أكد أكاديميون ومثقفون أن التبادل الثقافي في مشهدنا المحلي لا يرقى إلى مستوى التبادل الحقيقي القائم على الأخذ والعطاء وإنما غالبا ما يكون قائما في الوسط الثقافي على طريقة الفرض الثقافي، واصفين عامة مشهدنا الثقافي المحلي بأنه ليس منتجا للثقافة بكافة أشكالها التطبيقية أو التنظيرية، وأن القارئ المحلي مستهلك للثقافات الأخرى وتحديداً أكثر للأشياء السطحية أو ما يسمى بالقشور. يرى الأستاذ المساعد بقسم علم الاجتماع بجامعة الإمام عبد الرزاق حمود الزهراني أن الثقافة المهزومة من المستحيل أن تكون مؤثرة فالقانون الثقافي يحكمه الأقوى الذي يفرض ثقافته وأساليب خطابه وقيمه وعاداته على الآخر مهما كان الجزء الجغرافي الذي يسكن فيه. وقال الزهراني: إننا وللأسف لم نستفد من التبادل الثقافي سوى الأشياء الشكلية الظاهرية والتي تدفعنا إلى الخلف في كل المستويات الإنتاجية والعملية، وهناك فرق بين حالة الثقافة والمثاقفة التي تعني عدم فرض ثقافة على ثقافة معينه؛لأن المعنى الحقيقي للتبادل لا يستوجب أن تفرض ثقافة معينة على ثقافة أخرى قيمها وأخلاقها وأساليب حياتها، مختتماً حديثه بأننا لن نكون مؤثرين ثقافياً على المحيط العالمي لأننا بحاجة ماسة لإنتاج ثقافتنا وطرقها وخطابها من جديد، مؤكدا أن هذا ما نحتاجه حقيقة في الوقت الراهن. فيما تناول د.عبد العزيز الغريب هذه الإشكالية بشكل من جانب آخر قائلا: إن المجتمع المحلي قديماً كان ممارساً للتواصل والتبادل الثقافي من خلال الحج والعمرة والحركات التجارية، أما الآن فالمملكة تمثل إحدى أهم دول العشرين على المستوى الاقتصادي فلهذا البعد الاقتصادي تأثيره الكبير على القيم وعلى سيكولوجية المجتمع السعودي ومعززاً من الاتصال بالعالم الخارجي وبالثقافات الأخرى. كما تساءل الغريب حول نقطة مهمة تتمثل في مخرجات التبادل الثقافي الذي يوجب علينا الاهتمام بعنصر المهنية والتخصصات الدقيقة دون العبثية التي تلاحظ حالياً على المستوى المحلي فتجد الأديب يمارس دور المفكر، والإعلامي يمارس دور المحلل، مردفاً قوله: لا يمكننا التحدث عن التبادل الثقافي دون الإشارة إلى مشروع الملك عبدالله للابتعاث الخارجي حيث يمثل إحدى أبرز المكونات المستقبلية لعنصر التواصل والتبادل الثقافي الحقيقي، فالمبتعثون لا يتعلمون هناك تخصصات دقيقة بقدر ما يؤثرون على المجتمع الذي يتعلمون في أوساطه من خلال ثقافتهم ومن خلال الأسر التي تحتضنهم، وكذلك عند عودتهم فهم يؤثرون على أسرهم والمحيط الذي يعيشون فيه. من جانب آخر قال الدكتور أحمد بن عبد الرحمن البار: إنه لا توجد ثقافة إلا وتأثرت بغيرها وحين ننظر للتأريخ نتبين أن العرب والمسلمين قديما استقوا من فلاسفة اليونان وتأثروا بعلومهم وبعض أفكارهم وفنونهم، كما تأثر الغرب في حقبة لاحقة بنتاج العرب والمسلمين كابن رشد والفارابي وابن سيناء والبيروني والخوارزمي وغيرهم، فالأندلس كانت نقطة التقاء المعارف والثقافات بين العرب والغرب لثمانية قرون، حتى إن التحدث ببعض كلمات عربية من أبناء الغرب كانت تعد مفخرة. كما اعتبر البار أن العرب والمسلمين ينهلون من علوم وفنون وفلسفة الغرب حالياً، ونحن منهم بهدف سد الفجوة واللحاق بركب الأمم التي سبقتنا، خاصة أن ثقافتنا العربية المعاصرة غير منتجة في مضمار التبادل الثقافي العالمي الذي يعد ضرورة لتبادل المعارف والعلوم بل والقيم، مردفا قوله: حتى يكون التبادل الثقافي صحي وفي مساره السليم ينبغي أن نشارك في إنتاج مانقوم باستيراده من أفكار لا نكتفي بأن نكون مجرد مستهلكين لها، حتى نحظى باحترام واهتمام الأمم الأخرى كما كنا في السابق.