إنها العلمانية، رأس الكفر، وأكثر الأيديولوجيات التي تلقت هجوما وتشنيعا في عالمنا العربي، وبها وصم معظم رواد التنمية في السعودية، كانت وما زالت أحد أهم أساليب تصفية الخلاف التي ابتدعها الحركيون، بل قتل ونحر على مقصلتها الكثير. لم يقولوا لنا في الأيام الخوالي، إن للعلمانية وجهين، أحدهما ناعم مداهن، والآخر خشن متوحش، لم يخبروا أحدا عن سر تلك النعومة التي اكتشفوها فجأة، بعد عشرات العقود من الصدام والتكفير والتفسيق، خشية من انحلال العلمانية، واصطدامها مع الدين، احتكروا خلالها الحقيقة «الناعمة» لوحدهم دون الناس. إنها طريقة الحركيين في تمرير أفكارهم ومشاريعهم، وهو ما يجب أن يحذر منه الجميع، فما يحقق لهم المصلحة، عوموه، وشرعنوه، وألبسوه لباس العفة والصلاح، وما خالفهم، كفروه وصهينوه، وجعلوه رفيق الشيطان الرجيم في جهنم خالدين. يجب أن لا نستغرب أن يأتي ذات يوم، حين تحين مصلحتهم، ويتحقق لهم منها فائدة، من يقول منهم إن للتغريب والليبرالية وجها أملس كالحرير، فهذه طريقتهم في إدارة عقول المجتمعات، بغية الوصول إلى الكراسي. هي خلطة عجيبة جدا في فكرتها، ولا يقدر عليها إلا كل «حركي» متخف في عباءة الدين، لتمرير العلمانية، للوجدان العربي والإسلامي، بطريقة غاية في المكر والدهاء. في الحقيقة لم تكن رسالة للداخل فقط، بل رسالة للغرب، الذي تبنى العلمانية كمنهج حياة، ووجد أنها منتج إنساني حسب تصورهم يمكن بناء عقد اجتماعي حولها، يقول فيها الحركيون نحن مستعدون للذهاب معكم ومن خلالكم للعلمانية، فقط اقبلونا كقادة في البلدان العربية. السؤال المحير، هو أن من يقدمها اليوم، ليس مفكري التيار الديني، بل صقور الحركيين، الذين يتبنون خطابا شعبويا تحريضيا، شيطنوا به كل مخالف، وحولوا الشارع إلى حرائق فكرية متتالية، صنعوا بها جراحا لا تلتئم بسهولة. لعلنا نتوقع معهم، ماهي الطرق التي يمكن أن يتبناها أي مجتمع، لكي يكون علمانيا ناعما، ويكون في الوقت نفسه مقبولا لديهم، ويأخذ منهم صكوك الغفران. أولا.. يجب أن يكون للعلمانية الناعمة، مرشد أعلى، كالمرشد بديع أو القرضاوي، حتى يكون محرما لها، إليه يحتكم العلمانيون الناعمون، ويفصل فيما إذا كانت خشنة تغص بها الشعوب، أم ناعمة يضحك بها عليهم. ثانيا.. أن تكون تلك العلمانية مفصلة فقط على مقاس الحركيين والإخونجية والسروريين، ولا أحد يتبناها غيرهم، فإن فعل، فهو كافر وملحد، خارج عن تعاليم الإسلام. ثالثا.. أن تلبس العلمانية الناعمة الحجاب على الرأس، والميني جب على بقية الجسد العاري، إنه فكر ما تراه العين، لا ما يفهمه العقل. رابعا.. أن تسمح بالبارات، ودور الدعارة، وتحتفل بالأعياد المسيحية واليهودية والنيروزية، وتقدس الأضرحة والأولياء، وتنقل رفاتهم من موقع لآخر بقبابهم، ومساجدهم، وفي الوقت عينه، «شرك» من يفكر في ربع ما تقوم به، فهو ليس من نفس العشيرة. خامسا.. العلمانية الناعمة، تعتبر العلاقة مع إسرائيل «أخلاقية»، ودهاء وحنكة، وخدمة للفلسطينيين، أما الأسلحة وقطع الغيار التي تقدم للدولة العبرية، فهي ليست سوى قرابين طرية. سادسا.. هاجم وشيطن وصهين، أي دولة تفكر بإقامة علاقة مع روسيا أو إيران أو إسرائيل، فقط دولتهم العلمانية تفعل، لتزيد من تجارتها ويزدهر اقتصادها، فهي بنت «المقطم» وتاجها، وما يجوز لها، يصهين به غيرها. سابعا.. هاجم إسرائيل ومينامار وأمريكا وروسيا وكل بلاد العالم، وافرح في حرائقهم ومصائبهم، وإذا علمت أن العلمانية الناعمة تساعدهم وتساهم في إطفائها، «طنش» الموضوع، وحاول إخفاءه عن الإعلام، وإذا سُألت، قل إن الطائرات محملة بالمازوت وليس المياه، فالمغفلون كثر. نقلا عن عكاظ
مشاركة :