تزايد نفوذ الجيش الليبي.. هل يعزز عودة الحياة الطبيعية إلى المدن؟

  • 11/30/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

بعد أكثر من عامين من الحرب في بنغازي الليبية، وبعد أن أجبر الليبيون لفترات طويلة على تجنب الخروج إلى الشوارع والجلوس في المقاهي والأماكن العامة، بدأت صور الأطفال وهم يتوجهون يوميا إلى المدارس وافتتاح الأسواق الشعبية بانتظام تنبئ بعودة الحياة إلى طبيعتها بشكل تدريجي في المدينة التي اعتاد سكانها على أجواء السهر والمرح ليلا، خاصة في أيام الصيف الساخنة. وسبب هذا التحول الاجتماعي هو أن الجيش الوطني الليبي بدأ يحقق ببطء انتصارات ملحوظة على التحالف المكون من المتطرفين وبعض الثوار السابقين. ويكتسب قائده خليفة حفتر نفوذا سياسيا، خاصة بعد تقدم الجيش الذي زاد من شعبيته. وحول هذا الوضع الجديد تقول آمال العبيدي، وهي خريجة كلية الحقوق: «بدأنا الدراسة داخل الجامعة، لكن الظروف التي مررنا بها وأهوال الحروب أرغمتنا على اللجوء إلى المدارس، وأعترف أن مسيرتنا الدراسية لم تكن لتكتمل، ولم يكن بالإمكان أن نقف أمام الحرم الجامعي بكلية الحقوق لولا جيشنا الذي لولاه لما كنت واقفة اليوم في هذا المكان.. وبالنسبة لي ليس الدمار ناسفا أو نهائيا.. والأمور سترجع كما كانت عليه وأملنا في جيشنا كبير». لكن في حين جلب تقدم الجيش الوطني الليبي هدوءا نسبيا إلى أجزاء من بنغازي، فقد كشف استمرار الاشتباكات والهجمات التفجيرية حدود سيطرة الجيش الليبي، وأثار بعض التساؤلات بشأن طموحه للهيمنة على الفصائل المنافسة له في ليبيا. لكن رغم عودة الحياة إلى طبيعتها بشكل تدريجي إلى المدينة، فإن جل السكان في أنحاء بنغازي يجدون صعوبة في التكيف مع تردي أوضاع المعيشة، ويشعر المنتقدون بالقلق من تمدد الحكم العسكري في المدينة التي بدأت فيها انتفاضة 2011 ضد معمر القذافي. ويقود حفتر، الذي كان حليفا سابقا للقذافي قبل أن يختلف معه ويعود إلى ليبيا خلال الثورة، أحد تحالفين فضفاضين بدأ التصارع على السلطة في 2014، وقد سيطر منافسوه في فصيل «فجر ليبيا» المقرب من المتشددين على طرابلس في ذلك العام، لكن حدثت به انشقاقات لاحقا، وتغير موقفه إلى تأييد حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة، والتي انتقلت إلى العاصمة بعد ذلك. ويرفض حفتر وبرلمان وحكومة الشرق، اللذان يدعمانه، تأييد حكومة الوحدة الوطنية، في الوقت الذي تواجه فيه حكومة الوفاق مصاعب. وقبل شهرين حصلوا على قوة دافعة جديدة عندما انتزع الجيش الوطني الليبي السيطرة على مرافئ نفطية إلى الجنوب والغرب من بنغازي من فصيل متحالف مع حكومة الوفاق، مما غذى التكهنات بأن حفتر يضع غرب ليبيا وطرابلس نصب عينيه. وتقتصر الاشتباكات في بنغازي حاليا على منطقتين أو ثلاث، بينما يشعر بعض السكان في وسط المدينة الساحلية، التي يسكنها 700 ألف، بالأمان للمرة الأولى خلال سنوات، وذلك بعد التفجيرات والاغتيالات التي سبقت إطلاق حفتر عملية