أما عن آلية تحقيق الإنتاج الثقافي فيقول البار: يتحقق ذلك متى ما كان تبادلنا وتواصلنا مع الأمم والشعوب بهدف الإضافة لا الإحلال وبهدف التكامل لا طمس الهوية، فالتبادل الثقافي السليم يعني الانفتاح على ثقافات الأمم والشعوب الأخرى واختيار ما نريد ونحتاج لا ما يريده مصدروا هذه الثقافات كما هو الحال في الغزو الثقافي، فمتى ما انتقينا المفيد منه وأخضعناه لمعايير قيمنا ومبادئنا -وهو ما يعرف بالتأصيل- نكون بذلك ممن يحافظ على الجيد الذي نملكه ونستقطب الجيد الذي لدى الغير، فنحن بحاجة لتبادل ثقافي لا يفقدنا الثقة بقيمنا وهويتنا ويجعلنا نشعر بالاغتراب داخل مجتمعنا، وهذا يتطلب بلا شك وعي ونضج اجتماعي وفكري على المستوى المؤسسي والفردي. ومضى البار مؤكدا على عمل مراجعة شاملة وشفافة لواقع مناهجنا ومؤسساتنا القيمي والثقافي والاجتماعي والعمل على إبراز ما لدينا، مختتماً حديثه قائلا: إن الوقت الذي نعيشه يتطب التوجه لتربية النفس على الحرية الفكرية والخروج من ثقافة القطيع أو الوصاية على الفكر والقضاء على المنهج الخفي أياً كان توجهه، إيماناً بأن لدينا شيئاً نقدمه ويمكنا أن نتبادله مع العالم، وهذا بطبيعة الحال يتطلب إبراز المفكرين والعلماء والأدباء الحقيقيين الذين يحافظون على هوية الأمة ومكانتها الثقافية والاجتماعية لا من يسهم بقصد أو بغير قصد في التشكيك في قيم المجتمع وثقافته والاكتفاء بنقل ما لدى نقلا غير واع يزيد من فرص استحياء النشء من هويته والاغترار بما لدى الغير من مكاسب مادية ومعنوية. كما يرى المحاضر بجامعة الإمام مساعد الطيار أن التبادل الثقافي مهما أُختلف عليه إلا أنّه يمثل الطريق الأمثل للتطوير والتغيير عبر وسائط الانتشار الثقافي، حيث تهب رياحها من دول العالم المتقدمة صناعياً ومن ثم إعلامياً إلى الدول النامية عبر وسائط اللغة، والإذاعة، والتلفاز والصحف، والشبكة العنكبوتية ووسائل التواصل الاجتماعي الحديثة إضافة إلى الوسائل المباشرة المتمثلة في الاحتكاك المباشر بين الأفراد والجماعات عبر الأسفار والأعمال وتبادل الخبرات. وأضاف الطيار أن وجود أجهزة الاتصال الحديثة والفضائيات المختلفة ذات الأبعاد والاتجاهات المتنوعة تمثل تحدياً كبيراً للأسرة بصورة خاصة وللمجتمع كله بصورة أعم وأشمل خاصة في صناعة قيم جديدة ودخيلة تؤثر عليها بشكل تدريجي أو بشكل مفاجئ مما يؤدي إلى ما يشبه الانفصام الثقافي بين الأجيال، أو ما قد تؤدي إليه من التهجين الثقافي القيمي مما يجعل القيم عرضة للتغير، مؤكداً في هذا الجانب إلى مدى حاجة الأسرة ومؤسسات المجتمع إلى الإرشاد في كيفية استخدام هذه الوسائط والإفادة منها، وكيفية مراقبتها. وختم الطيار حديثه قائلا: إن اللغة العربية -أيضاً - التي تعتبر أهم عنصر في كيان الثقافة والهوية تأثرت بشكل ظاهر بانتشار اللغة الإنجليزية ومصطلحاتها بين أفراد مجتمعنا، مع أن تعلم اللغة الإنجليزية له فائدة إلى أن اللغة الأخرى تحمل مفردات لها مرجعيتها التاريخية والمعرفية خصوصاً حين تكون نابعة من الثقافة الشعبية لدى اللغة الأخرى.
مشاركة :