لبنان: تشكيل الحكومة يراوح فوق «حقل ألغام» - خارجيات

  • 12/1/2016
  • 00:00
  • 20
  • 0
  • 0
news-picture

تَزامن بدء الشهر الثاني من العهد اللبناني الذي دُشن في 31 أكتوبر الماضي بانتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، مع مشهد «سريالي» في بيروت التي بدت أمس «عيْناً» على أوّل «اختبار شتوي» ومدى قدرة البنية التحتية على تصريف مياه العاصفة «بربارة» التي «افتتحت» موسم المطر، و«عيْناً» أخرى على المسار الصعب لإنهاء مرحلة «تصريف الأعمال» حكومياً المستمرّة بفعل عدم النجاح بعد في استيلاد حكومة جديدة رغم مرور 28 يوماً على تكليف الرئيس سعد الحريري تشكيلها. وفيما تمّ التعاطي مع «بربارة» على أنها من «نِعم» الطبيعة التي تأخّرت كثيراً هذه السنة، فإن دخول ملف تشكيل الحكومة في مدار «العصْف السياسي» ذات الصلة باعتبارات الصراع الداخلي القديم - الجديد المفتوح على الاشتباك الكبير في المنطقة، بدا بالنسبة الى كثيرين في بيروت مؤشراً الى مرحلة «غير مريحة» قد يكون لبنان مقبلاً عليها بحالتين: الحال الاولى اذا حصل تمادٍ في عملية «شد الحبال» و«اللعب على الحافة» الذي يمارسه بعض الأطراف، ولا سيما الرئيس نبيه بري ومن خلفه «حزب الله»، محاولاً «ابتزاز» العهد الجديد، الراغب في انطلاقةٍ سريعة له، لإرساء قواعد في مسار التأليف تحقق مجموعة أهداف متداخلة هي: تكريس أعراف توازي عملية ترسيمٍ للنفوذ بين الطوائف في إدارة الحكم، و«حفظ رأس» بعض الحلفاء لاستحقاقات مقبلة وأبرزهم النائب سليمان فرنجية. اضافة الى محاولة «تقليم أظافر» العهد بمعنى الحؤول دون اي «انزلاقات» في البُعد الاستراتيجي الذي شكّله انتخاب عون وذلك انطلاقاً من «النقزة» التي يعبّر عنها قريبون من الحزب وبري من التفاهم بين عون و«القوات اللبنانية» التي تشكّل «النقيض الاستراتيجي» للثنائي الشيعي، وهو ما كان عبّر عنه الهجوم غير المسبوق الذي شنّته إحدى الصحف المحسوبة على «حزب الله» اول من امس على كل من رئيس الجمهورية وصهره الوزير جبران باسيل. أما الحال الثانية، فهي ان يعمد الرئيس عون، غير الراغب في التحول «رهينة» منذ بداية عهده، الى الدفع نحو حكومة أمر واقع تراعي التوازنات السياسية والطائفية وفق «مجسّم» حكومة الرئيس تمام سلام باستثناء بعض التعديلات، وهو ما صار محور همسٍ في الساعات الماضية على انه احتمال قد يصبح حقيقة قبل الاسبوع الطالع. واذا كانت بعض الأوساط اعتبرت ان من شأن مثل هذه الخطوة بأسوأ الأحوال ان تفضي الى عدم نيل الحكومة الثقة في البرلمان لتتولى هي تصريف الاعمال عوض حكومة سلام بانتظار استشارات جديدة لتسمية رئيسٍ للحكومة واستئناف مسار التأليف الجديد، فإن مصادر أخرى تبدي خشية من أي منحى لفرض حكومة «بمَن حضر» باعتبار ان من شأن ذلك تعريض العهد لانتكاسة مبكّرة و«حرْق المراكب» في العلاقة مع المعترضين. وبحسب هذه المصادر فإن مثل هذه الخطوة قد تترتّب عليها أضرار يمكن ان تصيب المرة المقبلة الرئيس الحريري (لا يمكن ولادة حكومة أمر واقع إلا