بالغالبية السياسية، وبعيدا عن التوافق السياسي، تم تشريع قانون "الحشد الشعبي" على أبواب انتهاء معركة الموصل وبعد أيام من طرح مشروع التسوية التاريخية. ولم يعد السؤال اليوم لماذا تأخر سنتين حتى تم تشريعه؟ بل ما هو التوصيف الصحيح للواقع العراقي الجديد بعد قانون الحشد؟ وماهي تداعياته محلياً وإقليمياً ودوليا؟ فهل يمكن القول إن قانون الحشد قد أجهض التسوية السياسية في مهدها، وأجَّل كل الاستحقاقات السياسية المرتقبة بعد معركة الموصل؟ "اتحاد القوى الوطنية" يقول نعم. هل سيجعل القانون الحشد تحت طائلته وتحت سلطة القائد العام للقوات المسلحة كما يقول العبادي إن "قانون الحشد هو من يضع أنظمته ويمثل كل أطياف الشعب العراقي ويدافع عن جميع العراقيين أينما كانوا؟" وبتصريح العبادي هذا قد أثبت أنه زعيم لحزب أكثر منه رئيسا للوزراء كما يقول أحد أعضاء البرلمان العراقي. من غير الممكن، وفق متابعين للملف العراقي، لغالب فصائل "الحشد الشعبي"، التي يؤكد كثيرون ارتباطها بولاية الفقيه، أن تكون تحت سلطة القانون مهما أراد العبادي ذلك، على افتراض أنه يريده فعلا. أم أن للحشد مهمات أخرى في ظل شعار قيس الخزعلي زعيم "عصائب الحق" بعد إقرار قانون الحشد. اذ قال: "حشدنا دائم إلى أن يقوم القائم"؟ وفي ظل شعار المالكي حين قال: "قادمون يا حلب ويا رقة ويا يمن"؟ وتثير هذه الشعارات التي عززها قانون "الحشد الشعبي" أكثر مما بددها مخاوف أطياف عراقية مختلفة لأنها تضفي شرعية على ما يصفها بعضٌ بـ"ميليشيات" لديها أجندات غير عراقية، وتخطيطها، بل وتهديدها بخوض حروب خارج الحدود خدمة لأجندات إيرانية. ولو كان قانون "الحشد الشعبي" يمثل "الإرادة الوطنية" كما يقول السيد عمار الحكيم زعيم "التحالف الوطني"، لتم شمل "الـبيشمركة" و"حرس نينوى" بقانون "الحشد الشعبي". وإذ لم يفعلوا، فالمخاوف ليست مشروعة فحسب، بل أصبحت واقعية أكثر من أي مرحلة سابقة. وفيما توعد نائب قائد "الحشد الشعبي" أبو مهدي المهندس بقطع يد كل من يمد يده إلى العراق، حذر رئيس "هيئة الحشد الشعبي" فالح الفياض السياسيين المعارضين لقانون الحشد من مغبة الاستمرار على نهجهم في توجيه الانتقادات إليه، لأنه أصبح ضمن المؤسسة العسكرية الرسمية. وهدد النائب عن "التحالف الوطني" موفق الربيعي أي شخص أو وسيلة إعلام تصف هيئة الحشد بـ الميليشيات. إذ إنها ستكون تحت طائلة القانون العراقي. وقال آخر إن "من يرفض قانون الحشد، فإنه يقف مع "داعش" نقطة رأس سطر". وهذا تصريح خطير وبداية مرحلة جديدة لم يعرفها ربما عراق 2003، وخاصة أن القانون قد منح "الحشد الشعبي" شرعيّة الانتشار في المحافظات التي تحررت من النظام الإرهابي، وما يتبع ذلك من تجاوزات وانتهاكات ذات بعد طائفي ضد السكان المحليين. وجملة ردود فعل قادة الحشد ونواب التحالف تشير إلى أن الحشد ربما أصبح جناحا عسكريا لـ "التحالف الوطني، ولا سيما أن القانون اعترف "بالميليشيات" كجهاز عسكري مستقلّ عن بقية الأجهزة وتتولّى الحكومة العراقية الإنفاق عليه على أن يحتفظ الحشد باستقلالية إدارته وأجنداته. وهذا بكلمات أخرى قد يعني أن "الحشد الشعبي" قد أصبح جناحا عسكريا لحزب سياسي. وقد يعني سن قانون "الحشد الشعبي" أن قانون مكافحة الإرهاب الذي تم تشريعه في كانون الأول 2005، قد انتهى مفعوله لمصلحة قانون الحشد في تشرين الثاني 2016. وإن كانت المادة 4 إرهاب في قانون مكافحة الإرهاب قد حاسبت بالمفرد، فإن المادة أربعة حشد قد تحاسب الناس بالحملة. وقد تعود بعض أسباب سن قانون الحشد إلى جملة تحديات جديدة بعد مرحلة لم تمر ربما بـ "التحالف الوطني". وهذا قد يعني أيضا أن الشرطة التي تأسست هي الأخرى من خلال دمج الميليشيات بعد 2003 لم تعد قادرة على مواجهة هذه التحديات، فكان لا بد من استعدادات استثنائية، فجاء قانون الحشد، وخاصة أن إدارة ترامب المنتظرة قد تكون وجدت الانتصار على "داعش" قد انتهى ولا بد من معالجة أسباب أخرى للنزاع المسلح كان "داعش" يغطي عليها. أسباب ترى واشنطن أنها متجذرة داخل العراق ولها علاقة بصراع إقليمي أكثر من أي شيء آخر، كما أشار إلى ذلك تقرير صدر عن البنتاغون حديثا. وهذا قد يفتح باب مواجهة بين الحشد والوجود الأمريكي. عمر عبد الستار
مشاركة :