حبيب الصايغ: الكتابة الحقيقية تنعش الوعي وتحلّق بالخيال

  • 12/11/2016
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

تنفيذاً لقرارات المكتب الدائم للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب في اجتماعاته بأبوظبي في الفترة من 3 إلى 5 يونيو/ حزيران 2013 باعتبار الحادي عشر من ديسمبر/ كانون الأول من كل عام يوم الكاتب العربي، تحتفل الأوساط الثقافية العربية اليوم بهذا اليوم. وبهذه المناسبة وجّه حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب رسالة إلى الكتّاب العرب جاء فيها: كل يوم هو يوم الكاتب، شريطة أن يكون كاتباً حقيقياً، بمعنى أن تكون كتابته لنفسه قبل الآخرين، وللآخرين قبل نفسه، وكيف تكون الكتابة للآخرين؟ أضاف الصايغ يجب أن تكون الكتابة لأجل الآخرين، وإن لم ترفع هذا الشعار. كتابة تطرح سؤالاً، أو تثير قضية. كتابة تنعش وعياً، أو تعلي من شأن الخيال في زمن ندفع فيه ضريبة تقلص مساحات الخيال. كتابة تحرّك الراكد وتكشف النقاب عن الفساد والظلم والكبت والقهر. كتابة تربت على كتف ملتاع وتنير درباً معتماً وتمد جسراً على هاوية. كتابة ترفع سقفاً مال حتى كاد أن يهوي على رؤوس أصحابه ولا يملكون له دفعاً. كتابة تحاكم القاتل وتنتصر للقتيل. كتابة تحيّي كل صاحب منجز وتقول له: نراك. وتصيح على كل مجرم وتقول له: نراك. هذا أولاً. يليه حديث عن كتابة تعي وجودها، وتدرك أهمية هذا الوجود في العالم. كتابة تنتصر لذاتها، وتقدر منجزها. فمن المهم أن يحتفي العالم بالكاتب، لكن الأجمل أن يحتفي الكاتب بذاته أيضاً، بأن يتمهل عندها متأملًا، ويقيم من طقوس الاستذكار ما يليق بها. فيوم الكاتب هو يوم الآخرين له، وهو أيضاً يومه لنفسه. هكذا تكتمل المعادلة، ويصبح للكتابة قيمة ومعنى. وتابع الصايغ في الرسالة: يوم الكاتب يوم للكاتب والكتابة إذاً، وهما بطبيعة الحال واحد، هنا لا بد من استحضار العلامات والمحطات. فالطريق طويل، ولا يُعرَفُ الطريق الطويل إلا بعلاماته ومحطاته. شكلٌ من أشكال الاحتفاء أيضاً، لذا كان يوم الكاتب العربي، يصادف ذكرى ميلاد نجيب محفوظ في 11 ديسمبر/ كانون الأول 1911، ولماذا نجيب محفوظ؟ لأنه علامة ومحطة في الطريق. لكن هذا ليس كل شيء. سؤالنا يحوم في سماء كل احتفاء بالرجل سواء في ذكرى رحيله أو ميلاده. وهو السؤال الذي نعرف أننا سنظل نواجهه عندما اخترنا يوم مولده لنحتفل بيوم الكاتب العربي؛ فلماذا نجيب محفوظ؟ لسنا مع ثقافة تجاهل الأسئلة. كل سؤال يحمل مشروعية طرحه التي تعد هي نفسها مفتاحاً لأبواب الإجابة، طالما أن الأمر مبني على منطق ورؤية، وليس مجرد محاكاة لآخرين واتباعٍ لجهة الصوت الأعلى. لذا فإننا ننتهز فرصة احتفالنا بيوم الكاتب العربي الذي تبناه الاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب لكي نعيد طرح التساؤل وننقله إلى الجميع: لماذا صار نجيب محفوظ أيقونة علينا أن نداوم التذكير بها؟ ولنستهل نحن المشاركات بطرح نرى فيه إجابة للسؤال، وسبباً لاختيار الأمانة العامة للاتحاد العام للأدباء والكتّاب العرب نجيب محفوظ ليرتبط اسمه بيوم الكاتب العربي. أول ما يتبادر إلى الذهن أن السبب يكمن في أن نجيب محفوظ هو الروائي العربي الوحيد الحائز جائزة نوبل. وهو سبب وجيه، قد يرى فيه الكثيرون الكفاية، إلا أننا نأنف أن نختزل تجربة محفوظ الكبيرة في هذه الزاوية الصغيرة. لأننا في المقام الأول نؤمن أن الجائزة نتيجة لإبداعه وحضوره وليست سبباً فيه. كما أننا لا ننظر إلى الجوائز إلا من زاوية كونها نوعاً من التقدير المشروط بتوجهات وخلفيات ورؤى المؤسسات المانحة مهما كبرت قيمة تلك الجوائز مادياً أو معنوياً أو اتسع نطاق شهرتها. وإذا كانت نوبل للآداب قد سلطت الضوء على تجربة نجيب محفوظ في الكتابة؛ بمعنى منتجه الأدبي نفسه، فإننا نرى أن تجربة محفوظ مع الكتابة، بمعنى تفاصيل علاقته بما ينتج والتزامه تجاهه، لا تقل أهمية عن تجربته الإبداعية. وإن كنا نعتقد في أهمية تسليط الضوء على النموذج المحفوظي الأدبي واستمرار أعمال الدرس والقراءة في عوالمه لغة وأسلوباً وبلاغة لتفكيك عناصرها وتركيم طروحات الوصول إلى سر تميزها واستمرارها، فإننا نرى أهمية فائقة في دراسة النموذج المحفوظي الآخر الذي قدمه نجيب محفوظ الإنسان الأديب في علاقته بأدبه والتزامه بقضايا مجتمعه. لأننا نعتقد بشدة في أن الالتزام الذي وسمَ الأخير وثيق الصلة بتميز الأول وربما هو السبب الأهم في حدوثه. من هذا المنطلق فإننا نشعر بالمسؤولية تجاه استمرار تقديم هذا الوجه من التجربة المحفوظية وتنويع طرق تعريف الأجيال الشابة به ، جنباً إلى جنب مع الوجه الإبداعي من التجربة. لأننا نؤمن - وهو ما أثبته التاريخ - أن ما ينبغي استخلاصه وتقديمه من سير العظماء والرواد لا يقل أهمية عمّا يجب تقديمه واستخلاصه من أعمالهم، بل إن كان صدى الإبداعات يخفت بمرور الوقت، كما هي سنّة الحياة التي تتطور وتتنوع ذائقتها مع الزمن، فإن ما يميز الإبداعات العظيمة أنها لا تنهار أمام اختلاف الذائقة ولا تسقط بالتقادم ليس لأنها تناسب كل ذوق ولكن لأن أحجار الأساس تظل أهم وأفضل ما في البناء مهما تزينت أحجار الطوابق العليا بالزخارف والنقوش. تصمد التجارب الحقيقية لأنها ممسوسة بتلك النار التي صهرت، والمعاول التي هدمت الحواجز وعبرت نحو المستقبل متحدية شروط زمانها ومكانها. وهو ما لا يمكن الوصول إليه من دون قراءة موازية لملامح التجربة مع الكتابة إلى جوار تجربة الكتابة. هل قدمنا ما يفيد رداً على سؤال لماذا نجيب محفوظ؟ نأمل ذلك. كما نأمل من كل من توهجت روحه بالكتابة طاقةً مغذّيةً ملهمةً أن تكون له كلمة أيضاً، نجمعها يوماً لتكون وثيقة تشهد بها الذات على ذاتها.

مشاركة :