انسحاب د. حسين بافقيه من رئاسة إدارة الأندية الأدبية - بعد مكوث خاطف - هل هو مؤشر يحيلنا إلى أن إدارة الثقافة لدينا تعاني من مشكلات عويصة؟ أم أن التعثر قادم من أسباب أكثر عمقا وتعقيدا تتعلق بالرؤية والأهداف أي عموم الاستراتيجية التي يتحرك عبرها الفعل الثقافي في المملكة؟ هل النشاط الثقافي منذ أن انفصل عن رئاسة الشباب يسير وفق اجتهادات فردية دون عمل مؤسسي يتضمن رؤية وأهدافا أو خططا استراتيجية؟ هل فعّلت الخطة الاستراتيجية للنشاط الثقافي التي سمعنا بها؟ لأنه عندما لايكون لديك خطة على الأرض مطبقة (وليست على الورق) يمكن قياس مدخلاتها ومخرجاتها كل عام، هذا يعني بأنك لا تدري هل تتقدم أو تتقهقر، وهذا يعني أيضا بأنك تسير بالبركة أو بأسلوب (دكاكيني ومشّ حالك). فالأندية الأدبية عندما تم إعادة إحيائها بكوادر جديدة وانتخابات مجالس إدارة كانت بالتأكيد يعول عليها الكثير كأوعية وحواضن للفعل الثقافي والأدبي والفكري، ليس هذا فقط بل هي كانت من الممكن أن تكون أحد تجليات مؤسسات المجتمع المدني الذي بها ومن خلالها من الممكن أن يكون هناك حراك شعبي ناضج ومسؤول ومساهم في صناعة الوعي. لكن ما يحدث في المشهد أمامنا الآن من ذبول في الفعل الثقافي على حساب التجاذبات والتناحر الداخلي في تلك الأندية إلى الدرجة التي أفضت بالأعضاء إلى المحاكم، جميع هذا يجعلنا نتيقن بأن عجلة المركبة الثقافية قد غرزت في رمال عسرة، وهي عاجزة عن الخروج منها. وهنا لا أدعي أنني امتلك حلولاً، ولكن الذي أعرفه بأنه عبر التاريخ كانت الثقافة هي المؤشر الرئيس على مدنية الشعوب وتحضرها، فكل الواحات الحضارية في ذاكرة الشعوب مازالت تنعكس آثارها الايجابية على تفكيرنا وتعاطينا مع الحياة والكون إلى الآن، سواء واحة الثقافة اليونانية، أو بيت الحكمة في عصر المأمون، أو عندما كانت مدينة قرطبة الأندلسية تسمى.. جوهرة العالم. وبغياب الفعل الثقافي المتواصل والجاد والذي يحمل في أعطافه رؤية فمعنى ذلك أن يشحب السامي والجميل والنبيل على حساب البدائي الهمجي في أعماق الممارسة الاجتماعية. غياب الفعل الثقافي هو تجفيف لذاكرة وتاريخ أجدادنا، ذاكرة كانت غنية باللون واللحن والكلمة، ذاكرة تحتوي تجارب الأسلاف ومكمن حكمتهم وفلسفتهم وفيض تجاربهم.. يمررونها للأجيال شعراً، لونا، ولحناً، وكلمة.. غياب الفعل الثقافي الجاد والجميل في نفس الوقت معناه أن تلتقمنا الثقافة الاستهلاكية الجوفاء ذات العطش الأبدي والخواء الروحي، والتي تستهدف الغرائز.. وتغفل قيم الحق والخير والجمال. الممارسة الثقافية هي شحذ أدوات التأمل والتفكر والنقد والتحليل والنقاش والخروج من بهيمية القطيع إلى جمال ملكوت الرحمن الواسعة والتفكر بها بروح حرة طليقة. غياب النشاط الثقافي بجميع تجلياته من كلمة وفكرة ولون ولحن وأداء مسرحي يؤدي إلى أحادية الرؤية وضيق الأفق ومحدودية الوعي وجميع هذا في النهاية يقود إلى العنف والتوحش (انظروا إلى طريقة تعاطينا مع الفضاء العام سواء في الشارع أو الدوائر الحكومية.. أو أساليب الخطاب بين المتنافرين على وسائل التواصل الاجتماعي). غياب الفعل الثقافي والفني يعني تقهقر الذائقة الانسانية وإحساسها بالراقي الجميل، على حساب استفحال المتوحش البدائي المدمر. الفعل الثقافي لدينا يعاني مأزقاً.. ما برح عاجزاً عن الخروج منه..
مشاركة :