منذ بدايات منتصف القرن التاسع العشر، واستراتيجيةُ التقسيم الغربية سارية, وتعمل على الْتهام أكبر مساحة جغرافية ممكنة من بلدان الشرق الأوسط، وهذه الاستراتيجية تنطلق من الإيمان بضرورة تقسيم العالم العربي والإسلامي إلى دويلات عرقية ودينية مختلفة، حتى يسهل التحكم فيه. والسبب وراء محاولة الغرب تقسيم الشرق الأوسط، يكمن في اتّسامه بقدر من الترابط الجغرافي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وأي شكل من أشكال الوحدة بين أقطابه يعني أنه سيشكل ثِقَلاً استراتيجياً واقتصادياً وعسكرياً، وبالتالي سيشكل عائقاً أمام خطط الاستعمار الغربي الطامعة في خيراته. وقد سبق تقسيم المنطقة بمعاول اتفاقية "سايكس بيكو" التي انتهت فيما يبدو، وظهرت في الأفق حدود وتقسيمات جديدة في المنطقة, ألمحت إليها وزيرة الخارجية الأمريكية "كوندليزا رايس"، في مطلع عام 2006، حين أكدت وجود عدة مشاريع أو مصطلحات جغرافية سياسية تعمل عليها مراكز الأبحاث الحكومية؛ موضحةً أن "الشرق الأوسط الجديد" أحد أهم تلك المشاريع. وطُرح مشروع الشرق الأوسط الجديد آنذاك؛ ولكنه ظل مُبهماً وغير واضح التفاصيل والمعالم؛ إلا أن السمة العامة التي اكتسبها منه الباحثون الذين تناولوه إذ ذاك، هي "حمله بين طياته خطط التقسيم". وقد نشر الضابط الأمريكي المتقاعد "رالف بيترز"، المخطط الأمريكي لتقسيم الشرق الأوسط، عبر مقاله المنشور بمجلة القوات المسلحة الأمريكية في عددها الصادر في يونيو 2006؛ مشيراً إلى أن العديد من الأقليات نالها ظلم فادح، أثناء عملية تقسيم الشرق الأوسط بواسطة معاهدة سايكس بيكو، والآن هو الوقت المناسب لإرجاع الحقوق المسلوبة إلى هذه الأقليات, على حد قوله. وذكر "بيترز" أن شيعة العراق وأكراده، وأكراد تركيا، وأمازيغ المغرب وليبيا والجزائر، والبهائيين، والإسماعيليين، والنقشبنديين يمكن لهم تأسيس دول مستقلة؛ موضحاً أن العراق أولى الدول التي يمكن أن تنقسم؛ حيث سيصبح هناك دولة كردية وشيعية وأخرى سنية. وتلك المؤشرات -إضافة إلى التطورات الأخيرة التي تشهدها المنطقة- تعزز المخاوف من اقتراب عملية التقسيم من منطقة الخليج العربي. وهنا نشير إلى أن العلاقات الاستراتيجية الحيوية التي تربط الولايات المتحدة الأمريكية بدول الخليج، لن تشفع لها أمام المقصلة التقسيمية الأمريكية الخاصة بمنطقة الشرق الأوسط التي تجري على قدم وساق. ومن هنا كانت عملية الإسراع واتخاذ خطوات متقدمة بمحاولة إنشاء اتحاد خليجي لها أهميتها القصوى؛ خاصة في هذا التوقيت؛ إذ من شأنها أن تُربك الحسابات الغربية وتؤجل شروع التقسيم أو تعيقه. ومن البديهيات أن أي تجمع له خصائص واحدة, كدول الخليج, ويجمعه تاريخ واحد, وملة واحدة, وجغرافية متلاصقة, ولغة واحدة, ومصير مشترك واحد؛ أن يكون على درجة عالية جداً من التنسيق والتعاون والسعي نحو الاتحاد, في مواجهة العدو المشترك. وإذا كانت معاول التقسيم قد عَمِلت في بلدان العرب؛ فليس أقل من أن ينجو خليجنا العربي من تلك المخططات, ومن ثم يحافظ على الحد الأدنى من تماسك الأمة العربية التي بات عِقدها منفرطاً للغاية. إنه من المهم -والحال كذلك- أن تكون دول مجلس التعاون الخليجي, على بيّنة, بهذه المواقف السياسية, والتوجهات الأيديولوجية للغرب, وأن توجِد لنفسها بدائل متعددة؛ لمواجهة المستجدات على الساحة الخليجية, والحفاظ على تماسك المجلس, وتفكيك أية محاولة لتفجيره من داخله, والسعي نحو وحدة فاعلة تدحر مشروعات العدو المشترك.
مشاركة :