قال عالم الدين السيدعبدالله الغريفي، في كلمة ألقاها بعد صلاة العشاءين بجامع الإمام الصادق (ع) في القفول مساء الخميس (8 ديسمبر/ كانون الأول 2016): «إن إصلاح الأوطان يتطلب إصلاحِ أنظمة الحكم، وإصلاح الشُّعوب، وإصلاح القوى النَّاشطةِ: الدِّينيَّةِ، والسِّياسيَّةِ، والحقوقيَّة، والثَّقافيَّةِ، والاجتماعيَّة». وبعنوان «لكي تصلح الأوطان»، قال الغريفي: «لا تصلح الأوطان إلَّا إذا صلحت أنظمةُ الحكم، وصلحتْ الشُّعوبُ، وصلحت القوى النَّاشطة؛ (القوى الدِّينيَّة، القوى السِّياسيَّة، القوى الثَّقافيَّة، القوى الحقوقيَّة، القوى الاجتماعيَّة). أوطانٌ أنظمتُها الحاكمةُ فاسدةٌ لا شكَّ في أنَّ مآلاتِها إلى الفساد، والدَّمار، والانهيار. أوطانٌ شعوبُها فاسدةٌ لا شكَّ في أنَّها تتعقَّد فيها مشروعات الإصلاح، والبناء، والتَّغيير. أوطانٌ قِواها النَّاشطةُ فاسدةٌ لا شكَّ في أنَّها تتكرَّس فيها الصِّراعات، والخلافات المدمِّرة للأوطانِ». وأوضح الغريفي أنه «من أجلِ إصلاح الأوطان: يجب (أوَّلًا): العملُ على إصلاحِ أنظمة الحكم، ويجب (ثانيًا): العملُ على إصلاحِ الشُّعوب، ويجب (ثالثًا): العملُ على إصلاحِ القوى النَّاشطةِ: الدِّينيَّةِ، والسِّياسيَّةِ، والحقوقيَّة، والثَّقافيَّةِ، والاجتماعيَّة. وهنا تأتي خطورة المراجعةِ، والمحاسبةِ بالنِّسبة لهذه المواقع». ونبّه إلى «خطورة غياب المراجعةُ، والمحاسبةُ في الشُّئونِ الفرديَّة، فكيف إذا كانت الشُّئونُ هي شئونُ أوطانٍ، وشئون شعوبٍ، وشئونُ مؤسَّساتٍ، وكياناتٍ، ومواقع. وإذا كانت المراجعاتُ الفرديَّةُ لها شروطُها، فإنَّ المراجعاتِ والمحاسباتِ العامَّةِ تحتاج إلى شروطٍ أصعبَ، وأشدَّ، وأعقدَ وأخطر. كم يملك الإنسانُ القدرة أنْ يحاسب شئونه الشَّخصيَّة والفرديَّة، رغم أنَّ هذا ليس أمرًا سهلًا، فالانتصار على (الأنا) في الدَّاخلِ وإنْ كانت (أنا) فرديَّة يحتاج إلى درجةٍ عالية من الإرادةِ، والنَّزاهةِ والموضوعيَّة. أمَّا إذا كانت الشُّئونُ شئونَ موقعٍ، شئونَ حُكمٍ، شئونَ قيادةٍ، شئونَ وطنٍ، شئونَ شعب، شئونَ مسئوليَّاتٍ، شئون مصالح كبرى هنا الانتصار على (الأنا) يحتاج إلى مستوياتٍ أعلى وأعلى من الإرادة،ِ والنَّزاهة، والموضوعيَّة. هنا يجب أنْ تتضافر جهودٌ وقدراتٌ تتجاوز جهودَ وقدراتِ الأفراد». المراجعةُ والمحاسبةُ بالنِّسبة لأنظمة الحكم وبين الغريفي أن «أنظمةُ الحكمِ هي المواقع الأقوى والأكبر تأثيرًا في أوضاع ومساراتِ الأوطانِ والشُّعوبِ؛ كونها تملك الأدوات الأقوى. ومهما مارست القوى الأخرى أدوارها بكلِّ صدقٍ وإخلاصٍ وفاعليَّةٍ، فإنَّها لا توازي أدوارَ الأنظمةِ الحاكمةِ. لا يعني هذا أنَّنا نقلِّل من قِيمة أدوارِ الشُّعوب، وأدوارِ القوى النَّاشطة في الأوطان، وبالأخص القوى: الدِّينيَّة، والسِّياسيَّة، والاجتماعيَّة، فإنَّ هذه الأدوار لها تأثيراتها الفاعلة والخطيرة، وربَّما تُعطِّل وتُرْبِك كلَّ مشروعاتِ الإصلاح والتَّغيير إذا أرادت ذلك». مستدركاً بالقول «نعم، إذا عطَّلتْ الأنظمةُ الحاكمة إمكاناتِها، وقدراتها في الإصلاح، فستبقى إمكانات وقدراتِ الُّشعوب مُعطَّلةً ومشلولةً، وكذلك إمكاناتُ وقدراتُ القوى النَّاشطة. إلَّا أنَّ هذا لا يبرِّر للشُّعوب والقوى أنْ تجمِّد أدوارها مهما كانت الظُّروف التي تحاصرها،ويأتي ما يوضح هذا حينما نعرض إلى مراجعة ومحاسبة الشُّعوب والقوى نفسها». وطرح الغريفي تساؤلاً «كيف يجب أنْ تمارس الأنظمة عمليَّة المراجعة والمحاسبة؟»، وأجاب «مطلوب من أنظمة الحكم أنْ تحاسب وتراجع كلَّ أداءاتِها التَّشريعيَّةِ، والتَّنفيذيَّةِ، والقضائيَّةِ، والأمنيَّةِ. ولا تُشكِّل هذه المراجعةُ والمحاسبةُ ضعفًا وهزيمةً، وفشلًا للأنظمةِ الحاكمةِ، بل هو مظهر قوَّةٍ، وانتصارٍ، وصحَّةٍ، وصلابةٍ. الأنظمة التي تخشى أن تحاسب وتراجع أوضاعَها، وسياساتِها ومؤسَّساتِها هي أنظمة ضعيفة، وغير واثقة من نفسها، لأنَّها من خلال المراجعاتِ والمحاسبات ستنكشف كلُّ أخطائها، وأزماتها. لا مشكلة أنْ تكون في سياساتِ الأنظمة أخطاء، ولكن المشكلة حينما تغيب المراجعات والمحاسبات، فتتكرَّسُ الأخطاء، وتتلوَّث السِّياسات، وتنحرف المسارات، وتموت الإصلاحات، وتتحطم الأوطان، وتتدمَّر الشُّعوب». وشدد الغريفي على أنَّ «دور المناصحةِ للأنظمة أمر في غاية الأهمية ما دامت هذه المناصحةُ رشيدةً، وصادقةً، ومخلصةً للأوطانِ، وبعيدةً عن التَّطرُّف والانفعال، وأمينة على أهدافِ الشُّعوب. ولا نظنُّ أنَّ أنظمةً صالحةً تضيق بالكلمة النَّاصحة، والرُّؤيةِ البصيرة، والنَّقدِ المهذَّب، والمحاسبةِ النَّزيهة، والفكرةِ الصَّائبة، والقولِ الطَّيِّب، والرَّأي المنصفِ». ولفت إلى أن «من أهم أدوات المراجعة والمحاسبة لدى الأنظمة الحاكمة هي الإصغاء إلى لغة المُناصحة التي تحمل صلاح الأوطان هدفًا وغاية، وتعتمدُ الاعتدالَ والإنصاف نهجًا ووسيلةً». استدراك وتوضيح إلى ذلك، قال الغريفي: «في حديثي المتقدِّم حول اتِّفاقيَّة سيداو أشرت إلى موقف أميركا، وهنا أضع هذا الاستدراك والتَّوضيح: أميركا وقَّعت على اتِّفاقيَّة سِيداو ولكنَّها لم تُصادق عليها، ولم يُصادق عليها الكونغرس وهو الأهم، لأنَّها تتعارض في نظرهم مع الدُّستور الأميركيِّ، وقِيَم الأسرة ممَّا أنتج لديهم تحفُّظات على هذه الاتِّفاقيَّة، وقد فشل 3 رؤساء أميركيِّين في المُصادقة عليها (جيمي كارتر، وبيل كلنتون، وجورج بوش)، وحتَّى أوباما».
مشاركة :