قصة اتفاق «أوبك».. من حافة الفشل إلى النجاح

  • 12/5/2016
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

كانت العاشرة صباحًا في العاصمة النمساوية فيينا، وبدأ المسؤولون في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) في التوافد إلى مبنى الأمانة العامة للمنظمة، لحضور اجتماع اللجنة العليا التي تناقش كيفية تطبيق اتفاق تخفيض الإنتاج الذي تم التوصل له في الجزائر، في سبتمبر (أيلول) الماضي. في الخارج، كان الجو قارسًا، حيث بلغت درجة الحرارة، صباح الاثنين الثامن والعشرين من نوفمبر (تشرين الثاني)، نحو 3 درجات مئوية. ومع حلول عصر ذلك اليوم، اتجهت الحرارة جنوبًا إلى صفر، بينما في داخل المنظمة كانت الحرارة قد ارتفعت، بسبب حدة النقاشات بين أعضاء اللجنة الذين تسرب إليهم اليأس في أن يصل الجميع إلى اتفاق نهائي حول كيفية خفض الإنتاج. والسبب في ذلك هو أنه فيما كانت غالبية دول «أوبك» متفقة على خفض إنتاجها لتسريع عملية توازن السوق النفطية التي استغرقت نحو سنتين - وستستمر عامًا آخر على الأرجح - (وهو وقت أكثر مما يمكن للدول الأعضاء تحمله)، كانت إيران معترضة على أي خفض لإنتاجها، فيما كان العراق يرفض أن تستخدم دول المنظمة المصادر الثانوية لمعرفة حجم إنتاج كل دولة، مطالبًا بأن يتم اعتماد الأرقام الرسمية التي تقدمها الدول للأمانة العامة لـ«أوبك» شهريًا. وكان اجتماع الأربعاء الماضي هو الثالث للجنة الذي ينعقد في فيينا، في نحو شهر واحد. ولم تكن نتائج الاجتماعات السابقة أكثر تشجيعًا من الاجتماع الأخير، بل إن الاجتماع الأول شهد شدًا وجذبًا وتهديد أحد كبار المنتجين في المنظمة لإيران بإغراق السوق، ورفع الإنتاج النفطي، إذا لم تلتزم الأخيرة باتفاق الجزائر. ورغم تأكيد مصادر حاضرة للاجتماع هذا الأمر، نفى مسؤول - رفض الإفصاح عن هويته - تهديد إيران. ولم يتغير الوضع كثيرًا من الاجتماع الأول حتى الاجتماع الثالث، كما أوضح أحد المصادر لـ«الشرق الأوسط»، الذي قال: «لا أحد تمكن من فهم الموقف الإيراني والعراقي. كل ما فهمناه هو أن هناك رغبة للمماطلة، وتأجيل كل شيء حتى الاجتماع الوزاري». وفي سبتمبر، اتفقت «أوبك» مبدئيًا في اجتماع بالجزائر على خفض الإنتاج للمرة الأولى منذ الأزمة المالية في 2008، لكن تعهدات الدول اللازمة لإتمام الاتفاق في اجتماع الوزراء في فيينا، يوم الأربعاء الثلاثين من نوفمبر، كانت لا تزال تحتاج كثيرًا من الدبلوماسية. وبعد 10 ساعات كاملة، انتهى اجتماع اللجنة العليا، وخرج المسؤولون من المبنى الواحد تلو الآخر دون أن ينطقوا بحرف واحد، لكن النتيجة تمت معرفتها: لقد انتهى الاجتماع دون أن توافق إيران على رقم محدد تخفض إنتاجها عنده، بينما وافق العراق على رقم 4.56 مليون برميل يوميًا، واختلف مع باقي الدول حول كيفية احتساب إنتاجه. ودار خلاف شديد، بحسب ما علمته «الشرق الأوسط»، بين ممثلي السعودية وإيران في الاجتماع، حيث شددت المملكة على أنه يجب احترام اتفاق الجزائر، وأن يلتزم الجميع بالحصص المحددة لكل دولة في ذلك الاتفاق، ومن بينهم إيران التي وافق وزيرها في الجزائر على الاتفاق، لكن المسؤول الإيراني كان يطالب بحصة أعلى تجمد عندها طهران إنتاجها النفطي. وإن كان الأمر قد انتهى بالنسبة للمجتمعين في فيينا، فإنه لم ينتهِ بالنسبة للمتعاملين في السوق النفطية الذين خاب ظنهم في «أوبك»، بعد تصاعد الخلاف في اجتماع الخبراء يوم الاثنين، وهبطت الأسعار بعد أن أصدرت غالبية البنوك الاستثمارية تقارير سلبية، من بينهم مصرف «غولدمان ساكس» الذي توقع نسبة 30 في المائة فقط لتوصل وزراء «أوبك» إلى اتفاق يوم الأربعاء. ولكن غالبية الوزراء تمسكوا بتفاؤلهم، ومن بينهم وزير الطاقة الإماراتي سهيل المزروعي، نائب رئيس مجلس الوزراء، ووزير النفط الكويتي أنس الصالح، ووزير