بتوقيعه مع الرئيس) الذي لن يكون حينها طريق تكليفه مجدداً تشكيل الحكومة بالسهولة التي كان عليها في 3 نوفمبر الماضي، ناهيك عن إدخال مجمل الوضع اللبناني الى «عنق الزجاجة» مؤسساتياً فيما المهل باتت ضاغطة امام الانتخابات النيابية (مايو 2017) التي يفترض توجيه الدعوة اليها في فبراير المقبل من دون ان يُحسم وفق اي قانون. وفي حين توقفت المصادر عند البيان الذي صدر بعد الجولة 37 من الحوار الثنائي بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» (يترأسه الحريري) برعاية بري والذي خلص الى تأكيد «ضرورة إنجاز الحكومة بأسرع وقت للاستفادة من المناخات الايجابية في البلد»، تبدو الأيام القليلة المقبلة مفصلية في تبيُّن مسار تأليف الحكومة، وسط ارتفاع «حرب السقوف» الى أعلى المستويات التي كشفت أزمة صامتة تعتمل على خط عون - «حزب الله» وأخرى مكشوفة بين رئيس الجمهورية وبري، في حين لم يحمل امس سوى تثبيتاً لـ «خطوط التمترس» على الشروط وتبادُل تقاذُف كرة تحميل المسؤولية عن استمرار المرواحة. ذلك ان رئيس البرلمان، الذي اكد ان «لا أحد يهدّدني ولا يخيفني الا الله»، يعتبر انه قام بما عليه وقدّم تسهيلات سواء على صعيد القبول بحكومة من 24 وزيراً عوض 30 او الموافقة على وزير بلا حقيبة، وانه اذا كانت المداورة في الحقائب ستشمل فقط وزارات كانت من حصّته فهو لا يمكن ان يسير بذلك، مكرّراً انه متمسّك بحقيبتيْ المال والأشغال داعياً الى جعل التربية لمصلحة فريق 8 آذار على ان يعمل هو على التفاهم مع فرنجية حول الحقيبة التي سينالها (فرنجية يرفض التربية ويتمسك بالأشغال او الطاقة او الاتصالات وإما لا يدخل الحكومة)، ورافضاً اعتبار العقدة عنده بل هي «تكمن بالإتفاق الذي حصل بين»القوات»و»التيار الوطني الحر»قبل وصول عون الى الرئاسة. وفي حين يرى بري انها «صارت الآن مسؤولية الرئيس الحريري» وانه بات في مرحلة «انتظار أجوبة»، يبدو ان رئيس البرلمان كماأن حلفاءه في 8 آذار يلعبون على وتر ان مسؤولية عون السعي الى استيلاد الحكومة «بأي ثمن» تفادياً لاستنزاف الزخم الذي جاء به الى سدة الرئاسة وكُلف في مناخه الحريري، ساعين الى توجيه رسالة الى عون بأن تحالفه مع «القوات» مكلف عليه ويشكّل ما يشبه «الثقالات» للعهد. من جهتها ترى «القوات اللبنانية» انها قامت بما يلزم لتسهيل انطلاقة العهد وتخلّت عن المطالبة بحقيبة سيادية مقابل عرض تلقّته بتولي «الأشغال» ونيابة رئاسة الحكومة مع وزارتيْ الشؤون الاجتماعية والإعلام، معتبرة ان الأمور يمكن ان تُحلّ بتولي فريق بري حقيبة الصحة، ونيل فرنجية وزارة التربية، رافضة رمي الكرة في ملعبها ومبدية الحرص على وضع ما يجري في سياق محاولات استرجاع ممارسات من زمن «الطائف السوري» وعدم «هضْم» وجود ثنائية مسيحية غير قابلة للكسر. واعلن رئيس «القوات» سمير جعجع «اننا نعيش أياماً تاريخية لأننا كقوات لبنانية تمكنّا من إعادة عقارب الساعة الى الوراء، اذ ان ما قمنا به شكّل بداية عودة السلطة والجمهورية والدولة الفعلية والدستور».

مشاركة :