الموت يلاحق الحلبيين داخل المدينة وخارجها الحرب والشتاء جعلا الموت قدر الحلبيين في مدينة المتنبي وخارج أسوارها، فالقصف يقتل من في الأحياء الشرقية، إن سلموا منه تلقفهم الجوع وهتك بهم، أما الذين فروا بحثا عن مكان آمن فاستقبلهم العراء في شتاء قارس لا يرحم الأطفال والنساء والعجائز. العرب [نُشرفي2016/12/10، العدد: 10481، ص(20)] عز الرغيف الحاف حلب (سوريا) - تزداد مأساة الحلبيين في الداخل والخارج كلما ازداد قصف النظام للأحياء الشرقية، فمن ظل داخل الأسوار يعاني من أزمة الغذاء والماء والدواء، ومن فر إلى المخيمات يواجه برد الشتاء القارس. وبحزن ناجم عن العجز، صرخ المواطن السوري حسن أبوعبيد، قائلا، “نساؤنا وأطفالنا يتضورون جوعا، وكافة المواد الغذائية تكاد تكون منعدمة، ومنذ يومين ونحن نهرس ما تبقى لدينا من الفاصولياء والمعكرونة لنصنع الخبز”. ومنذ نحو 3 أسابيع، تتعرض حلب لقصف مكثف للغاية، أودى بحياة المئات من المدنيين، وجرح آلافا آخرين، ضمن مساعي نظام الأسد للسيطرة على مناطق المعارضة في شرق المدينة بعد 4 سنوات من فقدانه إياها. وحققت قوات الأسد وحلفاؤها نجاحا ملموسا في الأيام الأخيرة، وتمكنت من تحويل حلب إلى خرابة كبيرة، تخفي تحت أنقاضها الآلاف من الجثث، وتنتظر المزيد من البشر متوقع انضمامهم إلى قافلة الموت، لكن هذه المرة من الجوع. من بين هؤلاء الناس، وصف أبوعبيد حال مدينته قائلا، “الوضع كارثي، ونشعر بالقهر كل لحظة ونحن نشاهد إخواننا وأطفالنا يموتون يوميا من حولنا”. وبحسرة تابع، “شبح الموت جوعا أضحى يستحوذ على أذهان كل من بقي في المدينة، ولا نرى بزوغ أي أمل في الأفق بخصوص دخول مساعدات، ونخشى نفاد كميات الفاصولياء المتبقية، مصدر الطعام الوحيد حاليا”. وعن مجرى الحياة اليومية، لفت أبوعبيد إلى أن “أسعار ما تبقى من المواد الغذائية تتضاعف باستمرار، وتشهد إقبالا كبيرا عليها، فضلا عن عدم توفرها بصورة دائمة”. حسن أبوعبيد: نساؤنا وأطفالنا يتضورون جوعا، ومنذ يومين ونحن نهرس ما تبقى لدينا من الفاصولياء والمعكرونة لنصنع الخبز وأضاف “بلغ سعر الـ4 أرغفة من الخبز 100 ليرة سورية (قرابة ربع دولار أميركي)، وحتى من يمتلك هذا المبلغ، ليس بإمكانه نيل الخبز وقتما شاء”. يشار إلى أن سعر رغيف الخبز قبل اندلاع الأزمة في سوريا كان يقدر بليرة واحدة. وتابع، “يصلنا الخبز محملا داخل عربة صغيرة ثلاث مرات في الأسبوع، وسرعان ما ينفد خلال نصف ساعة كحد أقصى، ومن لم يحظ بشرائه، عليه أن ينتظر يوما آخر للحاق بالعربة التالية”. وأردف أبوعبيد، “مع الأسف صار الظفر بالخبز في حلب سببا كافيا لإدخال السرور على أسرة كاملة”. ولم يخف أبوعبيد مخاوفه من نفاد مخزون الفاصولياء والمعكرونة المتبقية في المدينة في ظل تواصل الحصار، لكنه تمنى أن يجد العالم حلا لهذه الآلام في أقرب وقت. يزيد الحصار المفروض حول المنطقة من مصاعب الحياة على المدنيين، الذين اضطروا إلى نبش القمامة بحثا عن طعام، ويجمعون الحطب من الأبنية التي تعرضت للقصف. ومع قدوم الشتاء يختبر نقص الطعام والدواء والوقود في ظل القصف الجوي