النفط النيجيري إيمانيول كاتشيكو. وحضر وزير الطاقة السعودي خالد الفالح إلى فيينا مساء يوم الثلاثاء، حيث كان مشغولاً بمرافقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان لافتتاح مشروعات بمئات المليارات من الدولارات في رأس الخير والجبيل. ومنذ أن وصل الفالح، التقى بنظرائه الخليجيين في الساعة الثامنة، بتوقيت فيينا، في اجتماع مغلق تحدد على أثره كثير من الأمور. * صباح اجتماع «أوبك» وفي صباح يوم الأربعاء، وقبل أن يتوجه الوزراء الأربعة عشر للمنظمة إلى اجتماعهم رقم 171 في تاريخ «أوبك»، اجتمعوا جميعًا في فندق «بارك حياة»، حيث يسكن كل من وزير الطاقة القطري محمد السادة الذي يترأس اجتماع «أوبك» هذا العام، ووزير الطاقة السعودي خالد الفالح الذي سيترأس اجتماعات «أوبك» في العام المقبل، إضافة إلى وزير الطاقة الإماراتي. وخلال هذا الاجتماع، عقد الجميع صفقة أخيرة قبل أن يتجهوا للاجتماع، واتفق الجميع على أهمية أن تخرج «أوبك» باتفاق. ولم يعترض أحد سوى وزير النفط العراقي الذي أبدى رفضًا شديدًا للاعتراف بالمصادر الثانوية لتحديد إنتاج الدول. لكن الفالح كان طيلة الليلة الماضية على اتصال بوزير الطاقة الروسي ألكساندر نوفاك الذي اتصل بالفالح في الساعة الثانية من فجر يوم الأربعاء للاطمئنان على مدى نجاح الاتفاق، بحسب ما ذكرته مصادر لوكالة بلومبيرغ. وحتى في الاجتماع الصباحي الذي سبق الاجتماع الرسمي، اتصل نوفاك بالفالح للحصول على ضمانة بأن «أوبك» ستخرج اليوم باتفاق يسمح لروسيا، ولباقي المنتجين خارج «أوبك»، بالانضمام إلى الاتفاق. وقال مندوبون في «أوبك» إن وزير الطاقة الإيراني بيجن زنغنه حرص على ألا يخطف الأضواء في الاجتماع، حيث وافق بالفعل على الاتفاق مساء الثلاثاء، بوساطة من الجزائر، دون إحداث ضجيج. ودخل الوزراء إلى غرفة الاجتماعات المغلقة في الطابق الأول من مبنى «أوبك»، ووافقت السعودية، يوم الأربعاء، على خفض كبير في الإنتاج، لتتحمل «عبئًا ثقيلاً»، على حد قول وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، بينما جرى السماح لإيران بزيادة طفيفة في إنتاجها. وظل الفالح على تواصل مع «نوفاك»، حتى عندما خرج من الاجتماع لتناول بعض المكسرات، لتجديد طاقته ومواصلة الاجتماع. وانتهى الاجتماع على اتفاق «أوبك» على تخفيض إنتاجها بنحو 1.2 مليون برميل يوميًا، إلى 32.5 مليون برميل يوميًا، إضافة إلى ضرورة خفض الدول خارج «أوبك» إنتاجها بنحو 600 ألف برميل يوميًا، تعهدت روسيا بتحمل نصفها، أي 300 ألف برميل يوميًا، وسيستمر الاتفاق 6 أشهر كاملة حتى الاجتماع الوزاري المقبل، في أواخر مايو (أيار). ورغم أن الوزراء في فيينا هم من قاموا بالأدوار النهائية، لكن التجهيز للاجتماع كان قد سبق كل هذا، بعد أن قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتنسيق على حدة بينه وبين كل من الرئيس الإيراني حسن روحاني وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، من أجل الوصول إلى اتفاق. وقال المحلل الاقتصادي الدكتور محمد الرمادي، في تعليقه على الاجتماع: «لقد اجتمعت كل العوامل هذه المرة؛ الإرادة السياسية لكبار اللاعبين، والعوامل الفنية، حيث كان هناك اتفاق واضح وأرقام واضحة لكل دولة لخفض إنتاجها، كما أن العوامل الاقتصادية حاضرة، فالسوق في طريقها إلى التعافي، وأسعار النفط المتدنية ضغطت كثيرًا على الدولة المنتجة». وستحدد الأشهر المقبلة مدى نجاح اتفاق «أوبك» من عدمه، إذ أوضح وزير البترول السعودي السابق علي النعيمي، في العاصمة الأميركية واشنطن، يوم الجمعة الماضية، أن اتفاق «أوبك» قد ينجح، لكن هذا يعتمد على مدى التزام دول «أوبك» به. وقال: «الأداة الوحيدة التي يمتلكونها هي ضبط الإنتاج، لكن الجانب المؤسف أنه لدى (بعض الدول المنتجة) نزعة للغش».

مشاركة :