دخلت الفصائل المعارضة المسلحة في معارك ضارية اليوم الجمعة، مع قوات النظام السوري، في محاولة للحفاظ على حي الشيخ سعيد في الأحياء الشرقية لمدينة حلب. وكانت قوات النظام تمكنت من استعادة 40 بالمئة من الأحياء الشرقية للمدينة، إثر هجوم مدمر مدعوم بالطيران السوري. وبعد أن تقدم الجيش السوري بشكل صاعق بفضل قوة نارية كبيرة، تمكن مسلحو المعارضة من صد الجنود عن حي الشيخ سعيد في الناحية الجنوبية من شرق حلب، حيث تتواصل المواجهات المتقطعة، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان. وبدأت القوات النظامية بمساعدة من مقاتلين عرب وأجانب وبفضل الدعم الاستراتيجي الروسي في 15 نوفمبر/ تشرين الثاني، هجوما كبيرا من أجل طرد مسلحي المعارضة من الأحياء الشرقية المحاصرة منذ أربعة أشهر، والمحرومة من الغذاء والكهرباء والدواء، في مسعى لاستعادة كامل مدينة حلب. ومنذ العام 2012، تشهد مدينة حلب، ثاني أكبر مدن سوريا، والتي كانت تعد العاصمة الاقتصادية للبلاد، معارك مستمرة بين القوات الحكومية التي تسيطر على الأحياء الغربية، حيث يعيش 1,2 مليون شخص، والفصائل المسلحة المعارضة التي تسيطر على الأحياء الشرقية، حيث كان يعيش أكثر من 250 ألف شخص حتى قبل بدء الهجوم. وسقط في هذا النزاع المستمر منذ 2011، أكثر من 300 ألف قتيل. ورغم استنكار الغربيين والدعوات إلى هدنة، أمطرت القوات الحكومية المدعومة من إيران وروسيا، الأحياء الشرقية بوابل من البراميل المتفجرة والصواريخ منذ أكثر من أسبوعين، ما أدى إلى تدمير كبير في هذه الأحياء، ونزوح أكثر من 50 ألف شخص، بحسب المرصد. وأعلنت الأمم المتحدة اليوم الجمعة، أن قرابة 20 ألف طفل فروا من منازلهم شرق مدينة حلب في الأيام الأخيرة، محذرة من أن الوقت بدأ ينفد لتزويدهم بالمساعدات التي هم بأمس الحاجة إليها. وذكر المرصد، أن مسلحي المعارضة تمكنوا الجمعة، بدعم من جهاديي تنظيم «فتح الشام»، من قلب الوضع في حي الشيخ سعيد، وتمكنوا من استعادة 70 بالمئة من الحي بعد أن كانت القوات النظامية هي التي تسيطر على 70 بالمئة منه. «حلم استحال واقعا» .. وقال مدير المرصد رامي عبد الرحمن لوكالة «فرانس برس»، «يريد النظام وحلفاؤه، بأي ثمن استعادة الحي»، مشيرا إلى إن «استعادته تهدد مباشرة سائر الأحياء الشرقية الأخرى». وأضاف، أن خسارة الحي «ستشكل ضربة قاسية للمقاتلين وخصوصا بعد خسارتهم» لجزء كبير من الأحياء الشرقية للمدينة خلال الأيام الأخيرة، مضيفا، أن هؤلاء «يقاومون بشراسة لأنهم يعلمون أنهم سيقعون بين فكي كماشة إذا سقط الشيخ سعيد». وأفاد مراسل وكالة «فرانس برس» في المكان، أن الجيش السوري تقدم واستعاد قسما من حي طريق الباب من المسلحين المعارضين، ووصل إلى حي الشعار حيث بدت الشوارع خالية تماما والدمار كبيرا. ولليوم الثاني على التوالي تراجعت وتيرة الغارات الجوية بسبب سوء الأحوال الجوية، لكن المدفعية لا تزال تقصف على عدة جبهات. كما عرقل سوء الأحوال الجوية نزوح