يعد المزمار من الفولكلورات التقليدية في الساحل الغربي من السعودية، ويقام عادة لإحياء المناسبات العائليّة أو الاحتفالات الوطنيّة، للتعبير عن الفخر والتنافس. وضمّ السعوديون فولكلور المزمار إلى قائمة «يونيسكو» التمثيليّة للتراث الثقافي غير المادي للبشريّة. من خلال مجموعة من العناصر التي «تجسّد التنوّع الكامن في التراث غير المادي وتزيد الوعي بأهميته» وفق بيان صادر عن المركز الإعلامي في الأمم المتحدة. وإذا كان هذا الفن يقام سابقاً بمشاركة سكان أحياء متنافسة، فإنه يُحضر اليوم في أعقاب فوز الأندية الرياضية، ففي كل مباراة ينتصر فيها الاتحاد أو الأهلي، يحرص اللاعبون على أداء رقصة المزمار. ويُجرى هذا الفولكلور بمشاركة حوالى 100 رجل مصطفين في صفين مقابل بعضهما، ويصفقون ويرددون الأهازيج، ويؤدي رجلان الفولكلور بالعصي على إيقاع الطبول لفترة محدّدة، ثمّ يفسحون المجال لغيرهما، وهكذا. وتُؤدى هذه الرقصة على إيقاع المزمار وبيد كل رجل عصا غليظة (الشون)، وتوقد نار وسط حلبة يدور حولها الراقصون، وتمتد فيها الأيادي بالعصي في شكل متناغم مع الإيقاعات السريعة، فيما يلتزم الراقصون بلباس محدد هو الثوب والعمامة الحجازية البرتقالية اللون، ويوضع على الكتف المصنف اليماني أو الحلبي والحزام العريض على الوسط. وتصاحب المزمار إيقاعات لآلات شعبية حجازية مثل «العلبة»، وهي مزهر جلدي بإطار خشبي دائري كبير يوقع عليه العازف بكلتا يديه وهو جالس، و«المرد» وهو دف كبير، و«النقرزان» وهي طبلة مجوفة من الصفيح تضرب بعصاتين رشيقتين، و«الصدم» وهو دف مستطيل الشكل. ويصاحب المزمار أيضاً غناء معروف بـ«الزومال»، ويكون غالباً مصحوباً بأهزوجة. وعلى رغم حال التنافسية في الرقصة، إلا أن لاعبي المزمار كانوا يتبادلون مع أقرانهم من الحارات الأخرى أهازيج الترحيب، مثل «حباً حباً باللي جاء يا مرحباً» عند قدوم اللاعبين من الحارة المجاورة. ويبدأ «الزومال»، والذي يُطلق أيضاً على المغني وقائد كل فريق، بترديد بعض الأهازيج ذات معنى ومدلول يرمزان إلى الخصال الحميدة والترحيب والتفاخر وغيرها من الأهازيج، ويردد خلفه المشاركون تلك الأهازيج، بينما ينزل للعب شخصان ثم يتبعهما آخران بطريقة منظمة. وقال أحد أعيان مدينة القنفذة محمد محسن بن محفوظ: «كانت اللعبة عبارة عن تحد بين الحارات، إذ تتولى حارة معينة جمع مبلغ من المال للتجهيز، بينما تقوم حارة أخرى منافسة بالعملية نفسها، ويتم الاتفاق بين الحارتين لبدء اللعبة التي تجمع المسنين والشبان والأطفال، وكان لعمدتي الحارتين طابع خاص في لعبة المزمار من خلال دخولهما إلى الميدان ليكون التحدي بينهما وسط عبارات تشجيع من أعيان الحارتين وأفرادهما». ويتم تناقل هذا الفولكلور في فرق الفنون المسرحيّة ومراكز التراث، ويعدّ من رموز الهويّة التراثية للمجتمعات في غرب السعودية. وقال المندوب الدائم للسعودية لدى منظمة «يونيسكو» (باريس) الدكتور زياد الدريس، لـ«الحياة» العام الماضي، أنه بعد دخول «العرضة النجدية» إلى قائمة التراث العالمي غير المادي، فإن بلاده تسعى إلى إدخال فنون وجوانب أخرى من تراثها إلى القائمة، ومنها «رقصة المزمار»، و«القهوة العربية»، إلا أنه لا يسمح إلا بعنصر واحد كل عام. وتابع الدريس: «دخلت المملكة قبل سنوات عدة إلى لائحة التراث العالمي المادي، وذلك عبر إدراج مدائن صالح في العام 2007، والدرعية 2010، وجدة التاريخية 2014، الذي يعد مكسباً وإنجازاً في ظل تنافس الدول على تسجيل آثارها ضمن قائمة يونيسكو العالمية». وتنتشر رقصة المزمار في المدينة المنورة، ومكة المكرمة، وينبع، وجدة، والطائف، والقنفذة. وتشهد أجنحة هذه المدن في المهرجان الوطني للتراث والثقافة (الجنادرية) إقبالاً كبيراً من الجمهور لمتابعة هذه الرقصة. وإذا كانت رقصة المزمار مرتبطة بالساحل الغربي، فإن السعوديين الآخرين، وحتى الأجانب يتفاعلون معها. إذ غيرت الرقصة نظرة بروفيسور جراحة التجميل والتشوهات رئيس البورد الألماني في جراحة التجميل نوربل بلوا، وتوقعاته حول السعودية وشعبها، فخرج من ميدان الرقص نافضاً صورة البلد «المحافظ المنغلق على نفسه» التي كانت عالقة في رأسه، واستبدل بها صورة أكثر مرحاً عكست سعادة غامرة كانت تعلو ملامحه خلال مشاركته في ميدان الرقص. وتعرف بلوا إلى رقصة المزمار خلال مشاركته في حفل تكريم المشاركين في مؤتمر جراحة التجميل والحروق، الذي اختتمت فاعلياته في جدة في حضور أكثر من 200 طبيب واستشاري ومختص من داخل السعودية وخارجها. وقال لـ«الحياة»: «لم أكن أعتقد سوءاً في السعوديين، بل على العكس كنت أظن أنني سألاقي في زيارتي الأولى للسعودية شعباً بسيطاً طيباً، خصوصاً أن لي احتكاكاً بسعوديين في ألمانيا من أطباء وطلاب، إلا أن جو المرح الذي أشاعته الرقصات الحجازية، خصوصاً المزمار، فاقت توقعاتي تماماً، وعكست حضارة عريقة في الفن والجمال، أحترمها وأقدرها جداً». يذكر أن رقصة المزمار تعود إلى أيام الحكم الفاطمي وفق تقرير نشرته «الحياة» في وقت سابق، وكانت مصحوبة بأغاني الفخر والمديح والبطولة والفروسية. وكانت الرقصة مسرحاً لاستعراض البطولات وتصفية الأحقاد، إلا أنه انتهى بها الحال إلى حفل طربي مرتبط بالمناسبات الفولكلورية والاجتماعية والرياضية.
مشاركة :