على الرغم من أننا نعلم أن الكواكب تحيط بالنجوم في المجرة، فإن الكيفية التي تشكلت بها هذه الكواكب لا تزال موضعاً للنقاش. وعلى الرغم من ثراء العالم في نظامنا الشمسي، فلا يزال العلماء غير متأكدين من الكيفية التي تنشأ بها الكواكب؛ إذ إن هناك 3 نظريات تتنافس على دور البطولة في هذا المجال. النظرية الأولى هي الأكثر قبولاً على نطاق واسع، وتسمى "نظرية التراكم المركزي"، وعلى الرغم من أن هذه النظرية قد تكون مناسبة لتفسير تشكّل الكواكب الأرضية مثل الزهرة، ولكنها قد تعاني بعض المشاكل عندما يأتي الأمر لتطبيقها على الكواكب العملاقة الأخرى. أما النظرية الثانية، والتي تعتمد على نموذج عدم استقرار القرص، فقد تكون أكثر قدرة على تفسير نشوء هذه الكواكب العملاقة. والنظرية الثالثة هي نظرية تراكم الحصى، وما زال العلماء يدرسون الكواكب داخل وخارج النظام الشمسي، في محاولة منهم لفهم أي من تلك النظريات هي الأكثر دقة. 1- نظرية التراكم المركزي: الكواكب غازات كونتها الجاذبية قبل نحو 4.6 بليون سنة، كان النظام الشمسي عبارة عن سحابة من الغبار والغازات تعرف باسم "السديم الشمسي"، ولكن بفعل الجاذبية، بدأت تلك السحابة بالدوران حتى انهارت المواد على نفسها وتشكلت الشمس في وسط السديم. ومع ظهور الشمس، بدأت المواد المتبقية تتراكم بعضها فوق بعض، وبدأت الجسيمات الصغيرة تتكتل معاً، وترتبط بقوة الجاذبية لتتحول إلى جزيئات أكبر، بعد ذلك، جاءت الرياح الشمسية لتبعد العناصر الخفيفة الوزن، مثل الهيدروجين والهليوم، من المناطق القريبة من الشمس. تاركةً بذلك الجزيئات الثقيلة فقط، مثل المواد الصخرية، وذلك لخلق عوالم أرضية صغيرة مثل الزهرة والأرض وعطارد والمريخ، ولكن مع الابتعاد عن الشمس، كان تأثير الرياح الشمسية أقل على العناصر الخفيفة الوزن، مما سمح لها بأن تندمج في الكواكب الغازية العملاقة، وبهذه الطريقة، نشأت الكويكبات والمذنّبات والكواكب والأقمار. كما في جميع الكواكب الأرضية، كانت النواة الصلبة أول شيء يتشكل، ومن ثم تجمعت العناصر الأخف وزناً حول النواة لتشكل القشرة والعباءة. وكباقي الكواكب الأخرى أيضاً، من المحتمل أن يكون كل من الزهرة وعطارد قد جمعا أجزاء أكثر سديمية حولهما لتشكيل غلاف جوي خاص بهما. حيث يُعتقد أن الزهرة، وفي مرحلة مبكرة من نشأته، كان يمتلك جواً يشبه إلى حد كبير ما تمتلكه الأرض اليوم. وقد أظهرت الدراسات أنه إذا ما كان الماء على كوكب الزهرة قد تبخر قبل مليارات السنين، فإن مستويات الاحتباس الحراري في الغلاف الجوي ستكون قد تصاعدت لدرجة أدت إلى حدوث زيادة كبيرة في درجة الحرارة على سطح الكوكب. أما اليوم، وبفضل وجود المستويات المرتفعة جداً من ثاني أكسيد الكربون وآثار النيتروجين، فإن سطح الزهرة يمتلك درجة حرارة كافية لإذابة الرصاص. 