والمدفعي المكثف، حدود الاحتمال لدى السكان الباقين تحت رحمة القصف. وقال مصطفى حميمي الذي فقد اثنين من أطفاله وأربعة آخرين من أقاربه عندما انهار مبنى سكني مؤلف من ستة طوابق، “الناس تعبت من الحرب.. هناك في مدينة حلب من يأكل من الزبالة إن وجدت”. وقال عبدالله الحنبلي الذي كان يعمل مهندسا قبل الحرب “زوجتي تطبخ رزا مسلوقا لإطعام طفلنا الرضيع. فبالكاد نحصل على علبة حليب كل شهر. كان استهلاكنا الشهري يبلغ خمس أو ست علب”. وأضاف “الناس لم تتعود أكل الخبز الحاف. كانت تأكل تفاحا وخيارا وليمونا وزبدة ولحمة، لكن ذلك لم يعد ممكنا.. الجو بارد والناس تحتاج إلى الغذاء”. مدينة بلا ماء ولا دواء لا يقتصر النقص المسجل على المواد الغذائية فقط، بل يشمل المحروقات التي تبقى ضرورية لتشغيل الأفران والتدفئة في أجواء الشتاء التي تعيشها المدينة. مواجع في الداخل.. آلام في الخارج وتوقف ضخ المياه للأحياء المحاصرة دفع الأهالي إلى الاعتماد على مياه الآبار الأرتوازية غير الصالحة للشرب، ما تسبب في الكثير من الأمراض. وبدأت الآبار التي اعتمد عليها أهالي المناطق المحاصرة تجف، وخاصة في أحياء حلب القديمة، حتى أصبحت العائلات تضطر إلى استخدام مياه الغسيل في طبخ الطعام. ولا تقل أزمة الكهرباء سوءا عن أزمة الماء نظرا إلى الحاجة الماسة إليها في ظل انعدام الغاز والمازوت، خاصة في الشتاء. ويموت الحلبيون المحاصرون من نقص الدواء والأطباء، وتوفيت المسنة الحلبية صباح محمد، التي عجز زوجها عن العثور ولو على طبيب واحد أو مستشفى صغير في شوارع حلب، من أجل معالجتها، على كرسيها المتحرك، في حادثة تختصر المعاناة الكبيرة لسكان المدينة المحاصرة. في حي الشعار، وأثناء هروب ساكنيه بعد تقدم قوات النظام السوري، كان أبومحمد يجرّ زوجته على كرسيها المتحرك، بحثا عمن يداويها، ولو مؤقتا، من مرضها الذي تفاقم بفعل نقص الأدوية والمرافق الصحية في حلب المحاصرة. وقبل وفاة زوجته بوقت قصير، تحدث أبومحمد عن منزله الذي تعرض للقصف، ما أسفر عن فقدان أبنائه السبعة، المجهول مصيرهم حتى اليوم. وبعد حديث أبي محمد بوقت قصير، توفيت الزوجة المريضة، التي لم تكن تطلب إلا ما يسكن وجعها ويخفف من مرضها، توفيت في الشارع على كرسيها المتحرك، ليبقى الزوج الذي فجع للمرة الثانية بوفاة زوجته، بعد فقدان أبنائه، وحيدا غارقا بالدموع، وسط غياب العالم عن إيقاف مأساة مئات الآلاف من المحاصرين في حلب. البرد يحتضن النساء والأطفال اضطر الآلاف من الأطفال والنساء والمسنين إلى النزوح إلى مناطق يعتقدون أنها أكثر أمنا داخل سوريا، بينما فضل البعض الآخر التوجه إلى مناطق قريبة من الحدود التركية. وفي مخيم قرية “خربة الجوز” السورية، قرب الحدود التركية، تتدفق مياه الأمطار إلى خيم مهترئة يتكدس فيها نازحون، يبلغ عددهم أحيانا العشرين في الخيمة الواحدة. ورغم مأساوية وضعهم، وغياب التدفئة في خيم غير مؤثثة، فإن هؤلاء النازحين محظوظون مقارنة بآخرين يواجهون البرد القارس في العراء، بلا خيم. الآلاف من الأشخاص، بينهم أطفال ومسنون ونساء، اضطروا إلى النزوح من