المدنيين الفارين من المعارك. وتمكنت عدة أسر فرقتها الحرب، من الالتقاء مجددا. وأمام ابنته رشا التي لم يرها منذ عام ونصف عام، جثا جمعة القاسم على ركبتيه في الوحل وانفجر باكيا. وأمام المركز التجاري الذي يستقبل النازحين، عاد ونهض وعانق ابنته التي تمكنت من الفرار مع أطفالها. وقال القاسم وهو في حالة تأثر شديد، «كنت أحلم برؤية وجهها ولو لدقائق قبل أن أموت». ومنذ 15 نوفمبر/ تشرين الثاني، قتل 307 مدنيين بينهم 42 طفلا و21 امرأة في أحياء حلب الشرقية، بحسب المرصد. كما قتل 59 شخصا بقذائف أطلقها مسلحو المعارضة على أحياء حلب الغربية. ويبدو أن الجيش السوري الذي بات يسيطر على أكثر من 40 بالمئة من الأحياء الشرقية لحلب، مصمم بأي ثمن على استعادة كامل المدينة من أيدي المعارضة التي تكبدت أكبر خسارة منذ بداية النزاع في مارس/ أذار 2011. ممرات إنسانية .. ووقعت أكثر من 200 منظمة إنسانية أمس الخميس، نداء يطالب بأن تتسلم الجمعية العامة للأمم المتحدة الملف السوري، بسبب عجز مجلس الأمن عن اتخاذ أية خطوة بشأن هذا الملف. وعرضت روسيا الخميس فتح أربعة ممرات إنسانية من حلب الشرقية من أجل إجلاء المدنيين وخصوصا الجرحى وإيصال المساعدات. وأكد وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، اليوم الجمعة في في مؤتمر صحفي بروما بعد لقاء مع نظيره الإيطالي باولو جينتيلوني، «لقد أبلغنا الأمم المتحدة في نيويورك وجنيف عدم وجود أية مشاكل في تسليم المساعدات الإنسانية إلى شرق حلب». وتابع وفقا لتصريحاته كما نقلتها وكالة «ريا نوفوستي»، «يجب الاتفاق مع الحكومة السورية حول مرور هذه القوافل التي لم تعد تواجه تهديدا، والأمم المتحدة ما زالت تدرس كيف يمكن أن يتم ذلك». لكنه جدد دعوته الفصائل المسلحة إلى «قطع كل علاقة مع الإرهابيين»، معيدا التأكيد أن «كل الجماعات المسلحة» التي تقاتل في شرق حلب، هي «تحت سيطرة جبهة النصرة»، (جبهة فتح الشام منذ إعلانها فك ارتباطها بالقاعدة). ولا تشارك روسيا في عمليات القصف الحالية على الأحياء الشرقية، إلا أن مشاركتها العسكرية إلى جانب النظام منذ سبتمبر/ أيلول 2015، ساهمت بإضعاف المقاتلين. وستمثل استعادة كامل مدينة حلب أهم انتصار للنظام السوري منذ 2011، وتعزز موقع حلفائه الروس وإيران وحزب الله اللبناني. كما من شأنها أن تتيح له أيضا الشروع في استعادة بقية المناطق التي يسيطر عليها مسلحو المعارضة، والتي تقلصت مساحتها إلى حد كبير. كما ستشكل هزيمة ساحقة لداعمي المعارضة السورية من العرب والغربيين، في هذا النزاع المعقد جدا، والذي تتدخل فيه العديد من القوى الإقليمية والدولية. ومن بيروت دعا وزير الخارجية التركي مولود شاوش أوغلو، الذي تدعم دولته المعارضة السورية، إلى «وقف لإطلاق النار بأسرع ما يمكن، ودون إضاعة وقت». وفي اسطنبول تظاهر نحو ألف شخص بدعوة من منظمات طلابية إسلامية للمطالبة بوضع حد لـ«مجزرة حلب»، وللتنديد بالنظام السوري وحليفته روسيا.
مشاركة :