* رغم دعوات الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما في المؤتمر الأخير في تجمع ايبك للمضي في إنشاء أكبر تكتل اقتصادي ومالي إقليمي في العالم، إلا أن الرئيس المنتخب وضع عدم الذهاب في هذا الطريق أهم الإجراءات التي سيتخذها، علما أن فائدة الولايات المتحدة كبيرة من هذه الشراكة، ومن شأن المضي فيها زيادة تصدير السلع الأمريكية للدول الأعضاء، وهي إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية .. ما كشفه الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب عن عزمه تنفيذ جملة من وعوده في المائة اليوم الأولى من دخوله البيت الأبيض، ينذر بخضة متعددة الأوجه إن على الصعيد الداخلي الأمريكي أو على الصعيد الخارجي. الفيديو الذي نشر على مواقع الإنترنت يفيد بأن ترامب سوف يقوم في بداية عهده بالانسحاب من المفاوضات حول اتفاق الشراكة التجارية عبر المحيط الهادئ (TTP)، وإلغاء القيود البيئية التي وضعها الرئيس باراك أوباما، ومطالبة فريقه للأمن القومي بالعمل ضد الهجمات التي تستهدف البنية التحتية، والتحقيق في تأشيرات العمال الفيدرالية وفرض عقوبات جديدة واسعة على محاولات الضغط من قبل موظفي الحكومة. لكنه لم يتحدث عن بناء الجدار العازل بين الولايات المتحدة والمكسيك، وخفف حديثه عن فرض قيود على المهاجرين من الدول التي تتمتع بأغلبية سكانية مسلمة، كما أنه تراجع عن حديثه إزاء إنفاق نحو تريليون دولار لتحديث البنية التحتية. كل تلك الوعود قد تتعثر بشكل أو بآخر رغم وجود أغلبية مريحة في مجلس النواب، كون العمل السياسي في الولايات المتحدة الأمريكية هو عمل مؤسسي يحاكي مصالح أمريكا وعلاقاتها مع الخارج القريب أو البعيد، وبالتالي فإن تهديدات ترامب سوف تخضع لفحص دقيق من قبل المؤسسات العاملة، التشريعية منها والاقتصادية والمالية، والإعلامية، فضلا عن مؤسسات المجتمع المدني، وهي مؤسسات لها قوتها على الأرض. لكن الأكثر أهمية في هذه الوعود ذلك المتعلق بالانسحاب من الشراكة عبر المحيط الهادئ، التي وصلت إلى مراحلها النهائية وتحتاج إلى توقيع الدول الـ 12 التي اتفقت على تأسيس هذه الشراكة. فرغم دعوات الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما في المؤتمر الأخير في تجمع ايبك للمضي في إنشاء أكبر تكتل اقتصادي ومالي إقليمي في العالم، إلا أن الرئيس المنتخب وضع عدم الذهاب في هذا الطريق أهم الإجراءات التي سيتخذها، علما أن فائدة الولايات المتحدة كبيرة من هذه الشراكة، ومن شأن المضي فيها زيادة تصدير السلع الأمريكية للدول الأعضاء، وهي إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية، أستراليا، بروناي، كندا، تشيلي، اليابان، ماليزيا، المكسيك، بيرو، نيوزيلندا، سنغافورة وفيتنام. هذه الدول مجتمعة تمثل نحو 800 مليون نسمة، ويبلغ إنتاجها المحلي الإجمالي أكثر من 27.5 تريليون دولار، وتمثل أكثر من 35% من الناتج المحلي الإجمالي لدول العالم والبالغ وفق تقديرات صندوق النقد الدولي 77.269 تريليون دولار. ما يحير المراقبين أن الاقتصاد الأمريكي هو المستفيد الأكبر من بين الاقتصاديات الأخرى وهو الذي سيشكل قاطرة القيادة لاقتصاديات الدول الأعضاء خصوصا أنه في حال أنشئت الشراكة سوف يتم إلغاء الرسوم عن 18 ألف منتج، نسبة كبرى منها تنتج في الولايات المتحدة الأمريكية. المشكلة التي تواجه الدول الـ 11الأخرى تتمثل في أن الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي يشكل نحو 60 % من الناتج المحلي الإجمالي لدول الاتفاقية، وأن هذا الاقتصاد العملاق الذي لا يبزه إلا الاتحاد الأوروبي في الناتج المحلي (أكثر من 18 تريليون دولار هو الناتج المحلي الإجمالي لـ 28 دولة عضو في الاتحاد)، فإن واشنطن تعتبر المحرك الحقيقي للكتلة الكبرى، وأي تراجع عن هذه الخطوة يعني تقدم الصين التي تتمتع بالمرتبة الثالثة عالميا من حيث الناتج المحلي الإجمالي بأكثر من 10.35 تريليون دولار. بكين، وبعد أن وجدت ترامب قد عقد العزم على إلغاء ما تم التفاهم عليه إزاء الشراكة عبر المحيط الهادئ، بادرت وعرضت تشكيل كتلة مقابلة تحت مسمى «الشراكة الإقليمية الاقتصادية الشاملة» تدخل في عضويتها 19 دولة، منها الدول الـ 11 في اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ، يضاف إليها الهند وكمبوديا وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وتايلند. وهذا مقترح يغطي نحو نصف سكان العالم وثلث الناتج المحلي الإجمالي منه. ما يهم في كل ذلك أن العالم يتسابق لعقد الاتفاقيات وتشكيل الكتل الاقتصادية الكبرى التي من شأن قيامها خلق وقائع اقتصادية وسياسية لمواجهة تحديات راهنة ومستقبلية والبحث عن إمكانات الدخول في أسواق جديدة وتحسين ظروف كل دولة من أجل واقع أفضل لشعوبها. بيد أن الرئيس الأمريكي المنتخب، ووفق الخبراء الاقتصاديين الأمريكان وغير الأمريكان يجدون فيما يهدد بتنفيذه ترامب في الـ 100 يوم الأولى من توليه الرئاسة، يضر حتى بشعاراته التي تحمل في أعماقها شعبوية من طراز «أمريكا أولا»، و»لنعد عظمة أمريكا مجددا». فرفض اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادئ تفقد الاقتصاد الأمريكي فرصة التوسع من خلال زيادة التصدير للدول الأعضاء في تلك الاتفاقية وتلك التي من خارجها. من المرجح أن الرئيس المنتخب سوف يلحس كثيرا من تهديداته وتعهداته بعد أن يصطدم بجدار المؤسسات الاقتصادية والمالية الكبرى التي تبحث عن فرص جديدة لمواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية بعد 8 سنوات من نشوبها.
مشاركة :