لماذا لن يتخلى أردوغان عن اتفاق اللاجئين مع أوروبا؟

  • 12/3/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

لوَّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مجدداً، رداً على تصويت غالبية نواب البرلمان الأوروبي على توصية غير ملزمة بوقف موقت لمفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، بتجميد العمل باتفاق اللاجئين المبرم مع حكومات الاتحاد في آذار (مارس) الماضي. وعلى رغم مراوغة الجانب الأوروبي في تنفيذ التزاماته بموجب هذا الاتفاق، علاوة على الضغوط التي تتعرض لها أنقرة من بروكسيل هذه الأيام بالتزامن مع إظهار استطلاعات رأي تركية تؤكد تنامي عزوف فئة عريضة من الأتراك عن التعلق بتلابيب «الفردوس» الأوروبي، تبرز معطيات موضوعية يمكن أن تحول دون تنفيذ أردوغان تهديداته. فلم تعد تلك التهديدات تحدث دوياً بعدما دأب الرجل على إطلاقها بغير حساب وفي اتجاهات متفرقة، تحت وطأة ضغوط تحاصره داخل بلاده وخارجها. ولطالما هدد وتوعد باتخاذ إجراءات صارمة ضد مقاتلين أكراد سوريين و «داعش» وحكومات سورية والعراق وإسرائيل وروسيا، رداً على انتهاكات وخروق بحق بلاده، لكن شيئاً من هذا القبيل لم يحصل. وما برحت أنقرة تفتقد خيارات بديلة ناجزة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، فبينما لوَّح أردوغان بإمكان التحاق بلاده بمنظمة شنغهاي، على سبيل المثال، كخيار بديل للهاث العبثي خلف الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، لا يبدو أن عضوية تركيا في تلك المنظمة ستحقق لها ما كانت تتوخاه من النادي الأوروبي. ففي حين قد تغدو تركيا شريكاً قيادياً فاعلاً في الأولى بدلاً من أن تكون عضواً من الدرجة الثانية في الأخيرة، تبقى منظمة شنغهاي منظومة أمنية بالأساس تقودها روسيا والصين المناهضتان للمعسكر الغربي الذي ترتبط به تركيا. وعــــلــى رغم مماطــــــلة الأوروبيين، لا يبدو أردوغان مستعداً للتضحية بالامتيازات والمغانم التي يمكن أن تحصل عليها تركيا من وراء اتفاق اللاجئين. فمن جهة، ستتلقى تركيا دعماً مالياً أوروبياً لتمويل استضافة ما يربو على ثلاثة ملايين لاجئ، وفق تعهد أوروبا في نهاية العام 2015 منح تركيا ثلاثة بلايين يورو مقابل وقف تدفق اللاجئين. وينص اتفاق آذار الماضي على تسريع إجراءات صرف هذا المبلغ، في حين تطلب تركيا ثلاثة بلايين يورو إضافية قبل نهاية 2018. ومع أن تركيا لم تتسلم سوى 700 مليون يورو حتى الآن، يبقى من غير المستبعد أن يقدم الأوروبيون على استرضائها عبر تسديد مبالغ إضافية في القريب العاجل. ومن جهة ثانية، يتيح الاتفاق نفسه لأنقرة تنشيط مفاوضات انضمامها إلى الاتحاد الأوروبي، عبر فتح خمسة فصول جديدة من مفاوضات الانضمام: الفصل الرقم 15 الخاص بالطاقة، الفصل الرقم 23 الخاص بالحقوق الأساسية والقضاء، الفصل الرقم 24 الخاص بالعدالة والأمن والحريات، الفصل الرقم 26 الخاص بالثقافة والتعليم، الفصل الرقم 31 الخاص بالأمن الخارجي والدفاع. وترفض دول أوروبية عدة مسايرة تركيا في هذا المطلب بذريعة ابتعادها عن المبادئ الأوروبية، فضلاً عن اعتراض تلك الدول على ما تعتبره ابتزازاً تركياً، خصوصاً أن فتح أي فصل تفاوضي يتطلب موافقة أعضاء الاتحاد كافة. ويشار هنا إلى أن فصلاً جديداً فُتح مع تركيا على خلفية اتفاق اللاجئين هو الفصل الرقم 33 الخاص بالموازنة والأحكام المالية. ومن جهة ثالثة، مكَّن اتفاق اللاجئين أنقرة من إقامة منطقة آمنة في سورية، بعدما نجحت في إقناع الأوروبيين بأن ذلك من شأنه المساهمة في تقليص تدفق الفارين من الأراضي السورية باتجاه تركيا والذين غالباً ما يفكرون لاحقاً في التوجه إلى أوروبا. ولم تدخر أنقرة وسعاً في استغلال التفاهم مع موسكو والأوروبيين للإسراع في فرض هذه المنطقة الآمنة على الأرض في الشمال السوري. ومن جهة رابعة، يمكن القول إن اتفاق اللاجئين قد شرعن مطالبات أنقرة المزمنة بإلغاء التأشيرة المفروضة على مواطني تركيا عند السفر إلى أوروبا، إذ نص الاتفاق على أنه إذا رأت المفوضية الأوروبية أن تركيا لبَّت كل المتطلبات الخاصة بحصول مواطنيها على تأشيرة «شنغن»، والتي من ضمنها وقف تدفق اللاجئين إلى أوروبا، ستوصي المفوضية بإعفاء الأتراك من تلك التأشيرة. والواقع يؤكد أن تركيا لم تحصل على ما طلبته في هذا الشأن حتى الآن، بسبب رهن الأوروبيين تنفيذ هذا البند بمراجعة أنقرة قوانينها الخاصة بمكافحة الإرهاب. وبينما يمكن الادعاء أن أردوغان استنفد، إلى حد كبير، غرضه من توظيف ورقة الحلم الأوروبي، وفشل محاولة الانقلاب عليه، لتثبيت دعائم حكمه، فإنه يأبى إلا أن يحصل على ما يريده من أوروبا، مهما بدا أنه بعيد المنال. فالحلم الأوروبي لا يزال يشكل أحد أبرز ثوابت السياسة الخارجية التركية بغية صَون العلاقة الوظيفية مع الاتحاد الأوروبي التي تضمن لأردوغان استمرار الدعم الغربي لمساعيه الرامية إلى تدشين الجمهورية التركية الثانية، بمقدار ما تضمن للأوروبيين مواصلة تركيا الاضطلاع بوظيفتها الأمنية كحائط صد في مواجهة التحديات والتهديدات التي تحاصر الاتحاد الأوروبي من بوابتيه الشرقية والجنوبية.     * كاتب مصري

مشاركة :