الكرامة ضد المتطرفين في مايو (أيار) 2014 والقتال الذي تلاها. ومن بين الإجراءات الجديدة المراقبة الإلكترونية لحركة السير وفرق رصد السيارات الملغومة ودوريات الشرطة النسائية. وفي هذا الصدد يقول صالح هويدي، رئيس إدارة الأمن في بنغازي «إن وضع الأمن ظاهر للجميع والحمد لله.. فقد استطعنا أن نعيد الأمن في بنغازي بنسبة 90 في المائة أو أكثر. نحن لا ننكر أنه توجد بعض الخلايا النائمة، ولكن مصيرها إلى زوال». بيد أن الأحداث الأخيرة فندت مثل هذه المزاعم. ففي الشهر الماضي استهدف هجومان في بنغازي حلفاء بارزين لحفتر. كما تفجر العنف بين الجيش الوطني الليبي وخصمه الأساسي مجلس شورى ثوار بنغازي. وقبل أيام قتل ما لا يقل عن 38 من قوات الجيش الوطني الليبي عندما شرع حفتر في أحدث هجوم الذي شمل غارات جوية على أجزاء من المدينة. وقال الجيش الوطني الليبي إنه حرر قبل أيام حي القوارشة، الذي دار حوله نزاع طويل، وقتل ما لا يقل 18 من قوات الجيش في يوم واحد من القتال. وفي قنفودة تقدر جماعات مدافعة عن حقوق الإنسان أن أكثر من 130 أسرة محاصرة منذ أشهر دون أن يكون لها سبيل في الوصول إلى الطعام الطازج، وذلك بسبب حصار الجيش الوطني الليبي. بيد أن الجيش يقول إنه أتاح لها الفرصة للمغادرة. وعندما أصابت الغارات الجوية للجيش الوطني الليبي مدنيين اتهم الجيش خصومه باستخدامهم دروعا بشرية. ورغم أنه من الصعب قياس القوة الحقيقية للجيش الوطني الليبي. لكن محللين يعزون تقدمه في بنغازي على حساب مجلس شورى ثوار بنغازي وتنظيم داعش لأسباب جوهرية، أبرزها الدعم المادي والمخابراتي من دول صديقة وفرنسا. يقول وسام بن حميد، القيادي في مجلس شورى ثوار بنغازي الذي يلتمس هو وآخرون الحماية في طرابلس، إن هدف جماعته لا يزال «تأمين مدينة بنغازي وتحقيق الأمن والأمان لأهلها، ورفع الترويع الذي يعيشونه مع ميليشيات حفتر، وإرجاع أهلنا وأحبابنا المهجرين معززين مكرمين ومحاسبة المعتدين». ويتهم منافسون الجيش الوطني الليبي بتأجيج العنف بوصف جميع خصومه بأنهم إرهابيون. لكن مع زيادة وجود الجيش الوطني الليبي في الشرق أصبح انتقاده أو حتى التشكيك فيه أمرا ينطوي على خطورة. ولذلك يخشى مدونون ونشطاء من انتقام الجيش. واستبدل الجيش الوطني الليبي المجالس البلدية بحكام عسكريين في بنغازي، وهناك ما لا يقل عن سبع بلدات ومدن أخرى في تحرك، يقول الجيش إنه ضروري لاستعادة النظام والخدمات الأساسية. ومثلما هي الحال في أماكن أخرى في ليبيا فقد دمرت سنوات الصراع والاضطرابات السياسية هذه المدن والبلدات. لكن محمد الجارح، المحلل في «أتلانتيك كاونسيل» الذي يوجد مقره بشرق ليبيا، يقول إن الاضطلاع بدور أكبر يحمل أيضا مخاطر بالنسبة لحفتر والجيش، وأضاف متسائلا: «لا أعرف كيف سيتمكنون من الاستجابة لاحتياجات الشعب، وسيُلقى عليهم باللائمة على نحو متزايد في أي قصور. وبعد التفجيرات الأخيرة أصبح الناس يتساءلون: أيها الجيش الوطني الليبي أين أنت؟».

مشاركة :