العام الماضي، تزامنا مع تحمس وسائل الإعلام العالمية تجاه الاتفاق النووي الذي وصفه الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك أوباما بـ«الفريد»، كانت القيادة في طهران تبحث عن الطرف الذي ينبغي أن يحصل على جزء من الفضل والتقدير. صدرت صحف طهران اليومية المؤيدة لمجموعة هاشمي رفسنجاني، والتي يأتي في واجهتها الرئيس حسن روحاني، بعناوين مثيرة قوامها مبالغات. وكان العنوان الرئيسي في صحيفة «شرق»: «العالم يستسلم لإيران»؛ أما صحيفة «إيران» اليومية المملوكة للحكومة فصدرت بعنوان رئيسي وهو: «تمزيق العقوبات ضد إيران». وبعد وصف الاتفاق بـ«أعظم نصر دبلوماسي في تاريخ الإسلام»، لمح الرئيس روحاني بأن الفضل يعود إليه، وسرعان ما أمر أبناء عمه في قرية سرخة في شرق إيران بتشييد تمثال نصفي من البرونز له، ووضعه في الميدان المقابل لمنزل عائلته. وحتى لا يُحرم محمد جواد ظريف، وزير الخارجية الإيراني، هو أيضًا، من نصيبه من المجد، تم الأمر ببناء تمثال نصفي له مغطى بطبقة ذهبية ليوضع في متنزه في طهران. وظلت وسائل الإعلام، التي تخضع لسيطرة الدولة، لأسابيع تموج بالتكهنات حول ما إذا كان سيحصل روحاني أو ظريف، أو ربما كلاهما، على جائزة نوبل للسلام. في المقابل، لم يكن اتخاذ موقف واضح يسيرًا بالنسبة لعلي خامنئي، بعد تحذيره المستمر من الثقة في الأميركيين وتأكيده على أن الطريقة الوحيدة «لحماية الإسلام والثورة» هي الابتعاد عن «الشيطان الأكبر»، فلم يستطع أن يظهر على شاشة التلفزيون ويقدم نفسه واحدًا من آباء هذا «النصر» المزعوم؛ لكنه في الوقت ذاته، لا يستطيع أن يحرم نفسه من اقتسام الفضل في حال نجاح «الاتفاق» بالفعل. لذا، قرر خامنئي أن يمسك العصا من وسطها؛ فقد لمح بأنه ربما يكون قد سمح بـ«تمرير» الاتفاق على أساس تنفيذ الولايات المتحدة وشركائها فيما يطلق عليه «مجموعة الدول الخمس زائد واحد»، لعدة شروط. مع ذلك في كل مرة كان يحرص على وضع شروط تم تلبيتها بالفعل، ظاهريًا على الأقل. في الوقت ذاته، أصرّ خامنئي على أن «الاتفاق» ينبغي أن يكون مؤشرًا على بداية «مرحلة جديدة في تصعيد الصراع مع الشيطان الأكبر»، وحذر قائلا إن الولايات المتحدة لا تزال تشحذ خنجرها وراء ظهرها لطعن «الإسلام والثورة». وباعتبار أن «الاتفاق» بدأ كفرصة حقيقية لمساعدة إيران في إنعاش اقتصادها، كان يحظى في البداية بشعبية، لهذا السبب لم يعترض روحاني وفريقه على صورة خامنئي كشخص غير حريص على الاتفاق، بل قد يكونون روجوا لها. بعد ذلك بعام تغيرت الأمور، إذ لم يكن لـ«الاتفاق» تأثير إيجابي يُذكر على اقتصاد إيران الخامل والمثقل بالفساد، ووصلت البطالة إلى أعلى مستوياتها في تاريخ البلاد في ظل نمو اقتصادي سلبي استمر عامين على الأقل خلال فترة حكم روحاني. ويحدث كل ذلك وسط مخاوف من أن يكون «الاتفاق» مجرد سراب، حيث لم يتم رفع أي عقوبة عن إيران، رغم وقف تطبيق بعضها بموجب