لن تستطيع تخمين صعوبة الأمر إلا إذا كنت تعاني الوقوف في الصفوف الأمنية الطويلة، والخدمة غير المكترَث بها بمطارات أميركا في موسم الإجازة، لكن كل هذا يمكن أن يصبح شيئاً من الماضي قريباً، وذلك عبر تقنية ذكية جديدة تجعل من وجهك بديلاً لجواز سفرك، والتي من شأنها أن تُبدّل تجربتك في المطار. ويبدو أن المطارات تحتل مكانة متقدمة في القائمة، حسب موقع ديلي بيست. فبينما يخضع مطار لاغوارديا لإعادة تأهيل بقيمة 4 مليارات دولار، فالأمر أشبه بالكابوس بالنسبة للمسافرين عما كان عليه من قبل. ويمكن لأصحاب المليارات والسياسيين أن يعقدوا مقارنات مشينة مثل هذه؛ لأنهم يرون كيف تتم هذه الأمور في أجزاء أخرى من العالم. ولنضع في اعتبارنا كذلك أن ترامب وبايدن كليهما مُعتاد السفر على درجة كبار الشخصيات. لكن الركاب الذين يسافرون محلياً فقط داخل الولايات المتحدة؛ ليس لديهم أدنى معرفة بما إذا كانت الأوضاع البائسة التي يقبلون بها الآن باعتبارها أمراً روتينياً -الصفوف الطويلة والصالات المزدحمة والفوضى عند الصعود للطائرة- هي نفسها الموجودة حول العالم. في أغلب الأحوال، هي ليست كذلك. وتُحقق الدول الأخرى قفزات للأمام عبر استثمار مليارات الدولارات في أجيال جديدة من المطارات ذات مستويات جودة يمكن للأميركيين أن يحلموا بها فقط: في دبي، الإمارات العربية المتحدة، يجري العمل على إنشاء مطار جديد ذي 5 مدارج للطائرات و4 محطات، قادر على استيعاب 160 مليون مسافر في العام، وسوف يتم الانتهاء منه عام 2020. (في الوقت الحالي يُعد أكثر مطارات العالم ازدحاماً هو مطار هارتسفيلد جاكسون أتلانتا، الذي يخدم 101 مليون مسافرفي العام) في كوالالمبور ماليزيا، توجد أكبر محطة في العالم مخصصة حصراً لخطوط الطيران منخفضة التكاليف، قادرة على استيعاب 45 مليون مسافر في العام. في إنتشون كوريا الجنوبية، يتم افتتاح محطة جديدة من أجل الألعاب الأولمبية الشتوية 2018 والتي بحلول عام 2025 سوف تتمكن من استيعاب 46 مليون مسافر من خلال 222 ماكينة تحقق. لكن دعونا نهبط لأرض الواقع؛ مشاريع يوتيوبية على نطاق كهذا لن تكون ممكنة أبداً في أي مطار أميركي رئيسي، بسبب القيود المفروضة؛ مثل مدى توافر الأراضي والتأثير البيئي على المناطق الحضرية. تراعي معظم محطات الطيران في الولايات المتحدة شروط الوقاية من الهجمات الإرهابية، خصوصاً بعد هجمات 11 سبتمبر/ أيلول الإرهابية، كما لم تكن تتوقع طرزهم المعمارية خطوط الدفاع الجديدة، التي سوف تحتاجها لفحص المسافرين وأمتعتهم. وفي الوقت ذاته، نمت أعداد المسافرين مع الحاجة لتجهيز البوابات بالمعدات اللازمة لإجراء فحوصات أمنية أكثر إحكاماً بكثير، إلى جانب تفاقمها جرّاء التخفيضات الأخيرة في أعداد مراحل الفحوصات. وخلق هذا الضغط ممرات ضيقة، والتي أدت إلى ظهور صفوف هائلة الحجم ومعاناة في ذلك الصيف. بالنسبة لأميركا، يُعد تحسين المطارات التي لدينا بالفعل أمراً أكثر واقعية -وأكثر إلحاحاً- من السعي للحصول على مطارات جديدة هائلة الحجم أو مجرد توسيع نظام تشغيل مدمر بالفعل. عوضاً عن ذلك، ينبغي أن تُوجه الاستثمارات في البنية التحتية لتبني خطوة تغييرية في التكنولوجيا، والتي بإمكانها تغيير الطريقة التي تتعامل بها مطاراتنا مع المسافرين وأمتعتهم، لتسهل جزءاً كبيراً من المشكلة. مرحباً بك في المطار الذكي، ذلك هو اسم صناعة الطيران التي يُتوقع لها أن تصبح مساراً سلساً من بداية التحقق بدخول المطار وحتى البوابة. هذه التقنية متوافرة بالفعل -من بين كل