كلُّ فردٍ يسعى إلى النَّجاح في حياته في مساراته التعليميَّة والاجتماعيَّة والاقتصاديَّة والثقافيَّة والفكريَّة وفي تربية أولاده وفي غيرها، ولكنَّ مَنْ يحقِّقُ النَّجاحَ وفق مساعيه في كلِّ مساراته تلك هم شريحةٌ صغيرة، ومن يحقِّق نجاحاً ما فيها كلِّها أو في بعضها هم شريحة أكبر، إلاَّ أنَّ الفاشلين تماماً أو في معظم مسارات الحياة تعدُّ شريحةً كبيرة أيضاً، وأحسب أنَّ أولئك الفاشلين تماماً هم من الحاسدين والحاقدين والمناطقيِّين والعنصريِّين والشعوبيِّين والمرضى النفسيِّين اكتئاباً وانفصاماً بالشخصيَّة وما أكثر أولئك من الشَّريحة الكبيرة؛ وما تلك الأمراض الاجتماعيَّة والنفسيَّة العالقين بها والمؤثِّرة بتعليقاتهم أو بحواراتهم إلَّا نتائج للفشل في مسارات الحياة أو في بعضها، كلٌّ يريد النَّجاحَ ويسعى إليه ولكنَّ البعض يخفق في تحقيقه؛ علماً أنَّ بعض المخفقين يمتلكون قدراتٍ لتحقيقه ولكنَّهم أهملوا أسبابه ووسائله واشتغلوا بمشاعرهم السَّلبيَّة تجاه الآخرين، فالنَّجاح طموحُ الفرد من الحسن إلى الأحسن فسعيه لذلك، وصدق الشاعر القائل: وعليَّ أن أسعى وليس عليَّ إدراك النَّجاحْ. فعلى الساعي للنَّجاح أن يتزوَّد بتقوى الله تعالى فهي خيرُ زاد، كما في قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ}، سورة الطلاق، الآيتان رقم 1،2، وفي قوله تعالى:{وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا}، سورة الطلاق، آية رقم 4، وأن يملأَ قلبَه بمحبَّة الله وبمحبَّة رسوله عليه الصلاة والسلام، وبمحبَّة من حوله، فالحبُّ يورث الطَّمأنينة ويضمِّد الجراح، ويبعث في القلوب حرارةَ الألفة، فللحبِّ آثارٌ عجيبة في النُّفوس ويضفي على الحياة رونقاً وألقاً يساعد على تحقيق النَّجاح فيها، فيما الكراهية تملأُ القلوبَ تعاسةً وشقاءً، وتصرف أصحابها عن أسباب النَّجاح وتعيقهم عن وسائله، فليجعل الساعي للنجاح حبَّه لنفسه يتضاءلُ أمام حبِّه لغيره، فالله تعالى يقول: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، سورة الحشر، آية رقم 9، والسعداء عادةً هم من يوزِّعون الخير على النَّاس فتتضاعف سعادتهم وتتعزَّز نجاحاتهم، والأشقياء هم أولئك المحتكرون الخير لأنفسهم فيختنقُ في صدورهم، وليعلمْ ذارفو الدموعَ على عثراتهم بأنَّ الدُّنيا لا تأسوهم، والمتسلِّين بمصائب غيرهم أنَّ الأيَّام لا ترحمهم. كلٌّ يسعى للنَّجاح في حياته، هدف فطريٌّ يشترك فيه جميعُ النَّاس؛ ومطلب إنسانيٌّ يحقِّق الذات ويرتقي بها، ولقد حفظ التَّاريخ قصصاً للنَّاجحين، فالذي يتمكَّن من تحقيق أهدافه في الحياة والعمل هو إنسان ناجحٌ، ووسائل النَّجاح أن يسلكَ الإنسانُ طريق النَّاجحين وأن يقتدي بسابقيه؛ فسِيَرُهم تضيء للسَّاعين إلى النَّجاح مساراتهم، ويتعلَّمون منهم أسبابه ووسائله، ولو نظروا في سِيَرِهم لوجدوا معظمهم قد اقتفوا مساراتٍ لسابقيهم، وليعلموا أنَّ المحاولةَ والخطأ من وسائل النَّجاح؛ والتَّجارِبُ تعلِّمهم بأنَّ النَّجاح لا يتأتَّي بسهولة، ومراعاةُ متطلَّباته تساعدهم على تحقيقه. فمن أراد أن ينجحَ فليتفاءلْ بلْ ليكن أكثرَ تفاؤلا ممَّا هو عليه في واقعه، فالمتفائلُ يجذب محبَّة الآخرين، والمتشائمُ يطردها، فالتشاؤمُ سوءُ ظنٍّ بالله تعالى، والتفاؤلُ حسنُ ظنٍّ به، وليكن واثقا بالله تعالى أولا ثم بنفسه تالياً، وليتعرَّفْ على عيوبه وعلى أخطائه، وليتذكَّرْ أخطاءه ليتخلَّصَ منها، وليتيقَّنْ أنَّه بتخلُّصِه منها سيكون أقرب إلى أحلامه في النَّجاح، وليتعلمْ أنَّ من سعادة المرء اشتغاله بعيوبه عن عيوب غيره، فإن نجحَ فلا يدع الغرورَ يتسلَّل إلى نفسه، وإن أخفقَ فلا يدع اليأسَ يوهمه بعدم القدرة على النَّجاح، فاليأس يغمض عينيه فلا يرى الأبواب المفتوحة ولا الأيدي الممدودة له، وإن انتصر على خصومه فلا يشمتْ بهم، وإن أصيبوا بمصيبة فليشاركْهم ولو بالدعاء، ولا يجمعْ بين القناعة والخمول، ولا بين العزَّة والغرور، ولا بين التواضع والمذلَّة، وليعتبرْ كلَّ فشلٍ يصادفه تجرِبةً تهيئ لنجاحه القادم، فالنَّجاح سلالم لا يرتقيها الساعي إليه ويداه في جيبيه. ومن أراد النَّجاح فلا يحاسب النَّاس فحسابهم إضاعةٌ للوقت، وليأخذْ بيد الضعيف منهم حتَّى يقوى، وليقفْ بجانب اليائس حتى يبصر بارقة الأمل، وليكنْ مع الفاشل حتى ينهض فيدرك النَّجاح، وليتأمَّلْ قولَه عليه الصلاة والسلام في تجسيد العلاقة القائمة بينه وبين الآخرين: «المؤمن مرآة المؤمن، والمؤمن أخو المؤمن، يكفُّ عليه ضيعته ويحوطه من ورائه»، رواه أبو داوود وحسَّنه الألبانيُّ، وإن تعثَّر وأخفقَ فلا يتَّهم غيره بتسبيب ذلك، وليوقنْ بأنَّه إذا أحبَّ عمله وأتقنه وتفانى فيه بأنَّه يستطيع أن يحقِّقَ ما عجز عنه يوماً ما وعجز عنه الآخرون، وليتذكَّرْ أنَّه باستطاعته احتمالَ الجوع والحرمان والعراء ولكنَّه لا يستطيع أن يعيشَ ذليلا. ومن أراد النَّجاح فلينظرْ إلى الجانب المضيء في الحياة لا الجانب المظلم فيها؛ فالناجحُ إيجابيٌّ ينظر إلى الحياة بمنظار التَّفاؤل، وهذا بلا شكٍّ سيعطيه دافعاً وطاقةً يسخِّرها لتحقيق أهدافه وطموحاتِه فيتحقَّق نجاحه في حياته، فكلما اشتدَّتْ المحن وتعدَّدت الإخفاقات فليعلمْ أنَّ الفرجَ قريبٌ، فما لم يقتلْه منها فسيجعله أصلب وأوسع إصراراً فلا يأس مع الحياة، فالإصرارُ يوصل للنَّجاح، ولا يعني هذا الحصانةَ من الفشل، كما أنَّ الفشل لا يعني استحالة النَّجاح، فالفشل فرصة جديدة للبدء من جديد ولكن بذكاء أكثر وبتخطيط أفضل، فالفاشلون غالباً ما يفكِّرون في عواقب الفشل فيقفون عندها، فلا تتوقَّفْ ولتثابرْ، والنَّاجحون غالباً ما يفكِّرون في مزايا النَّجاح فيتوسَّعون في طموحاتهم وبجهودهم، فلتتوقَّ أسباب الفشل، ولتترقَّ في أسباب النَّجاح ووسائله، ولكن لا تدع متطاولاً أو حاسداً أو حاقداً دون أن تكشفه لنفسه وللآخرين، فالمجاملة في الحقِّ والحقيقة تأكيد للإخفاقِ ومسار للفشل.
مشاركة :