مسكينةٌ هي أمَّة العرب، مسكينةٌ ومقطّعةٌ أوصالُها من الشّرق إلى الغرب؛ مِسكينةٌ لأنّها لا تقرأ، وإن أرادت أن تفعل لا تجِدُ ما تقرأه، فتاريخها بعضُه مَنسيٌّ وبعضُه مُغَيَّبٌ، وأعظمُ مصائبها جاء من مُستعمِرٍ غاشم بالأمس، واليوم من حاكمٍ ليسَ دونه ودون عرشِه غيرُ الموت، وإن مات وبقي على عرشِه حاكم من بني العروبة فلا تعجب! عاشَ الزّعيم وماتت نخوة العرب، وماتت وحدتُهم وذهب ريحهم من فرطِ عشقِ أفرادٍ منهم للكُرسيّ وللعرش ولو كان على أرضٍ من دمار ولو لم يجد أحدُ حكّام العرب أحداً يحكُمُه. - منذُ سنتين، اتفقنا -نحن بعض شبابِ الجزائر والمغرب- على أن نضع مشروعاً بسيطاً باليوتيوب؛ أن يُصوّر كلٌ منا مقطعاً قصيراً ونخاطب أهلنا في البلدِ الجار ونبعثَ رسائل محبة وسلام لأشقائنا لِنقطع الضغينة والقطيعة بين شعبيْنا ونُؤكّد أنّ ما يجمعُنا أكثر مِمّا قد يُفرّقُنا، وكذلِك كان الحال، فخرجنا بمقطع فيديو بلغاتٍ ثلاث محكية ولُغة قلبٍ صادِقة ولُغة عقلٍ صافية، انتشر الفيديو انتشاراً لا بأس به، وانقسمت آراء الناسِ كالعادة في التعليقاتِ على الفيديو فمنهم من رحّب بالفكرة، ومنهم من استأسد بالسّباب واللّعان من خلف شاشته، وما أسهل أن تُلغي عقلك وتلبس لباس الجهلِ والعنصرية وتنفث سُم جهلِك وتخلُّفك وأنت جالسٌ في بيتِك خلف شاشتك! لكنّ للناسِ الطِيبين المثقفين رأياً غير ذلك وأظهر، فاتفقنا أن نُعيد التجربة وأن نرفع سقفَ الوعي إلى مخاطبة مشكلة الحدود المغلقة بين البلدين من تسعينات القرن الماضي، كنتُ مُتحمّساً مع واضِع الفيديو واتفقنا على أنّ هذا العمل ما هُو إلا باكورة رسائل المحبّة بين الشعبين الجارين. - مرّت سَنتان، ولم أعد أتكلّم مع صاحِب الفيديو حتى، ولم ألتقِ أياً ممن ظهروا فيه إلا صدفة على صفحات الشبكات الاجتماعية، لم تزل الفكرة بخاطري وأعلمُ يقيناً أنهم لن يدّخِروا جهداً لعملِ مشروعٍ آخر على شاكلة الفيديو الأول؛ لكننا لم نفعل ومضى كلٌ في سبيله، كأن ما قدّمناه منذ سنتين لم يكن مجرّد آمالٍ عربية صِرفة للتوحُد والمحبّة يوماُ ما! ما يجمَعُ الجزائر مع المغرب أكثر مما قد يجمع أحدَهما مع أي من بلدان العالم أجمع، في كثيرٍ من ميادين الحياة والثقافة والتاريخ، في الدّين واللغة؛ بل حتى في اللهجة الصعبة التي تكادُ تكون مستحيلة الفهم على غيرنا من العرب، فما أوجع ألا تخاطب مع بعضِنا ونحنُ أكثرُ مَن نفهم بعضَنا! ذكّرني هذا بقصّة طريفة ومؤلمة قرأتها يوماً تحكي عن لُغة في إحدى قرى البرازيل لم يبقَ من يعرِفها غير عجوزين، غير أنّهما متخاصميْن ولم يتحدّثا بعضهما مع بعض سنين طويلة! - إسلامنا، عروبتُنا، أمازيغيتُنا، وعربيتُناـ وحرفُ التيفيناغ، حدودنا الممتدة من الشمال إلى الجنوب ولم يبقَ في ذاكِرتنا غيرُ أمتارٍ قصيرة من المركز الحدودي المغلق بيننا والمُسمّى "زوج بغال"، اسمٌ طريفٌ يصِفُ الحالة للأسف. أصل الخلاف بين حكّام البلدين على مرّ التاريخ، يكمنُ في الحدود والصراع الحدودي! ولو تأملنا لوجدنا أن مَن وضع هذه الحدود هو المُستعمِر الغاشم لبلداننا، فرنسا وإسبانيا وغيرِهما، وهم من يُسِرّ لِكلٍ منا بالدعم والتأييد ويظهر الحياد في العلن لصراع الأشقاء على خطوط فرّقت ومزّقت أوطاننا لِعقودٍ من الزّمن؛ لا نستحي أن نمدّ جسورِ التعاون مع من قسّمنا ولا يزال في الاقتصاد والسياسة وأن نقطع المودّة بيننا، ونُسمِي تعاوننا مع مُستعمِر الأمس الانتصارِ الدبلوماسي على الطرفِ الآخر! والهُوّة بيننا عميقة وردْمها أقربُ لحلّ مشاكِلنا بيننا؛ لأننا وببساطة نحنُ أصحاب الأرض وأهلها ونحن الأصحاب والأهل! لا تنتظر من أصحاب الكراسي أن يشفِقوا على حالِ الجوارِ بين الشعبين؛ فهم لا يُشفِقون حتى على حالِ أهلِ الدّارِ من بعضهم! - بل وأكثرُ من ذلك، هناك قاعدة أبجدية في السّياسة: "إذا رأيت مشكلة سياسية بين فرقين من الناس ولم يكُن حلّها يتطلّب غير قرارٍ من أهل الحِل والعقد، فاعلم أنّ هناك من يستفيدُ من الوضع القائم"، وهنا يكمنُ سبب مأساتنا الثاني بعد الاستعمار، إنّهم حُكامنا! كيف لا وخوفنا من بعضنا يمنحُ لكُلّ نظامٍ شرعيته وسبب وُجودٍ أقوى لأنّ الطرف الآخر يُهدد وِحدتنا، وكلّما قامت فتنة فالجارُ الجائر قد زرعها وأراد زعزعة استقرارنا الأمين وضربِ مصالِحنا في عقرِ دارنا! على هذا، فقرارُ وِحدتنا بأيدينا نحن الشّعوب، اليوم برسائل محبّة وإخاء نغرِسها اليوم لنحصدَ بالغدِ ثورة بيضاء يحملُ فيها بعضنا أعلام بعض ووردة سلام، لنقف على الخطّ الحدودي ونُبدّل قطيعة "زوج بغال" ونفتح أبوابنا لبعضنا "زوج إخوان" خاوة ما تفرّقنا عداوة. رابط الفيديو "رسائل مغربية جزائرية" ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :