السلم الاجتماعي في تونس أصبح الآن يمر بمنطقة تقلبات قوية من شأنها إضعاف إمكانية عودة الاقتصاد إلى الانتعاش، والحيلولة دون التوجه نحو معالجة قضايا التنمية والتشغيل في البلاد التي يتعين أن تبقى محور أعمال الحكومة. وأعرب في هذا السياق عن خشيته من أن تكون الإضرابات المتوقعة بداية لسلسلة من دوامة تصاعدية يصعب التحكم فيها في ما بعد، خاصة وأن الوضع العام السياسي في البلاد يتسم بالهشاشة وله تأثير مباشر على الأوضاع الاجتماعية. وتشهد تونس هذه الأيام حالة من الاحتقان والتوتر، أصبحت تُنذر بتطورات خطيرة على السلم الاجتماعي والأهلي، وعلى استقرار البلاد، حيث ارتفع منسوب التحركات الاحتجاجية التي انفجرت في وجه الحكومة الحالية برئاسة يوسف الشاهد التي توصف بأنها حكومة وحدة وطنية. وبدأت مفاعيل هذا الاحتقان تتراكم منذ الإعلان عن مشروع قانون المالية للعام 2017 المثير للجدل الذي يُنتظر أن يُصادق عليه البرلمان قبل نهاية الشهر الجاري، إلى أن وصلت إلى حدّ إقرار الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد) تنفيذ إضراب عام في قطاع الوظيفة العمومية. وتزامن هذا التصعيد النقابي، مع غضب متصاعد عبّر عنه المحامون والصيادلة، وكذلك مدرسو التعليم الابتدائي والإعدادي والثانوي الذين نظموا الأربعاء الماضي مظاهرات ومسيرات احتجاجية تخللتها شعارات سياسية أثارت استياء العديد من القوى السياسية. وتثير هذه التحركات الاحتجاجية التي عرفتها تونس العاصمة، وبقية محافظات البلاد، مخاوف المراقبين من إمكانية استفحالها بما يحول دون تمكن حكومة الشاهد من تنفيذ وعودها، لا سيما وأنها تأتي فيما يستعد الاتحاد العام التونسي لتنفيذ إضراب عام، الخميس المُقبل. عصام الشابي: نخشى أن تكون الإضرابات بداية دوامة تصاعدية يصعب التحكم فيها وأقرّ عصام الشابي بمشروعية هذه المخاوف، حيث قال إنه “بقدر ما ننظر بقلق شديد إزاء قادم الأيام، فإننا مع ذلك نُقرّ في نفس الوقت بمشروعية المطالب الاجتماعية الراهنة التي هي استحقاقات يتعين على الحكومة أن تلتفت إليها، وأن تجد لها الحلول المناسبة بعيدا عن التصعيد، وضمن إطار حوار ينتهي بحل”. وشدّد في هذا السياق على أنه بات يتعيّن على الجميع إدراك أنه “لا يمكن إعادة الدورة الاقتصادية إلى نشاطها الطبيعي في ظل توترات اجتماعية، وغياب مناخ السلم الأهلي، ولا سيما في هذا المرحلة التي مازال فيها الوضع الأمني في البلاد من حيث ارتباطه بخطر الإرهاب لم يستقرّ رغم النجاحات التي تحققت في هذا المجال”. ودعا في المقابل جميع القوى السياسية والاجتماعية إلى التهدئة، والبحث عن القواسم المشتركة، للتوصل إلى حلول وسط للقضايا الخلافية بما يحافظ على حقوق جميع الأطراف، “ذلك أن استمرار التوتر الاجتماعي من شأنه استنزاف طاقات واهتمامات قوى الأمن التي كان يمكن استغلالها في الحرب على الإرهاب ودرء مخاطره عن البلاد”. وبلغة حملت نوعا من العتاب الضمني للحكومة، قال الشابي، “كنا نتمنى ان تكون انطلاقة حكومة الوحدة الوطنية الحالية برئاسة يوسف الشاهد أفضل بكثير مما هي عليه الآن”. وتابع “لكن للأسف تُظهر الخطوات الأولى التي قطعتها هذه الحكومة أن الانطلاقة بدت مُتعثرة، وهو ما تعكسه حالة الاحتقان الراهنة، والتجاذبات السياسية الثانوية التي بدأت تعود تدريجيا إلى المشهد السياسي”، وذلك في إشارة إلى الجدل الذي برز خلال الأيام القليلة الماضية حول بقاء أو إلغاء وزارة الشؤون الدينية، وما رافقه من حديث متزايد حول إجراء تحوير وزاري قريب. غير أنه لم يتردد في وصف الجدل حول بقاء أو إلغاء وزارة الشؤون الدينية بأنه “جدل عقيم، ونوع من أنواع الترف الفكري”، وذلك بالنظر إلى الأوضاع التي تمر بها البلاد اليوم. ولكنه أعرب في المقابل عن خشيته من أن تكون بعض الأطراف السياسية “تسعى من وراء هذا الجدل إلى إحياء جذوة الخلافات العقائدية، وتغذيتها لأنها عاجزة عن التوجه إلى المشكلات الحقيقية للتونسيين”. وارتبط الجدل حول بقاء وزارة الشؤون الدينية أو الاستغناء عنها بمسألة إمكانية إقدام رئيس الحكومة على إجراء تحوير وزاري، باعتبار أن منصب وزير الشؤون الدينية شاغر منذ الإعلان عن إقالة الوزير عبدالجليل بن سالم في بداية شهر نوفمبر الماضي، وتكليف وزير العدل الحالي غازي الجريبي بإدارة هذه الوزارة بالنيابة. وترددت أنباء في وقت سابق تفيد أن رئيس الحكومة يدرس حاليا خيارين لسد هذا الشغور، الأول يتعلق بتعيين وزير جديد لتولي حقيبة الشؤون الدينية، والثاني إدخال تحويرات على تشكيلة فريقه الحكومي يستجيب فيها لبعض الاقتراحات التي وصلته من عدد من الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحكومي، وذلك لتمتين الحزام السياسي لحكومته. :: اقرأ أيضاً مؤتمر سني لخلق معادل طائفي لشيعة الحكم في العراق إدارة ترامب توحي بأعراض التصلب ضد إيران حملة في المغرب على تجاوزات المسؤولين تعثر تشكيل حكومة الحريري يعيد الحياة إلى قانون الستين
مشاركة :