روجت المنظمة اللبنانية "أبعاد - مركز الموارد للمساواة بين الجنسين" لحملتها الجديدة للمطالبة بالغاء مادة قانونية تجبر الفتاة المغتصبة على الزواج من "جلادها" عبر ملصق إعلاني تحت شعار "الأبيض ما بيغطي الاغتصاب" . ويبين الملصق معاناة امرأة مغتصبة وتضميد جراحها بلاصقات طبية، وتحول اللاصقات المثبتة إلى فستان زواج ابيض بينما هي مضرجة بدمائها. وتحلم كل فتاة بارتداء الفستان الأبيض مع فارس أحلامها، لكن من تتعرض للاغتصاب يصبح زواجها مرهون بمادة في القانون اللبناني يرى العديد من اللبنانيين انها تشفع للمغتصب وتتسامح معه بتمكينه من الزواج من فتاة اغتصبها. وينص قانون العقوبات اللبناني في مادته رقم 522، على أنه "إذا عقد زواج صحيح بين مرتكب إحدى الجرائم الواردة في هذا الفصل (الاغتصاب - اغتصاب القاصر - فض بكارة مع الوعد بالزواج - الحض على الفجور - التحرش بطفلة - الاعتداء الجنسي على شخص ذي نقص جسدي أو نفسي...) وبين المعتدى عليها، أوقفت الملاحقة، وإذا كان صدر الحكم بالقضية علق تنفيذ العقاب الذي فرض عليه". وتؤكد المنظمة في حملتها أنه "من حق النساء الناجيات من الاغتصاب رفض الزواج من المغتصِب، وعدم وصم المجتمع لهنّ بالعار"، مشددة على أهمية "خلق رأي عام داعم للقضية، عبر الفصل ما بين فعل الاغتصاب كجريمة، وما يعتبره المجتمع شرف النساء، والتأكيد على أن إجبار النساء على الزواج من المغتصِب هو عمل قمعي، يكرس فعل الاغتصاب بحق النساء بشكلٍ يومي. وعليه، على الأهل ان يكونوا على اقتناع بأن تزويج الضحية من المغتصِب ليس الحل، وليس سترة للنساء، بالإضافة إلى ان الاغتصاب جريمة، وعلى المجرم أن ينال العقاب" وتدعم "أبعاد" حملتها باستطلاع للرأي يبين أن في 1 المئة فقط من اللبنانيين يعلمون بوجود المادة 522 من قانون العقوبات اللبناني. و60 بالمئة منهم يطالبون بإلغاء المادة المثيرة للجدل. وتستشهد المنظمة باحصائيات تبين ان في 85 بالمئة من اللبنانيين يعتبرون أن المادة القانونية تمس بكرامة المرأة التي تعرضت للاغتصاب، ويعتبرونها تحمي المغتصِب من الملاحقة والعقاب. ونشرت المنظمة عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك فيديو يجسد واقع كل امرأة مجبرة على هذا الزواج وشعورها، مرفقة الفيديو بهاشتاغ (وسم) #ما_تلبسونا_522 #إلغوا522. وتتزامن الحملة الجديدة مع انعقاد لجنة الإدارة والعدل في مجلس النواب اللبناني، للبحث في اقتراح القانون المقدم من النائب إيلي كيروز الرامي إلى إلغاء المادة المذكورة. وفي اطار التفاعل مع الحملة المطالبة بتحرير المراة من قانون يربط بينها وبين جلادها ومغتصبها في منزل واحد خرجت مجموعة من الفتيات اللبنانيات إلى شوارع العاصمة بيروت احتجاجاً على القانون. وارتدت متظاهرات ثياب زفاف بيضاء ملطخة بدماء مزيفة وضمادات جروح، في مشهد يروي رفض المرأة التي تؤكد أن من حقها رفض الزواج من المغتصب، وعدم وصم المجتمع لها بالعار. وتجابه المراة اللبنانية المعروفة بتمدنها وجمالها وأنوثتها الطاغية ومواكبتها للموضة الى جانب ثقافتها الواسعة اشكالا كثيرة من العنف اللفظي والجسدي والمعنوي. وتشير تقارير إعلامية إلى أن انتشار ظاهرة التحرش الجنسي ضد المرأة في لبنان، بل إن البعض يرى أن هذه الظاهرة بلغت من الخطورة بحيث لم يعد بالإمكان السكوت عنها. وترى الناشطة الاجتماعية ريتا غزال أن ظاهرة التحرش الجنسي تدل على نزعة ذكورية نحو العنف الجنسي، وتعكس نظرة دونية تجاه المرأة ككائن جنسي، فضلاً عن أنها تشكّل شرارة للكثير من المشاكل الاجتماعية من خلال إشارتها إلى فراغ وكبت يعاني منه الشباب. وتؤكد أن المشكلة الأساسية تكمن في عدم وجود أي ضوابط اجتماعية وغياب قانون يحمي النساء من مختلف أشكال التحرش الجنسي، بما فيها التحرش اللفظي الذي هو مؤذ بقدر ما هو مذل، وعدم وجود وعي اجتماعي يحتم مواجهة تلك الإساءة التي تتعرض لها المرأة، مع غياب التعريف الواضح لمصطلح التحرش اللفظي. وتؤكد الناشطة أن معظم النساء لا يملكن الجرأة للتبليغ عن حالات التحرّش الجنسي، بسبب نظرة المجتمع التي تحمل المرأة غالباً مسؤولية ما يقع عليها من أذى خصوصاً ما يندرج منه في إطار التحرش الجنسي. وتعتبر رئيسة اللجنة الاهلية لمتابعة قضايا المرأة امان شعراني ان جرائم الشرف تمثل "اقصى اعمال العنف (ضد المرأة) عبر سلب الحياة"، مشيرة إلى وجود مادة في قانون العقوبات تعطي جرائم الشرف ظروفا تخفيفية. وتقول شعراني "نريد اعتبارها جريمة قتل عادية". وتوضح ناشطة ان العنف يطال النساء من كل الفئات الاجتماعية "بين المثقفين والاغنياء والفئات الشعبية". وتشدد على ضرورة "استحداث قانون لتشديد العقوبة في حالات الاغتصاب التي تنص حاليا على السجن ثلاث سنوات". وتقول رئيسة الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة لورا صفير "بالمعنى العام للعنف (الجسدي والنفسي) ثلث النساء اللبنانيات معنفات"، مع غياب الاحصاءات الرسمية للظاهرة. وتلخص صفير ابرز المشاكل بقولها "لا تساعدنا الدولة كفاية وهي تعاملنا كاننا شركة تجارية ولا تؤمن لنا حماية خاصة اذا اراد الرجل الانتقام منا لمساندة زوجته او شقيقته او ابنته". وتشدد الجمعيات الأهلية على اهمية توفر "ملجأ آمن" ليستقبل المعنفات مع اطفالهن ويؤمن لهن الحماية والمساعدة المادية. وتقول صفير "لا توجد مراكز للايواء والحماية. نستعين ببعض المؤسسات الاجتماعية وخصوصا الدينية المسيحية"، مضيفة ان على الدولة ان تتحمل مسؤولية هذه المساعدة لان "كلفتها مرتفعة". ولجأت الهيئة اللبنانية لمناهضة العنف ضد المرأة مؤخرا الى التعاون مع الاشخاص الذين وضعتهم مهنهم على تماس مباشر مع النساء المعنفات كالأطباء والممرضين والمعالجين النفسيين ورجال الدين والمحامين والقضاة الذين تلجأ اليهم المرأة المعنفة حين تغلق في وجهها كل السبل.
مشاركة :