لماذا أثار اقتراح تعديل قانون الحضانة في مصر كل هذا الجدل؟

  • 12/9/2016
  • 00:00
  • 10
  • 0
  • 0
news-picture

كثيراً ما يرتبط وضع المرأة في مصر بما تحدده السلطة السياسية من توجهات، ما ينعكس على القوانين التي تصدر وتنظم شؤون حياتها. فيبقى مصيرها معلقاً من عهد إلى آخر، وهذا انعكس على جملة القوانين التي تم إقرارها في عهد حسني مبارك تنفيذاً لتوجيهات السيدة الأولى آنذاك سوزان مبارك. فحينها، شهدت الساحة القانونية المصرية سيلاً غير عادي من تغيير التشريعات، وبالأخص في مجال قوانين الأحوال الشخصية الصادرة بالمرسوم الرقم 25 لسنة 1929 المضاف بالقانون 100 لسنة 1985، وهي القوانين التي تتعلق بالأسرة والمرأة والطفل. فتمّ إدخال أكثر من 20 تعديلاً عليها منذ عام 1985 حتى عام 2005، بعد رفع سن حضانة الأم للأبناء إلى 15 عاماً بدلاً من 10 أعوام. مرة جديدة اليوم يثار الجدل حول هذه القوانين، بعدما تقدمت النائب في مجلس النواب سهير الحادي، عضو تحالف دعم مصر (ممثل الأغلبية بالبرلمان المصري، ويعد أحد أصوات النظام داخله)، بمقترح لتعديل قانون الحضانة، وذلك بموافقة نحو 60 من أعضاء المجلس، وتم طرحه للنقاش. وتسبب المقترح في غضب بين الأمهات واستنكار الحقوقيين والعاملين بمجال المجتمع المدني. ما الفرق بين القانون الحالي والجديد؟ وجاء نص المقترح بأن يتم تعديل المادة 20 من قانون الأحوال الشخصية والمتعلقة برؤية الطرف غير الحاضن لأبنائه وتحويلها إلى "استضافة"، وكذلك سحب الحضانة عن الأم في حال زواجها ونقلها إلى الأب بعد أن يلتزم بتوفير من يقوم على رعاية الابن سواء كانت زوجته أو أي امرأة من العائلة. ينص مشروع قانون الحضانة الجديد على حق الطرف غير الحاضن في استضافة الطفل من يوم إلى يومين كل أسبوع بالإضافة إلى نصف فترة الإجازات خلال الأعياد، وأيضاً فترة أسبوع من إجازة نصف العام الدراسي وشهر كامل من إجازة آخر العام الدراسي، فيما ينص قانون الحضانة الحالي على حق الطرف غير الحاضن في استضافة الطفل ثلاث ساعات فقط أسبوعياً، ويتم تخيير الأطفال بعد وصولهم لسن الخمسة عشر عاماً بين الاستمرار في حضانة الأم أو انتقال الحضانة إلى الأب. كما تظل الحضانة على الأطفال في حال الطلاق بين الأب والأم مع الأخيرة لمدة خمسة عشر عاماً كاملة. وإذا امتنع الطرف غير الحاضن المستضيف للطفل عن تسليم الطفل للطرف الحاضن بعد انتهاء الفترة القانونية، يُعاقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنة. وتبلغ فترة الاستضافة في القانون الحالي تسعين يوماً فقط طوال الخمسة عشر عاماً الأولى من عمر الطفل المحضون، كما يحق للأب والام استضافة الطفل ويحق أيضاً لأجداده استضافته في حالة عدم وجود الأب والأم. وتكون حضانة الطفل في القانون المعمول به حالياً للأم أولاً ثم لنساء عائلتها وبعدها للنساء من جهة الأب على التوالي، وإذا لم تتوفر حاضنة للطفل من النساء تنتقل حضانة الطفل تلقائياً إلى أقارب الطفل من الرجال بحسب ترتيبهم عند توزيع الإرث. سهير الحادي تدافع عن مقترحاتها النائب سهير الحادي، صاحبة المقترح الجديد، قالت لـ"رصيف22"، إنها طالبت بمشروع تعديل القانون المطروح على مجلس النواب، استبدال كلمة "الرؤية" بكلمة "استضافة"، مع فرض مجموعة من الشروط التي تحفظ كرامة الأم من ناحية، وتجبر الأب على سداد نفقة أطفاله، وإذا لم تكن الأم هي الحاضنة يعطي لها حق احتضان أطفالها ولو لفترة قصيرة حتى يشعروا بدفء الأمومة الذي حُرموا منه. وأضافت إن الرؤية على شكلها الحالي بالقانون لها العديد من السلبيات تتمثل في أن الأم مجبرة على الذهاب إلى المكان المحدد لرؤية أولادها في الموعد المحدد وتنتظر 3 ساعات حتى وإن لم يحضر الأب، وتذهب إلى محكمة الأسرة بإيصال تثبت تنفيذها للحكم، كما أن تلك المدة المحددة من قبل المحكمة لم تكن كافية حتى يجلس الأب مع أطفاله ويتقرب منهم كما هو مفترض. وأشارت إلى أن قانون الاستضافة الجديد لا يحدد مكاناً أو ميعاداً معينين، إنما