أعلنت مصر حالة الحداد لمدة 3 أيام بعد مقتل 23 قبطيا معظمهم من النساء، في تفجير استهدف كنيسة ملحقة بكاتدرائية الأقباط الأرثوذكس في حي العباسية بوسط القاهرة أمس، في أول عملية إرهابية موجهة للمسيحيين في البلاد منذ موجة العنف ضد الكنائس التي أعقبت فض اعتصامين لجماعة الإخوان المسلمين منتصف عام 2013. ويلقي الحادث ظلالاً من الشك حول فعالية الخطط الأمنية قبيل حلول موسم أعياد المسيحيين في مصر، ويعمق جراح الحكومة التي تأمل في عودة حركة السياحة وجذب الاستثمارات الأجنبية لتخفيف الضغوط الاقتصادية التي تواجهها. وقال محمد التوني، المتحدث باسم وزارة الصحة في مصر، إن الحادث الإرهابي أودى بحياة 23 شخصا معظمهم من النساء، فيما أصيب 49 آخرون، بينهم 5 في حالة حرجة، موضحا لـ«الشرق الأوسط» أن تلك الإصابات تتراوح بين حالات تهتك في الأمعاء والأطراف، وكسور في الجمجمة، لافتا إلى أن عددا من المصابين يخضع بالفعل لعمليات جراحية دقيقة. وقال مصدر أمني وشهود عيان، إن التفجير وقع في حدود الساعة العاشرة من صباح أمس داخل صحن الكنيسة البطرسية داخل مجمع الكاتدرائية المرقسية، حيث المقر البابوي. وأضاف المصدر الأمني أن المعاينة الأولية لموقع الحادث تشير إلى أن عبوة ناسفة تزن نحو 12 كيلوغراما من مادة «تي إن تي» تسببت في الانفجار. وتوافدت قيادات حكومية إلى مقر الكاتدرائية عقب الحادث، على رأسهم رئيس مجلس الوزراء شريف إسماعيل، ووزير الداخلية مجدي عبد الغفار، ووزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي، ووزير الأوقاف مختار جمعة؛ لكن مئات الأقباط الغاضبين رفضوا استقبالهم وأغلقوا أبواب الكاتدرائية دونهم، احتجاجا على ما عدوه تقصيرا أمنيا جسيما. وأدان الرئيس عبد الفتاح السيسي «ببالغ الشدة العمل الإرهابي الآثم الذي تعرضت له الكنيسة البطرسية، وأسفر عن استشهاد مواطنين مصريين من أبناء هذا الشعب العظيم». وأكد السيسي في بيان صدر عن الرئاسة، أن «هذا الإرهاب الغادر إنما يستهدف الوطن بأقباطه ومسلميه، وأن مصر لن تزداد كعادتها إلا قوة وتماسكا أمام هذه الظروف». وشدد السيسي على «القصاص العادل لشهداء ومصابي هذا الحادث الغادر، وأن الألم الذي يشعر به المصريون في هذه اللحظات لن يذهب هباء، وإنما سيسفر عن تصميم قاطع بتعقب وملاحقة ومحاكمة كل من ساعد بأي شكل في التحريض أو التسهيل أو المشاركة والتنفيذ في هذا العمل الآثم، وغيره من الأعمال الإرهابية التي تعرضت لها البلاد». وأضاف أن «الدماء التي سالت نتيجة هذا العمل الإرهابي الذي حدث في ذكرى المولد النبوي الشريف، والحادث الأليم الذي استهدف قوات الشرطة يوم الجمعة الماضي، وجميع العمليات البطولية التي تقوم بها قوات الجيش والشرطة في سيناء وتدفع فيها ثمنا غاليا من دماء أبنائها، لهي جميعا فصول من حرب الشعب المصري العظيم ضد الإرهاب، الذي لن يكون له مكان في أرض مصر، وسيثبت الشعب المصري، بوحدته ومؤسساته وأجهزته، أنه قادر على تخطي المحن والمضي قدما في مسيرته نحو التقدم والخير وإحقاق الحق والعدل والأمن في ربوع الوطن كافة». وأجرى السيسي اتصالا هاتفيا بالبابا تواضروس الثاني، بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، أعرب الرئيس فيه عن خالص العزاء والمواساة لشهداء الوطن الذين سالت دماؤهم الطاهرة نتيجة العمل الإرهابي الآثم الذي تعرضت له الكنيسة البطرسية، مؤكدا عزم مصر شعبا وحكومة على الاستمرار في التصدي للإرهاب حتى اجتثاث جذوره تماما من تراب مصر المقدس. وأكد الرئيس ثقته المطلقة بقدرة الشعب المصري بمسلميه وأقباطه، على التكاتف صفا واحدا وعلى تحقيق النصر في الحرب ضد الإرهاب، باعتبارها معركة المصريين جميعا. من جانبه، شدد البابا تواضروس، الذي قطع زيارته الخارجية عائدا للبلاد، على تماسك ووحدة الشعب المصري، وقدرته على الصمود أمام هذه الشدائد، وتنفيذ القصاص العادل من مرتكبي هذه الجريمة الإرهابية الأليمة. وتخوض السلطات