أليساندرا بيفي أستاذة في طب الأطفال في كلية الطب بجامعة هارفارد ومديرة برنامج العلاج الجيني في مركز «دانا فاربر» للسرطان واضطرابات الدم في مستشفى بوسطن للأطفال تتحدث فيما يلي عن معنى العلاج الجيني الذي صادقت «الوكالة الأوروبية للأدوية» في الفترة الأخيرة على علاجين منه. ما معنى العلاج الجيني؟ إنها طريقة لإصلاح أي عيب جيني في الخلايا. تستعمل إحدى الوسائل الفيروس الارتجاعي. حين تصيب هذه الفيروسات الخلايا، تستطيع نسخ المعلومات الوراثية داخل الحمض النووي الخاص بالخلية. لذا نُهَندس الفيروس وراثياً لدمج الجينة التي يحتاج إليها الشخص. ثم يمكن أن نحقن الفيروس مباشرةً في دمه أو نسيجه أو نجمع الخلايا منه ونُحدِث التعديلات اللازمة في المختبر ونعيد حقن الخلايا المصحّحة. حصلت انتكاسات كبرى منذ 20 سنة. ماذا حدث؟ برز بعض المشاكل المختلفة. تتعلق إحداها بالردود المناعية على الفيروس الذي أعطى آثاراً ضارة لم يتوقعها أحد. ارتبطت مشكلة بارزة أخرى بالتجارب التي تعالج أمراض نقص المناعة حيث عولج بعض الأولاد بنجاح قبل أن يصابوا بسرطان الدم لاحقاً بسبب دمج الحمض النووي المأخوذ من الفيروس مع جينوم الخلايا الجذعية المُنتِجة للدم، أي تلك التي تنتج خلايا الدم كافة في جسمنا. هل أصبحت التقنية المستعملة أكثر أماناً اليوم؟ حصلت تغيرات كثيرة في الفيروسات المستعملة لنقل الجينات. يمكن أن تُحدِث الطرائق التي نستعملها اليوم تغيرات عدة في الخلايا التي لا تنقسم بفاعلية، كما أنها تتفاعل بطريقة مختلفة مع الحمض النووي الخاص بالخلية المضيفة. أصبحت هذه التقنية أكثر حيادية في طريقة إحداث التعديلات ومكانها، فلا تقوم مثلاً بتنشيط الجينات المجاورة عن غير قصد. تشير هذه المعطيات كلها إلى تراجع احتمال التأثير في سلوك الخلايا ونموها بما يتجاوز التعبير عن الجينة التي أضفناها. هل سيصبح العلاج الجيني أكثر شيوعاً اليوم؟ صادقت «الوكالة الأوروبية للأدوية» في الفترة الأخيرة على علاجين جينيَّين، وتحصل اليوم مئات التجارب العيادية. على سبيل المثال، نُشرت حديثاً نتائج تجربة تُعنى بمعالجة العوز المناعي المشترك الشديد الذي يشكّل جزءاً من أمراض نقص المناعة. بعد سنوات من العلاج، لم يظهر أي مؤشر على إصابة المرضى بالسرطان. تقنية «كريسبر» يتحدث الجميع الآن عن تقنية التحرير الجيني «كريسبر». هل بدأت تُغيّر الوضع؟ أظنّ أن إمكانات هذه التقنية هائلة في الابتكار والفرص العلاجية التي تقدّمها للمرضى. يسمح التحرير الجيني بتصحيح الطفرة الجينية موضعياً بدل دسّ معلومات جديدة ويمكن أن يضمن سلامة المرضى بدرجة إضافية. بدأ هذا الابتكار يطلق حقبة جديدة. لكن هل ستجعل تقنية «كريسبر» الهندسة الجينية التي تستعمل الفيروسات غير ضرورية؟ لا يزال الوقت مبكراً لمعرفة الجواب. لدينا متّسع من الوقت للقيام بتحقيقات موازية ستسمح لنا بتحديد أفضل الخيارات بالنسبة إلى المرضى. في النهاية، سنحصل على أنماط متعددة على الأرجح، مثلما تتعدد الأدوية التي نستطيع استعمالها عموماً. هل كانت التوقعات الأولية من العلاج الجيني غير واقعية؟ كانت التوقعات كثيرة منذ 20 سنة، ثم حصل تراجع هائل بسبب الآثار الجانبية. اليوم استعاد الباحثون الحماسة في هذا المجال. لكن لا يغير ذلك واقع أنّ تطوير العلاج الجيني يحتاج إلى مسار متكامل. يُعتبر أي عنصر يدخل إلى الجسم بهدف شفائه دواءً، لذا تكون العلاجات الجينية بمنزلة أدوية، ما يعني أنها تتطلب تطويراً عيادياً ومراقبة مستمرة لأن كل دواء يعمل بأفضل طريقة في ظروف معينة ويعطي آثاراً جانبية. ويجب أن نتذكر أيضاً أننا نتحدث عن أدوية لا تزال في أولى مراحل التطوير. داء مميت أشرفتِ حديثاً على تجربة تستعمل العلاج الجيني لمعالجة داء مميت يصيب الأطفال. هل يمكنك أن تخبرينا عن تلك التجربة؟ تتمحور التجربة حول داء حاد من الأمراض العصبية التنكسية: إنه »حثل المادة البيضاء متبدل اللون» الذي يصيب الأولاد الصغار غالباً. إنه مرض مُدَمّر. يعيش هؤلاء الأولاد طفولة عادية في المرحلة الأولى من حياتهم وينمون بشكل طبيعي. لكن في مرحلة معينة، في الشهر الثامن عشر تقريباً، يبدأون بفقدان قدراتهم تدريجاً فتتأثر حركتهم ومهاراتهم المعرفية ولغتهم وقدرتهم على التفاعل ويعجزون عن البلع والتكلم. يسهل أن نتصور مدى صعوبة الوضع بالنسبة إلى عائلاتهم. نادراً ما يصمد المصابون في طفولتهم حتى مرحلة المراهقة. كيف عالجتِ المرض؟ تقضي التجربة التي بدأتُها ولا تزال مستمرة في «معهد سان رافاييل تيليثون للعلاج الجيني» باستخراج الخلايا الجذعية المنتِجة للدم من النخاع العظمي لدى المرضى ثم استعمال الفيروسات الارتجاعية لدسّ الجينة المفقودة فيها. أثناء تحضير الخلايا الجذعية، يخضع المرضى للعلاج الكيماوي لمسح بقية الخلايا المنتجة للدم وتنظيف المساحة كي تستقبل الخلايا المصحّحة. يصيب هذا المرض الخلايا العصبية. لماذا توضع الجينة إذاً في خلايا الدم؟ استعملنا خلايا الدم نظراً إلى سهولة الوصول إليها من جهة ولأننا تدرّبنا على التلاعب بها من جهة أخرى. استعمل بعض الجراحات الخلايا الجذعية العصبية، لكن حصل ذلك منذ فترة طويلة. لا يستطيع المصابون بـ«حثل المادة البيضاء متبدّل اللون» إنتاج أنزيم ضروري لحماية مادة الميالين حول الخلايا العصبية. حين تصل الخلايا المصححة إلى الدماغ، تنتج ذرية تتولى إيصال الأنزيم. نظراً إلى قدرة خلايا الدم على إتمام هذه المهمة، أصبحت شكلاً قوياً من العلاج. نسعى الآن إلى استعمال هذه الاستراتيجية لإحداث التعديلات في الدماغ عند الإصابة باضطرابات عصبية تنكسية أخرى. ما هي النتائج التي توصّلت إليها التجربة الخاصة بداء «حثل المادة البيضاء متبدّل اللون» حتى الآن؟ من أصل تسعة أولاد سنتابع حالتهم طوال ثلاث سنوات على الأقل (إنها فترة طويلة بما يكفي لرصد المؤشرات المهمّة)، لم يواجه بعضهم أي أعراض مع أنه بلغ عمراً يفوق ما كنا نتوقعه. كان مسار المرض أخف وطأة في حالات أخرى. حين نستخرج الخلايا من المريض، يمكن أن نقوم بالتعديل الوراثي عن بُعد. العلاج الجيني يزداد سهولة هل سيصبح العلاج الجيني أكثر سهولة؟ تقول الأستاذة في طب الأطفال أليساندرا بيفي: بدأ يزداد سهولة منذ الآن. أطلق ديفيد ويليامز للتو مبادرة في مركز «دانا فاربر» في مستشفى بوسطن للأطفال لضبط طريقة تصنيع الخلايا الجذعية المنتجة للدم لدى المرضى. ستوفر هذه المبادرة تدريباً يسمح لمراكز الأقمار الاصطناعية باستعمال العلاج الجيني عن بُعد كي يتمكن الناس من البقاء في مستشفياتهم المحلية». تتابع: «يمكن تطبيق هذه المبادرة أيضاً في التجارب العيادية، وبدأ بعض التجارب يختبر هذه المباردة. يجب أن نضع معايير نموذجية ونُنَسّق العمل كي يصبح العلاج الجيني أكثر شيوعاً، لا سيما أن كثيرين يعتبرون هذه التجارب العيادية أملهم الوحيد، ويصعب أن نُخيّب آمال الناس». بحسب بيفي، إنها عملية بالغة الصعوبة، «في ما يخص حثل المادة البيضاء متبدل اللون، كنت أعرف المرض جيداً وأفهم تداعياته لكني أدركتُ في الوقت نفسه أن الأسئلة العالقة بشأن العلاج الجديد لا تزال كثيرة. لا يمكن الإجابة عنها إلا عبر التجارب العيادية. كان يصعب أن أرفض التجربة، لكن يجب ألا نُعرّض الأولاد للمخاطر إذا كانوا لن يحصدوا المنافع. يجب أن نكمل تجاربنا أيضاً ونثبت فاعلية العلاج وإلا سيطول الطريق الذي يقودنا إلى تطوير دواءٍ يفيد عدداً إضافياً من الناس». وتختم: «حين نلاحظ أن العلاج الذي نعمل عليه يؤثر في حياة طفل، لا مفر من أن نشعر بأن لعملنا الشاق هدفاً يستحق العناء».
مشاركة :