2- نموذج عدم استقرار القرص النموذج الثاني المسمى "التراكم المركزي" يمكن أن يفسر بشكل جيد كيفية تشكل الكواكب الأرضية. لكن الكواكب العملاقة الغازية في هذه النظرية كانت بحاجة لتتطور بسرعة كبيرة لانتزاع الكتلة الكبيرة من الغازات الخفيفة التي تحتوي عليها اليوم، فيما لم يكن بالإمكان محاكاة حساب هذا التشكيل السريع. فوفقاً للنماذج، فإن عملية تشكل الكواكب العملاقة الغازية تستغرق عدة ملايين من السنين، وهذه الفترة أطول من الفترة التي بقيت فيها الغازات الخفيفة متوافرة بالنظام الشمسي في وقت مبكر من تشكّله. وفي الوقت نفسه، فإن نموذج التراكم المركزي يطرح مشكلة الهجرة، حيث إنه كان من المحتمل أن تنجذب الكواكب الصغيرة الغازية حديثة الولادة بشكل حلزوني نحو الشمس في فترة قصيرة من الزمن. ووفقاً للنظرية الجديدة نسبياً، وهي نظرية عدم استقرار القرص، فإن كتل الغبار والغازات قد ارتبطت معاً في وقت مبكر من حياة النظام الشمسي، ومع مرور الوقت، تجمعت هذه الكتل معاً ببطء لتشكل الكوكب العملاق. وهذه الكواكب يمكن أن تتشكل بشكل أسرع من منافِساتها المتشكلة عن نظرية التراكم المركزي، وأحياناً في أقل من ألف سنة، مما سمح لها بالاستيلاء على ما يكفي من الغازات الخفيفة المتلاشية، وجعلها تصل بسرعة إلى الكتلة التي توفر لها الاستقرار المداري الذي يمنعها من الموت نتيجة الانجذاب نحو الشمس. 3- نظرية تراكم الحصى التحدي الأكبر الذي تواجهه نظرية التراكم المركزي هو الوقت؛ إذ إن تشكل الكواكب العملاقة الغازية الضخمة بسرعة يكفي لاستيلائها على المكونات الأخف وزناً من حولها. ولكن البحوث التي أُجريت مؤخراً حول كيفية انصهار كائنات صغيرة بحجم الحصى لبناء كواكب عملاقة، بيّنت أن العملية كانت أسرع بـ1000 مرة مما وجدته الدراسات السابقة. وبحسب مؤلف الدراسة هارولد ليفيسون، وهو عالم فلك في معهد الأبحاث الجنوبي الغربي SwRI بولاية كولورادو، فإن هذا هو النموذج الأول الذي يبدأ بهيكل بسيط جداً لسديم شمسي تشكلت منه الكواكب، وينتهي بنظام من الكواكب العملاقة التي نراها اليوم. في عام 2012، اقترح الباحثان ميشيل لامبريشتس، واندرس جوهانسن، من جامعة لوند في السويد، أن الحصى الصغير هو مفتاح التشكل السريع للكواكب العملاقة، حيث أظهر الباحثون أن بقايا الحصى التي تخرج عن عملية التشكيل، والتي كان يعتقد سابقاً أنها غير مهمة، يمكن أن تكون في الواقع الحل لمشكلة تشكيل الكوكب. فيما قام ليفيسون وفريقه، بالاعتماد على البحث المقدم في عام 2012، ببناء نموذج أكثر دقة عن الكيفية التي يمكن من خلالها للحصى الصغير أن يشكل الكواكب التي توجد في المجرة اليوم. ولكن في حين أن المحاكاة السابقة قد أظهرت أن الأجسام الكبيرة والمتوسطة الحجم قد استهلكت الأجسام الصغيرة الحصوية الحجم بمعدلات متساوية نوعاً ما، فقد أشارت تلك المحاكاة إلى أن الأجسام الكبيرة كانت هي المهيمِنة وخطفت معظم الحصى من الأجسام المتوسطة الحجم، مما أدى إلى نموها بمعدل أسرع بكثير من معدل الأجسام الصغيرة. ومع مواصلة العلماء لدراسة الكواكب داخل النظام الشمسي، وكذلك حول نجوم أخرى في مجرات أخرى، نأمل أن نصل يوماً ما للحصول على فهم أفضل لكيفية تشكّل جميع الكواكب في نظامنا الشمسي.
مشاركة :