اليوم العالمي للتسامح.. هل من مدكر؟!

  • 12/1/2016
  • 00:00
  • 37
  • 0
  • 0
news-picture

التسامح كلمة سهلة على اللسان ولكنها صعبة على القلب والعقل، لأن الإنسان يحتاج أن يتسامح مع نفسه ويتجرع آلامه أولا، حتى يستطيع أن يسامح الآخرين!. وهي منزلة عالية، والواقع الملموس والمشهود يقول: إن قلة من الناس هم القادرون على ذلك. وقد قال المؤلف نابليون هيل في قانون التسامح: «أولئك الذين يغلق التعصب عقولهم، مهما كانت طبيعتهم أو تسميتهم، لا يمكن أن يصبحوا مفكرين دقيقين!! وهذا سبب كاف يجعلنا نسيطر على التعصب». يصادف يوم 16 نوفمبر من كل سنة «اليوم العالمي للتسامح» والذي دعت إليه الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1996م، وتم فيه إعلان مبادئ التسامح الأممي. وهناك جائزة تقدم من اليونسكو كل سنتين بهذه المناسبة، وهي تعطى إما لأفراد أو منظمات أو مؤسسات وذلك في إطار تعزيز مفهوم التسامح واللاعنف. فهل ساهمت تلك الجوائز وإعلان المبادئ والخطط في خفض الصراعات الدولية أو قللت من العنف والتطرف والعنصرية المتزايدة في هذه الحقبة من الزمن؟! هذا الزمن الذي يفترض فيه أن يكون هو أوج العصر الإنساني الحديث. والذي يسميه البعض «ما بعد الحداثة» هو للأسف موت بطيء مُمنهج للحس الإنساني أمام الشاشات!! أعتقد أن الذي تبحث عنه الأمم المتحدة وهو التسامح على المستوى الأممي صعب المنال جدا بسبب التفاوت في التعامل مع القضايا من دولة إلى أخرى!!. الأمر الآخر الذي يجعله أكثر صعوبة هو الإرث التاريخي والذي يحمل في طياته الكثير من التداخلات والتعقيدات والمشكلات المتعلقة بالمعتقدات والعنصريات والطائفيات، والتاريخ شاهد ومليء بالمآسي. نعم، قد يتخللها بعض من الهدوء النسبي في بعض العقود المتفاوتة. أضف إلى ذلك أن مسألة التسامح على المستوى الأممي فيها شيء من التداخلات السياسية الماكرة المبنية على المصالح والمنافع «البرجماتية» وليست القيمية. وقد تجد البعض منهم في قمة التناقض حيث الاهتمام بالبيئة والحفاظ على الحيوانات والنباتات وينسى الحقوق أو التسامح لبني البشر في قضايا مصيرية مهمة لشعوب مختلفة وما قضية فلسطين أو بورما مثلا منا ببعيد. ولذلك يقول د. مصطفى السباعي– رحمه الله-: «عندما يرحم الإنسان الحيوان وهو يقسو على الإنسان يكون منافقا في ادعاء الرحمة»! وأما على مستوى العالم العربي والإسلامي، فالحروب والنزعات الطائفية والعنصرية والمذهبية هو الصوت الطاغي وللأسف ربما نعيش في ذروتها، فهلا تعلمنا من التاريخ وعبره! حيث يفترض أن أوروبا والعالم ككل تعلموا درسا قاسيا جدا من الحروب وخصوصا العالمية منها. ففي الحرب العالمية الأولى كان عدد القتلى والجرحى أكثر من 37 مليون إنسان. وأما في الحرب العالمية الثانية فتشير التقديرات إلى أن عدد الضحايا وصل إلى أكثر من 60 مليون ضحية، وهي أكثر الحروب دموية على مستوى التاريخ حتى الآن!! المشكلة الرئيسية أن الانتقام والعنف يولد العنف والانتقام، فما الحل؟! يقول المؤلف والأديب الايرلندي الشهير برنارد شو: «لو كان محمدا حيا لحل مشاكل العالم وهو يحتسي القهوة». نعم، والله هذا صحيح، ولكن محمدا عليه الصلاة السلام ترك لنا هديه وتعاليمه في الحل والسلم وفي كليهما هناك متسع كبير للتسامح والرحمة والحلم لحل مشاكلنا. ومنها مثلا أن عملية الانتقام حلقة لا نهاية لها. ولذلك قال عليه الصلاة والسلام في فتح مكة تلك الكلمة التي وصل صداها إلى أطراف المعمورة: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»، وكذلك تأكيده في حجة الوداع حين قال: «أيها الناس، إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا». ثم قال: «إن كل دم في الجاهلية موضوع»، وذلك من أجل وقف عمليات الانتقام والثأر لأنها حلقة ودوامة لا نهاية لها كما ذكرنا، ليبدأ عهد جديد من التسامح والانفتاح والنهضة. وبهذا النهج القويم سار عليه من جاء من بعده من القادة الحقيقيين ولنا في صلاح الدين الأيوبي -رحمه الله- خير مثال حين عامل الأسرى وأحسن للناس عامة على اختلاف مشاربهم في فتح القدس من غير انتقام وبتسامح على عكس ما قام به الذين احتلوها حينئذ حيث لا رحمة ولا تسامح!! وللتوضيح، فالتسامح لا يعني الضعف أو نفي إقامة العدل، بل التوازن هو المطلب، وكما قال المتنبي: «ووضع الندى في موضع السيف بالعلا... مضر كوضع السيف موضع الندى» «الندى: السخاء». ويقول نيلسون مانديلا: «الشجعان لا يخشون التسامح من أجل السلام». وفي النهاية كل النزعات والصراعات والحروب وإن طال أمدها سوف تنتهي على طاولة المفاوضات لأن كل الطرفين لابد أن يكون قد خسر شيئا ما!.

مشاركة :