، وحينما تقدمت به السن دخل مرحلة «الخرف» وكانت زوجته سوزان ثابت وابنه الأصغر جمال هما المسؤولان عن إدارة أمور البلاد، وبالتالي يصبح مبارك بريئًا من التهم المنسوبة إليه في نهب مصر ونشر الفساد في كل قطاعات الدولة؟ والسؤال الأهم هل أمر مبارك بإطلاق الرصاص الحي على متظاهري يناير لقمع ثورتهم؟! تساؤلات عدة كانت تشغل بال المصريين وغير المصريين، وربما حتى الآن لم يتحد الشعب في حكمه على الرجل بمنطق واحد أو من زاوية واحدة، فهو إما بريء تمامًا أو متهم إلى أقصى درجة. وفي موضع آخر يتابع: وضعت يدي على الإجابة. إنهم الجنرالات الطياريون. اللواءات الطيارون الذين عاصروا مبارك منذ سنوات شبابه، وتعامل بعضهم معه ربما قبل أن يصبح رئيسًا أو بعدها بسنوات، فبكل تأكيد هؤلاء لديهم ذكريات ومواقف مع مبارك ولو أنني نجحت في فتح خزائن أسرارهم تلك، لوجدت فيها إجابات كثيرة لأسئلة تدور حول شخصية مبارك الحقيقية، والتي لا يعرفها الكثيرون وأنا واحد منهم بالطبع لم أكن أعرف شيئًا عن طريقة تعامله مع الناس أو أسلوب تفكيره أو طريقة اتخاذه للقرارات أو طبيعة علاقته بزوجته وأبنائه وأقاربه، وهي بالتأكيد تفاصيل غاية في الأهمية لأنها تفتح الطريق أمام تشكيل تصور واضح نوعًا ما عن حقيقة الرجل. وبالفعل التقيت بسبعة جنرالات ممن كانوا مقربين منه ولهم قصص ومواقف عديدة معه تكشف الكثير من ملامح الرجل التي كانت باهتة إلى حد كبير. ويضيف المؤلف: أعلم جيدًا أن هناك من سيهاجمني ومن سوف يصفق لي على هذا العمل البحثي الذي قصدت من ورائه استجلاء حقائق من مصادرها، وهو ما استغرق وقتًا طويلًا وجهدًا أكبر حتى يخرج في شكل كتاب في متناول يد الجميع مدعومًا بصور بعضها نادر ويُنشر للمرة الأولى. لكن في النهاية كان الأمر ضروريًا، كونه يحمل شهادة للتاريخ من طيارين حكوا في حواراتهم معي عن أنفسهم وتجاربهم في الحروب التي خاضوها وعن مبارك وبعض أسرار شخصيته ونجليه علاء وجمال وزوجته سوزان ثابت، مواقف «ضد» وأخرى «مع» وما بين السطور تتكشف للقارئ الذكي مفاجآت أخرى! أما الغلاف الأخير للكتاب فحمل كلمة لدار النشر جاء فيها: منذ اندلاع ثورات الربيع العربي، والأحداث تتلاحق متسارعة، ولا يمكن لباحث أو مؤرخ ملاحقة ما يجري على فضاء من الرمال المتحركة، دون التقاط الأنفاس للتأمل والتحليل وذكر ما جرى بأمانة، والنظر إلى المقدمات التي أفضت إلى حراك ثوري مازال يسكن دائرة الاشتعال والتوتر. وتأتي أهمية هذا الكتاب «أسرار في حياة مبارك» في أن مؤلفه الكاتب أحمد الجمّال أحد الشباب الذي شارك في ثورة 25 يناير 2011، وعايش أحداثها ورصد أهم وقائعها بحكم عمله الصحفي، وانشغل بكشف دوافع خافية لتلك الثورة على نظام طاله الاستبداد. وانشغل المؤلف بالعديد من التساؤلات حول الجيل الذي عاصر أعوام حكم الرئيس الأسبق حسني مبارك الأولى، وقد أصبح الآن على مشارف الثلاثين وربما الأربعين.. جيل من الشباب ذاق مرارة البطالة والفقر والموت بطشًا أو غرقًا في هجرات غير شرعية. ومن هنا كانت طبائع «مبارك» وسماته الشخصية المادة الأساسية لهذا الكتاب التوثيقي والمرجع لكل باحث ودارس عن طبائع الشخصيات ذات النزعة الاستبدادية، ومن خلال شهادات وحوارات مع جنرالات وشخصيات عرفته عن كثب، ونزعت الأقنعة عن الوجه الآخر لمبارك قبل وبعد أن أصبح رئيسًا وحتى ظهوره في جلسات محاكمة القرن.
مشاركة :