المصرية منذ سنوات حربا على الإرهاب، ازدادت وتيرتها في أعقاب عزل الرئيس الأسبق محمد مرسي، لكن العمليات الإرهابية استهدفت قوات الجيش والشرطة وشخصيات سياسية وأمنية بارزة. ويعد حادث الأمس الذي استهدف الكنيسة البطرسية مؤشرا على تحول خطير في استراتيجيات الجماعات الإرهابية في مصر، سعيا لتأجيج الفتنة الطائفية، كما تعد دليلا إضافيا على استعادة تلك التنظيمات قدرتها العملياتية داخل وادي النيل بعد أن قوضت ضربات أمنية متلاحقة بنيتها التنظيمية في دلتا مصر، بعد تفجير مديريتي أمن القاهرة والدقهلية قبل ثلاثة أعوام، بحسب خبراء ومراقبين. وقالت مصادر قضائية إن النائب العام نبيل صادق كلف نيابة أمن الدولة العليا بسرعة فتح تحقيقات موسعة في حادث التفجير، مشيرة إلى أنه أمر أيضا بالتحفظ على كاميرات المراقبة المتواجدة بالكاتدرائية، والبدء في مناقشة الشهود الذين كانوا على مقربة من الواقعة. وأفاد شهود عيان بأن التفجير وقع فيما كان عشرات الأقباط يصلون داخل الكنيسة، وأضافوا أن شدة التفجير أدت إلى هز المكان بعنف، بينما غطى الغبار القاعة وتناثرت أشلاء ودماء على الأرض. ورجح شهود العيان أن تكون سيدة تقف وراء زرع العبوة الناسفة، بسبب تضرر الجهة المخصصة للسيدات داخل الكنيسة، وسقوط العدد الأكبر من الضحايا في صفوف النساء المشاركات في قداس الأحد. وكان ستة من رجال الشرطة بينهم ضابطان، قتلوا الجمعة الماضي في انفجار بمدينة الجيزة المتاخمة للعاصمة القاهرة. وأعلنت حركة «حسم» مسؤوليتها عن الهجوم، فيما بدا لافتا عدم تبني أي من الجماعات الإرهابية عملية تفجير الكنيسة. وغالبا ما كانت تسارع التنظيمات الإرهابية بتبني العمليات التي وقعت خلال العامين الماضيين في العاصمة، ما حدا بمراقبين إلى ترجيح تورط تنظيم «أنصار بيت المقدس» الموالي لـ«داعش» الإرهابي الذي يتركز نشاطه بسيناء في التفجير. وأدان شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء الهجوم. وقال في بيان نشرته «وكالة أنباء الشرق الأوسط» الرسمية، إن «مثل هذه الأحداث الإرهابية الغادرة لن تنال من قوة ومتانة النسيج الوطني المصري». وأجرى إسماعيل اتصالا هاتفيا بالبابا تواضروس الثاني، قدم خلاله واجب العزاء في ضحايا حادث التفجير، مشددا على أن مثل هذه الأحداث الإرهابية الغاشمة، إنما تستهدف الوطن بأكمله. وقال الأزهر في بيان، إنه يدين «التفجير الإرهابي» مضيفا أن «استهداف دور العبادة وقتل الأبرياء أعمال إجرامية تخالف تعاليم الدين الإسلامي وكل الأديان». ومضى البيان قائلا: «يؤكد الأزهر تضامنه الكامل مع الكنيسة المصرية ذات المواقف الوطنية، ومع جميع الإخوة المسيحيين في مواجهة هذا الاستهداف الإرهابي». وانفجار الكنيسة هو الحلقة الأحدث في سلسلة هجمات وقعت في السنوات الماضية قتل فيها مئات من رجال الجيش والشرطة، أغلبهم في محافظة شمال سيناء. وقال الجيش إنه قتل مئات من المتشددين بشمال سيناء في حملة تشارك فيها الشرطة. وعبّرت صفحات موالين لتنظيم داعش على مواقع التواصل الاجتماعي عن ابتهاج لوقوع الهجوم. وجاء في عبارات في تلك الصفحات: «بارك الله في من قام بهذا العمل المبارك.. فالمعادلة يسيرة واضحة، كما تَقتلون تُقتلون وكما تأسرون تؤسرون وكما تهدرون أمننا نهدر أمنكم». وينظر إسلاميون متشددون للأقباط باعتبارهم فصيلا رئيسيا في ثورة 30 يونيو (حزيران) التي أنهت حكم جماعة الإخوان المسلمين في يوليو (تموز) عام 2013. وعقب الحادث اتسعت دائرة نواب في البرلمان يدعون إلى فرض حالة الطوارئ في البلاد لمواجهة اتساع وتنامي وتيرة العمليات الإرهابية. وأعلنت السلطات المصرية بالفعل حالة الطوارئ في مناطق بشمال سيناء منذ أواخر عام 2014 وحتى الآن. وأصدرت جماعة الإخوان المسلمين، جناح محمود عزت، القائم بأعمال المرشد العام، بيانا وصفت فيه الحادث بـ«الحرام» باعتباره «يستهدف عُزلا في ساحات دور العبادة»، وحمّلت السلطات الأمنية مسؤولية ما جرى.
مشاركة :