مناطقهم السكنية في أرياف محافظات حلب واللاذقية وإدلب (شمال)، تحت وطأة الغارات الجوية والقصف الصاروخي المكثف، ما يوقع قتلى وجرحى بين المدنيين، فضلا عن الدمار الهائل في الأحياء السكنية. صباح محمد، توفيت على كرسيها في الشارع لعجز زوجها عن العثور ولو على طبيب واحد أو مستشفى صغير في شوارع حلب ويحاول السوريون الفارون من حلب نحو الحدود التركية السورية، العيش في مخيمات أقاموها على أراض سورية خالية قبالة بلدة يايلادغ التابعة لولاية هطاي التركية المحاذية. ويكافح هؤلاء من أجل البقاء على قيد الحياة في مخيمات رديئة، لا تتوفر فيها أي بنية تحتية، ولا سيما الماء والكهرباء. في الشتاء القارس، ولا سيما خارج التجمعات السكنية، لا توجد في بعض هذه الخيم وسائل تدفئة ولا فروش على الأرض، فيما اضطر نازحون إلى العيش مع مواشيهم في خيمة واحدة. ويجمع النازحون أغصان الشجر، وما يجدونه من حطب، لإشعالها وتدفئة خيمهم الممزقة. من بين النازحين في “مخيم الشهداء” بقرية خربة الجوز، مواطن من ريف إدلب، يدعى محمد حمرو، يعيش مع ثلاثة من أطفاله في خيمة مساحتها 6 أمتار مربعة. قال حمرو إن “المياه تغمر الخيمة في كل مرة تهطل فيها الأمطار على المنطقة لكون الخيمة قديمة ومهترئة”. وبحسرة وألم، تساءل، “لا ندري كيف سنقضي فصل الشتاء هنا؟ فررنا من الموت تحت القنابل وإن شاء الله لا نموت من البرد هنا”. ورغم الأوضاع المتردية، اعتبر حمرو أنه محظوظ بالنسبة إلى نازحين آخرين؛ لكونه يمتلك خيمة، ودعا “الإنسانية جمعاء إلى إنقاذ النازحين السوريين خارج المخيمات من الموت بردا في العراء”. ويقول مسؤول “مخيم الشهداء”، أحمد محمد حرا، إن “المخيم يأوي نازحين من مدن سورية عديدة”. وأضاف أن “المخيم يواجه مشكلات كبيرة مؤخرا، في ظل زيادة أعداد النازحين فيه، وانخفاض درجات الحرارة مع قدوم فصل الشتاء”. ومضى قائلا إن “العديد من مناطق أرياف مدينتي جسر الشغور وإدلب (شمال) تتعرض لهجمات ضارية منذ شهرين، ما أجبر العديد من سكانهما على النزوح إلى مخيمنا”. وبحزن ناجم عن العجز، تابع “لا نستطيع تقديم خيم ولا أشياء ضرورية لأولئك النازحين، ولم نتمكن من استقبال سوى 25 عائلة، فمن لديه قريب في المخيم يبيت في خيمته.. واضطراريا يبيت ما بين 15 و20 نازحا في خيمة واحدة؛ لأن الطقس بارد جدا خارج المخيم”. وأضاف أن “النازحين القدامى في المخيم يعيشون بطريقة ما، لكن إدارة المخيم لا تستطيع تقديم أي شيء للنازحين الجدد”. وأضاف أن “250 أسرة تعيش في المخيم حاليا، لكن العدد مرشح للارتفاع بسبب استمرار غارات النظام وروسيا (الداعمة له) على المنطقة”. ودعا مسؤول “مخيم الشهداء” الجهات المعنية إلى “اتخاذ التدابير اللازمة من الآن لمواجهة ذلك؛ فإدارة المخيم لا تمتلك أي شيء لتقدمه للنازحين مستقبلا”. ويعيش في مخيمات النزوح المنتشرة في المناطق الريفية بمحافظة إدلب قرابة 50 ألف نازح، وهؤلاء من بين 4.3 مليون نازح تقول منظمة الأمم المتحدة إنهم بحاجة إلى الإيواء، فيما يحتاج 13.5 مليون شخص، بينهم 5.8 مليون طفل، إلى مساعدات إنسانية. :: اقرأ أيضاً
مشاركة :