جنباً إلى جنب، تصطف القوارب وسيارات الإطفاء في مراكز الدفاع المدني بمدينة حائل، ولم تعد رؤيتها تثير استغراب المارة في مدينة تبعد عن البحر مسافة تقدر بحوالى ألف كيلومتر. إلا أن ما شهدته المدينة من أمطار غزيرة أدت إلى حدوث سيول العام الماضي، جعل رؤية هذه القوارب أمراً «مألوفاً»، وكذلك الحال في مدن سعودية أخرى، إذ أضيفت أعمال الإنقاذ من السيول إلى مهمات فرق الدفاع المدني. وبعدما كانت الصورة النمطية لرجل الدفاع المدني في أذهان السعوديين بأنه «رجل إطفاء» فحسب، أدركوا أن مهماته تتعدى إخماد الحرائق إلى «حماية السكان والممتلكات العامة والخاصة من أخطار الكوارث والحروب والحوادث المختلفة، إضافة إلى إغاثة المنكوبين وتأمين سلامة المواصلات والاتصالات وسير العمل في المرافق العامة وحماية مصادر الثروة الوطنية في زمن السلم وحالات الحرب والطوارئ» وفق ما نصت عليه «رسالة المديرية العامة للدفاع المدني»، المنشورة على موقعها. وتزامناً مع بدء موسم الأمطار، باشرت فرق مديرية الدفاع المدني منذ نهاية الأسبوع الماضي وحتى أول من أمس (الأحد)، 457 بلاغاً في ست مناطق، نتيجة الأمطار التي شهدتها تلك المناطق. وأوضح المركز الإعلامي في المديرية أن تلك الأمطار تسببت في وفاة واحدة بمدينة الرياض، فيما بلغ عدد المحتجزين الذين تم إنقاذهم 132 شخصاً، مشيراً إلى أن غالبية الاحتجازات كانت داخل المركبات، إذ بلغ عدد السيارات التي تم إخراجها 102، إضافة إلى إخلاء 12 أسرة وإيوائهم. وبين فترة وأخرى، يطلق «الدفاع المدني» دعوات إلى أخذ الحيطة والحذر، وعدم الاقتراب من مواقع جريان السيول والأودية أو الخروج للنزهات البرية في المناطق المعرضة لسقوط أمطار غزيرة. إلا أن شباناً سعوديين يضربون بتلك التحذيرات عرض الحائط، ويقدمون على مغامرات بمركباتهم في اختراق الأودية والسيول أثناء ذروة اندفاعها، ما عرض كثير منهم إلى الغرق، وفيما انقذت فرق الدفاع المدني بعضهم من الموت المحتم، انتشلت جثامين آخرين غرقوا. وتُجري فرق الدفاع المدني قبيل دخول الشتاء تدريبات وتجارب لمنسوبيها على أعمال الغوص والإنقاذ، فلم تعد التدريبات مقتصرة على عمليات الإطفاء والتعامل مع الحرائق. إذ نفذت تدريبات على القوارب والغوص، فيما استكمل فرع الإدارة في محافظتي رفحاء وطريف أخيراً، برنامجاً للتدريب على سيارة «الونش» وسيارة الإطفاء المطورة، إلى جانب تدريب على سيارة الإنارة. وإلى جانب التعامل مع حوادث الأمطار والسيول، فإن فرق الدفاع المدني تباشر حالات أخرى لا تمت بصلة إلى الحرائق، مثل تحرير المحتجزين في المصاعد أو الغرف، وكذلك تحرير أطراف عمال مصانع احتجزت بين الآلات، وأيضاً أطفال احتجزت أصابعهم داخل الخواتم، على غرار ما حصل قبل أيام، حين حررت فرق الدفاع المدني في الرياض إصبع طفل محتجزة داخل خاتم. ولا يكاد يمر أسبوع من دون أن تباشر فرق الدفاع المدني في السعودية حادثة سقوط داخل بئر مهجورة أو حفرة صرف صحي، أو حفر ناجمة عن أعمال البناء والتشييد وتجمعت فيها المياه. وتزيد حوادث السقوط في الآبار خلال فصل الشتاء، مع خروج المواطنين والمقيمين إلى أماكن التنزه في الصحراء والأماكن الزراعية. ووقع أشهر هذه الحوادث قبل حوالى ثلاثة أعوام، حين سقطت الطفلة لمى العتيبي في بئر خلال نزهة عائلية في منطقة تبوك، واستمرت أعمال البحث عنها ثلاثة أسابيع. وجندت المديرية العامة للدفاع المدني آلياتها وطاقاتها البشرية للبحث عن الطفلة، ودخلت على الخط شركة «أرامكو السعودية»، التي جلبت حفاراتها لمساندة «الدفاع المدني» في عمليات البحث، التي انتهت بالعثور على جثة الطفلة بعد أكثر من 20 يوماً من سقوطها.
مشاركة :