قرار رئاسي من أوباما. ولم تصل بعد طائرات الركاب الجديدة من طراز «إيرباص»، التي كان من المفترض أن يتم تسليمها لإيران؛ كذلك لا يوجد أي مؤشر يدل على اهتمام المستثمرين الأجانب بالمخاطرة مع طهران. وما زاد الأمور سوءًا، هو تقوض آمال إيران في أن ترى استمرارًا لسياسة أوباما المتسمة بالود من خلال إدارة هيلاري كلينتون بعد فوز دونالد ترامب المفاجئ، استنادًا إلى برنامج يتضمن إلغاء «الاتفاق». وتحاول الصحف، التي ساعدت روحاني في الترويج لـ«انتصاره التاريخي»، الآن إعادة النظر في هذا الأمر. وقد تلقي الخشية من فشل «الاتفاق» بظلالها على الانتخابات الرئاسية المقبلة خلال ربيع 2017، وتقوض فرص روحاني في الفوز بفترة رئاسية أخرى. وأقرّ مهدي رحمانيان، رئيس تحرير صحيفة «شرق» اليومية، خلال مقابلة بأن صحيفته «قد بالغت في وصف مزايا وفضائل» «الاتفاق». وقال: «لقد قمنا بذلك بناءً على تصريحات الرئيس روحاني وفريقه. أقرّ أننا قدمناه بصورة مذهلة مثيرة للإعجاب». أما صحيفة «اعتماد» اليومية، والتي ضخت الحياة في «الاتفاق» أيضًا من أجل دعم روحاني، فتعترف الآن أن تقاريرها الخاصة بقرب وصول أسطول الطائرات الـ«إيرباص» إلى مطار طهران كانت «سابقة لأوانها». وبالنسبة إلى صحيفة «إيران» اليومية، التي لا تزال داعمًا قويًا عتيدًا لروحاني، فهي تبحث عن كبش فداء يتم تحميله مسؤولية ما نشاهده من فشل لـ«الاتفاق». وجاء في الصحيفة: «من المبكر جدًا إلغاء الاتفاق رغم ما يمثله انتخاب ترامب من تهديد». بعبارة أخرى، في حال انهيار «الاتفاق»، سيكون هذا خطأ ترامب. وعبّرت صحيفة «اقتصاد» الأسبوعية عما اقترفته من خطأ بشأن التوقعات الوردية للتأثير الإعجازي، الذي كان من المفترض أن يحدثه «الاتفاق» على الوضع الاقتصادي الإيراني. وحاول كل من روحاني وفريقه خلال الأيام القليلة الماضية توريط خامنئي في أي نكسة قد يُمنى بها «الاتفاق». وقال روحاني: «لم نفعل أي شيء دون استشارة المرشد الأعلى». في الوقت ذاته، رفضت صحيفة «كيهان» اليومية، التي من المعتقد أنها تعبر عن آراء خامنئي، ذلك الزعم في عنوانها الرئيسي يوم الثلاثاء الذي جاء كما يلي: «كارثة الاتفاق سببها تجاهل تحذيرات القائد». وزعم علي مطهري، عضو مجلس الشورى الإيراني، والذي كان يدعم «الاتفاق» بقوة في البداية، خلال مؤتمر صحافي عقد يوم الثلاثاء أنه لم يتم مناقشة الأمر جيدًا في مجلس الشورى. وأوضح قائلا: «لقد تم عرضه كاتفاق مجمل ككتلة واحدة؛ ولم تحتج الموافقة عليه إلى أكثر من 20 دقيقة». وأوضح الجنرال محسن رضائي، القائد السابق للحرس الثوري، وأحد المقربين من رفسنجاني، وأحد داعمي «الاتفاق» في البداية، في مقال نشر على الموقع الإخباري الذي يملكه «تابناك»، أن «الاتفاق» «يذوب مثل رجل الثلج في فصل الصيف». عندما بدأ «الاتفاق» كنجاح كبير وعظيم، زعم كثيرون أنهم آباؤه، والآن عندما يتم النظر إليه كاتفاق فاشل، أصبح يتيمًا.
مشاركة :