يترك حرية الاختيار للآباء باختيار مكان مناسب للأطفال، سواء كان نادياً أو منزل الجد أو الجدة أو حتى منزل الزوجة إن سمحت بذلك، ويجبر الزوج على سداد نفقة الأطفال حتى تحق له رؤيتهم، وإن لم يسددها تسقط عنه الحضانة ولا يحق له رؤيتهم، وذلك يحفظ كرامة المرأة دون حاجتها إلى الذهاب إلى مكان جبري. أكمل القراءة انتقادات مجتمعية مختلفة مقترحات الحادي واجهتها انتقادات مجتمعية مختلفة، سواء من جانب المنظمات الحقوقية المهتمة بشؤون المرأة أو من خلال الأمهات المطلقات، وكذلك من العديد من المهتمين بشأن المجتمع المدني المصري. وقالت انتصار السعيد، عضو مركز القاهرة للتنمية، إن في القانون المقترح تمييزاً واضحاً ضد النساء، بعد أن عاقب المرأة المطلقة بإسقاط الحضانة عنها لمصلحة الأب في حال تزوجها، في وقت لا تسقط الحضانة عن الرجال المتزوجين. وأضافت أن "المقترح يخلق مشكلة عنصرية خطيرة، فمن المفترض أن حق الحضانة قانوناً يأخذ المصلحة الفضلى للطفل بالاعتبار، وفي العادة تكون المصلحة الفضلى للطفل مع الأم أو الجدة أو الخالة". وتابعت: "بحكم عملي فإن غالبية الرجال يتزوجون مرة أخرى بعد الطلاق بينما المرأة تفضل أن ترعى أولادها"، موضحةً أن المشكلة تكمن في أن بعض الآباء يحصلون على أحكام خاصة بالرؤية ولكنهم فعلياً يمتنعون عن رؤية أبنائهم بعد صدور الحكم في الأماكن التي حددها القانون وتضطر الأم لاصطحاب الطفل كل مرة خوفاً من إسقاط حضانتها بسبب تخلفها عن التنفيذ، في حين أن الطرف الآخر هو الذي يتخلف عن التنفيذ، مطالبةً بأن يكون هناك عقاب تجاه هذا الأمر، وهو ما يجب أن تركز عليه التعديلات الجديدة. المقترح الجديد واجه أيضاً اعتراضات من داخل مجلس النواب، إذ أن الدكتورة هبة هجرس، عضو المجلس القومي للمرأة وعضو لجنة الأسرة والتضامن الاجتماعي بمجلس النواب، قالت لـ "رصيف22" إنها ترفض تلك التعديلات المقترحة، مؤكدةً أن قانون الأحوال الشخصية لا يحتمل الترقيع، بل إن المجتمع يحتاج إلى قانون جديد، يقوم على فلسفة واضحة، تحمي الأسرة، وتراعي المصلحة الفضلى للطفل. وأضافت أن "قانون الأحوال الشخصية قديم منذ 1929، ومرّ بمراحل طويلة من الإضافة والتعديل، وأصبح حافلاً بالثغرات والعيوب، لأنه من القوانين الاجتماعية التي تحتاج إلى فلسفة تقوم على وحدة واحدة وليست تعديل أجزاء متقطعة". وأكدت هجرس أن المجلس القومي للمرأة من خلال لجنته التشريعية يعكف على صياغة قانون جديد شامل للأحوال الشخصية، يتم التحضير له من واقع الشكاوى والمآسي التي يتلقاها المجلس عن قضايا الرؤية والحضانة والنفقة وغيرها، ليخرج قانون من قلب الأحداث منطقي ومتناغم، يخدم الأسرة المصرية، ولا ينحاز لطرف ضد آخر. الأمهات أيضاً كن يمثلن الجزء الأكبر من المعترضين على المقترح الجديد. وقالت ولاء أيمن، أم لطفلين: "قبل أن يتم البحث عن حقوق الآباء لا بد أن يكون هناك حقوق مكفولة للأطفال الذين سيعانون كثيراً من خلال وجودهم مع آبائهم" مشيرةً إلى أن بند إسقاط الحضانة عن الأم في حال زواجها وانتقالها للأب بشرط توفر سيدة ترعى الطفل، يُعد أمراً كارثياً. الطفل المتضرر الأكبر فيما رأى العديد من علماء النفس أن كثرة التعديلات على قوانين الأحوال الشخصية تحديداً المتعلقة بالأطفال تزيد من معاناتهم النفسية. وقال الدكتور جمال فرويز أستاذ الطب النفسي بجامعة القاهرة "هدفنا بعد الطلاق هو الحفاظ على كيان شبه أسري لنفسية أفضل للأطفال، ولكن القانون الجديد معيب بدرجة كبيرة إذ لا توجد فيه نقطة واحدة لمصلحة الطفل. وهذا يتسبب بتشتت الطفل وحرمانه من أبسط حقوقه، أي الاستقرار، واكتسابه سلوكيات سلبية يرفضها المجتمع من العدوانية أو الانطوائية". اقرأ أيضاً كيف تربّي الأم المصرية ابنتها في مجتمع ذكوري؟ كيف تعيش النساء في واحة سيوة المصرية؟ "كتالوغ" الأم المصرية في التربية وأسلحتها الفتّاكة أحمد سليم صحافي مصري متخصص في الشؤون الاجتماعية. كلمات مفتاحية الحضانة حقوق المرأة مصر التعليقات

مشاركة :