المناطق- في جزيرة أروبا الكاريبية الصغيرة. ويُعد المطار هناك أرض اختبار لتقنية تُدعى التدفُّق السعيد Happy Flow. يجد المسافرون من جزيرة أروبا على الخطوط الجوية الملكية الهولندية إلى مطار سخيبول في هولندا أنفسهم يتدفقون في سعادة إلى المستقبل. بمجرد أن يمروا بتحقق الدخول لا يضطرون ألبتة إلى الانضمام إلى أي صف لإظهار بطاقة شخصية، وليس عليهم أبداً حمل جواز سفر أو بطاقة الصعود إلى الطائرة. عوضاً عن ذلك، يتم تتبعهم في نقاط عبر المحطة بطول الطريق وصولاً لمقعدهم على الطائرة باستخدام كاميرات التعرف على الوجوه. تحتل تقنية التدفق السعيد الريادة عبر تقنية حيوية، يرغب اتحاد النقل الدولي الجوي في أن تتوافر عالمياً لـ80% من المسافرين بحلول عام 2020. وتتمثل الفكرة في جلب هذا النوع من الخدمة الذاتية الشائعة بالفعل في الخدمات التجارية والمصرفية إلى المطار، بحيث يتمكن المسافرون من الوصول إلى الطائرة مع أمتعتهم بكفاءة تامة. ومع ذلك، يمكن الوصول إلى تحقيق ذلك في الموعد المحدد. لا تتضمن قطاعات تجارة التجزئة والخدمات المصرفية عادة أنظمة فحص أمني كاملة، بالقياس على تلك الموجودة لدى وزارة الأمن الداخلي ووكالة أمن المواصلات، الأمر الذي يمكن أن يجعل اعتماد أي تكنولوجيا جديدة عملية بطيئة ومتشابكة. يفضل اتحاد النقل الدولي الجوي مفهوم المطار الذكي؛ لأنهم يعتقدون أنه سيوفر على صناعة الطيران أكثر من 2 مليار دولار في العام الواحد. وذلك يعني بالطبع أنه كالعديد من موجات التغيير التقني الأخرى، فإنها ستؤدي إلى الاستغناء عن دور أولئك الذين يقدمون الخدمات. وهم يفعلون ذلك تحت اسم الخدمة الذاتية عن طريق نقل المهارات، ويتوقعون منا، نحن المسافرين، أن نكون مهووسين بالتكنولوجيا. وكما يظهر في جزيرة أروبا، فإن التعرف على الوجه يمثل العنصر الأساسي لكيفية عمل النظام برمته؛ إذ يصل المسافرون مع هواتفهم الذكية المبرمجة بالفعل ببياناتهم وحسابهم الشخصي، ولن يتطلب الأمر حتى إظهار الهاتف. ومن ثم، يتم التأكد من هويتهم بعد ذلك بواسطة كاميرا تتعرف على الوجه بالأشعة تحت الحمراء، ثم يعبرون من خلال الأمن بالطريقة نفسها كما في برنامج الفحص المسبق لإدارة أمن النقل الحالي. وتُعد تلك تقنية متطورة، فكاميرات التعرف على الوجه الحالية لديها نسبة خطأ أقل من 1 لكل 100.000 فحص. علاوة على ذلك، يرى أنصار هذا النظام أن التحقق من الهوية بالقياس الحيوي لا يحمل بأي صورة وصمة التنميط التي تحدث في مكان الفحص بواسطة الطاقم الأمني الحالي -إدارة أمن النقل على سبيل المثال- وفقاً لصور نمطية ما. لكن هناك تفصيلة تبدو مرعبة بعض الشيء ويمكنها زيادة المخاوف حول الخصوصية الشخصي؛ إذ إن أجهزة الاستشعار المستخدمة في التكنولوجيا الحيوية من أجل فحص الوجه يمكنها كذلك رصد الحالة الصحية للمسافر على سبيل المثال، عبر الكشف عن درجات الحرارة المرتفعة التي قد تؤدي إلى حجز المسافر في الحجر الصحي لاشتباههم في إصابته بعدوى ما. بمجرد تجاوز مسألة الفحص الأمني، سيكون هناك ما يُسمى استدلال الطريق الرقمي في مطار غير مألوف، وربما مع وجود لافتة بلغة أجنبية، سيكون الهاتف الذكي قادراً على إخبار المسافرين بموقعهم داخل المحطة في كل الأوقات وتوجيههم للبوابة الصحيحة. وإلى جانب إعفاء البشر من مسؤولية فحص الأمان الشخصي، سيوفر المطار الذكي روبوتات لخدمة المسافرين، ومساعدين افتراضيين. وسيتم استبدال طاقم خطوط الطيران بروبوت مزوِد للمعلومات قادر على تقديم النصح حول كيفية إعادة حجز رحلة طيران تم إلغاؤها أو إعطاء الاتجاهات لصالة رجال الأعمال. وفي هذه الصالات، يتعهد المساعدون الافتراضيون بالاستجابة للمتطلبات الشخصية؛ مثل حجز الفنادق وتأجير السيارات. لعنة أخرى من لعنات مطارات اليوم سوف يُقضَى عليها كم عدد المرات التي اضطُررتَ فيها إلى الانتظار على بوابة الطائرة، في حين أن الحقائب تُزال من منطقة احتجازها؛ لأن الركاب الذين وصلوا على متنها عجزوا عن الوصول إلى البوابة لأسباب غير خاضعة للمساءَلة؟ لقد أصبحت صالات الوصول مجهَّزَة بشبكات من الأدلة الإرشادية التي تستخدم وسائل الاتصالات القريبة من المجال، التي يمكن أن تتتبَّع هاتفاً ذكيّاً أو بطاقةَ صعود رقْميةً تُمكِّن شركةَ الطيران من معرفة مكان أي راكبٍ عالق تحديداً في جميع الأوقات. متى يمكن أن يحدث كل ذلك؟ حتى هذه اللحظة، فإن المطار الذكي يعتبر حلاً لجميع المشكلات. التقنية موجودة وجاهزة، لكنّ تفعيلَها ووضعَها في حيّز التنفيذ أمرٌ آخر. حتى المطارات الأميركية في ورطة بسبب الارتباك الناجم من ذوي المصالح الذين يجب الرجوع إليهم في تشغيل التقنية: وهم بين أجهزة الأمن الوطنية، ومُلاك المطارات (وهم مزيج من السلطات المحلية والمستثمرين التجاريين)، وشركات الطيران والسلطات الاتحادية، التي تنظِّم ممارسات شركات الطيران وتوفر المراقبين الجويين لها. وعندما يتعلق الأمر بالتغيير، فإن مصالح هؤلاء جميعاً لا تلتقي في سياقٍ واحدٍ إلا نادراً. والنتيجة هي ما يراه كل أحدٍ عند تحليقه حول البلاد- معايير متباينة تماماً من الخدمات، بدءاً من الخدمات شديدة السوء إلى الخدمات التي لا بأس بها. وفي أسوأ حالاتها، تحصل على ما حدث في مطار جون كينيدي في شهر أغسطس/آب، عندما صدر إنذار كاذب بأن مطلِقاً للنار كان طليقاً وعمَّ الذعرُ المطارَ كلَّه ساعات، ثم اكتُشِف أنه لا أحدَ متَّهم فعلاً. وفي التصنيف السنوي العالمي لاختبار المطارات الذي أعدته سكاي تراكس SkyTrax في يوم 28، كان أول مطار أميركي أعلنه التصنيفُ في قمة المطارات المائة كان مطارَ دِنفر. تفرَّد مطارُ دِنفر بكَوْنه المركزَ الجديد الوحيد المُفتـَتَح في الولايات المتحدة منذ عقود، ولمَّا افتُتِح في عام 1995، كان متأخراً بـ 16 شهراً فقط، إلا أنه باعتباره مطاراً جديداً كان مَظَنَّةَ فسادٍ إداري، ونادراً ما تحدث فيه تظاهراتٌ للكفاءة الإدارية. (مطار برلين براندنبورغ، الذي من المفترض أنه افتُـتِح في عام 2011، والبعيد كل البُعد عن هدفه اليوم، يُعتبر مثالاً على الشناعة والسوء على الإطلاق). من المخطط أن حركة الطيران في جميع أنحاء العالم سوف تتضاعف في خلال السنوات الـ 15 القادمة، وأن يصل عدد الركاب إلى 10 مليارات بحلول عام 2030. وهذا سيتطلب الكثير من المطارات، والكثير من تطبيق مفهوم عمل المطارات بصورة أفضل وبما يتناسب مع المعايير المنوطة بها. وهناك سببٌ وراءَ كَوْنِ مطار شانغي بسنغافورة متصدراً دائماً قائمة المطارات العالمية، فليس السبب تصميمَه المعماري الرائع ولا تخطيطَه البارع. وإنما هم الأشخاص العامل البشري فيه؛ فإن موظفي المطار يتصفون بالتفاني في أداء أخلاقيات الخدمة على مستوى راقٍ، ونادراً ما يبدو ذلك جلياً للركاب الذين يعبرون مطاراتنا. وهذا الخُلق الأصيل هو نِتاج الوضع الثقافي المتأصل. إذاً فليست المطاراتُ الذكيةُ أو غيرُ الذكية، ولا كميةُ التقنيات المجهزة بها، ولا البنيةُ التحتية المستثمَرَة فيها، هي ما يمكن أن يقدم هذا النموذج الرائع من الخدمات من تلقاء نفسها – إنما هو الإنسان.
مشاركة :