في محاولة لاستلهامها وعلاجها بأسلوب معاصر، استحضر المخرج والمؤلف أحمد العوضي شخصيتي ريا وسكينة الشهيرتين في التراث المصري، على خشبة مسرح الدسمة من خلال العرض المسرحي «ريا وسكينة» الذي قدمته فرقة المسرح الشعبي، ضمن منافسات مهرجان «أيام المسرح للشباب» في دورته الحادية عشرة، وهو من بطولة علي الحسيني وسما العجمي ونوف السلطان وخالد السجاري ومحمد عاشور وحسين الحداد وآخرين. وبأسلوب جديد في الطرح، قدم العوضي الحكاية التاريخية المعروفة لأشهر قاتلتين في التاريخ المصري، واللتين خلدت السينما والمسرح المصري حكايتهما في أكثر من عمل فني على الشاشة الفضية والخشبة. وأضاف العوضي وجود شخصية «يوسف» عنصر الخير والمغلوب على أمره في زمن القسوة، ليكون أحد العناصر المهمة ضمن سياق أحداث مسرحيته، لكنه لم يهمل الفكرة الأساسية مع إضافة وتغيير بعض الأحداث. وعانت الشقيقتان القادمتان من أعماق صعيد مصر ريا وسكينة من الفقر ونبذهما المجتمع، فقررتا مواجهة ظروفهما القاسية بالانتقام من المجتمع على طريقتهما الخاصة، عبر استدراج ضحاياهما من النساء الثريات بحجة قراءة الطالع لهن وقتلهن. أما المحور الجديد الذي أضافه العوضي، فهو يوسف ابن ريا، الذي جاء معاقاً إلى دنيا قاسية، وهو غير راض عن ما يدور في بيتهم. كما أن من الإضافات أن يكون من يساعد السفاحتين هو ضابط الشرطة الذي يتقاضى منهما مقابلاً مادياً لمساعدتهما في قتل الأثرياء، وعندما يقرر يوسف الطيب الاستنجاد بهذا الضابط، يُصدم باعتدائه عليه رغم انكساره، ما يجعل الحياة قاسية أكثر. كما أن من الخطوط الإضافية التي نسجها العوضي أن تكون حبيبة يوسف من بين ضحايا السفاحتين، ما يدفعه إلى التنكر بزي امرأه ثرية لتقتله والدته ريا وخالته سكينة، وفي النهاية يتم إعدام العصابة التي تخسر كل شيء. الإضاءة كانت مظلمة في أغلب الأوقات، ربما في محاولة لإبراز الظلام الداخلي للشخصيات، لكن ذلك ساهم في فقدان وضوح ملامح وأزياء الممثلين، لكن الموسيقى التعبيرية خدمت العرض، فيما اكتفى المخرج بديكور واحد سواء كان لمنزل ريا وسكينة أو المخفر أو الشارع، وفي المجمل استطاع المؤلف والمخرج أحمد العوضي توصيل الفكرة من دون تعقيد ومزج بين الكوميديا القليلة مع الحدث الدرامي. وكان من أبرز الشخصيات يوسف، التي قدمها الفنان علي الحسيني بكل جدارة، حيث أبكى بعض الحضور بسبب انكساراته وافتقاده كل سند ومعين من البشر، فيما نجحت نوف السلطان في دور سكينة، حيث تقلبت في أدائها بين الشر والتردد والعودة لحظات للخير، لكن الشر غلبها. كذلك، أبدع زوج ريا، الفنان الشاب خالد السجاري في توظيف الكوميديا في شخصيته الشريرة، وفي لحظات الدراما تحوّل إلى شخص آخر ليتقمص الدور بجدارة. وأعقب العرض ندوة نقاشية أدارتها زينب خان، وشارك فيها مؤلف ومخرج العمل أحمد العوضي، فيما عقّب على العرض عضو هيئة التدريس في المعهد العالي للفنون المسرحية الدكتور طارق جمال، الذي هنّأ صنّاع العمل على الفكرة المبدعة وعلى الفهم والجرأة في العرض، مثمّناً بصمة المخرج في الخطوط الدرامية والمواضيع وفريق التمثيل وكافة تفاصيل العرض، ومشيراً إلى الأفكار المتناثرة أحياناً والمتضادة من حين إلى آخر. وأشاد الحضور في مداخلاتهم بالعمل وأحداثه، مثمنين أداء فريق العمل وجهد المخرج، حيث تحدث محمد عبدالرسول وعبدالعزيز بوقماز وعثمان الشطي وانعام سعود وأيمن الخشاب وهدى الخطيب. وختم مؤلف ومخرج العمل أحمد العوضي الندوة قائلاً: «لا يوجد عمل يخلو من الأخطاء. وهذا العمل قدمناه للمرة الأولى، وواجهنا العديد من التحديات أثناء التجهيزات، منها الإضاءات ومساحة المسرح، ولكن فرقة المسرح الشعبي وفرت لنا الإمكانات، وأنا فخور بالعمل، وأشكر كل من كان معي».
مشاركة :