لم تعد قضايا مواقع التواصل الاجتماعي التي تصل إلى أروقة المحاكم الشرعية مقتصرة على ألفاظ، أو شتائم، أو إساءات فقط، بل تجاوزت ذلك في الخطورة لتصبح موقعاً، ووسيلة لترويج المخدرات عبر شباناً لا تتجاوز أعمارهم الـ 20 عاماً. وفي أخطر قضايا الترويج عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تنظر المحكمة الجزائية في محافظة جدة في قضية شاب عشريني أتهم بترويج المخدرات والمجاهرة بالمعصية عبر مواقع التواصل الاجتماعي سناب شات؛ حيث يقوم بتسجيل المقاطع الترويجية لجذب الزبائن لبضاعته. وتعود تفاصيل القضية بحسب مصدر لـالرياض، إلى وصول بلاغ لـإدارة مكافحة المخدرات بجدة يفيد بوجود شخص (عمره 21 سنة) يقوم بعرض، وبيع الحشيش المخدر، ويذكر فيه أسعاره وأنواعه، على موقع التواصل الاجتماعي سناب شات من خلال الحساب -تحتفظ الرياض باسمه-، وبناءً عليه كلفت إدارة المكافحة أحد منسوبيها للتواصل عبر موقع التواصل الاجتماعي سناب شات مع صاحب الحساب وإيهامه بالرغبة في الشراء من ذلك الحشيش المخدر المعروض للبيع. وتابع: بالفعل تم تحديد موعد، ومكان للاستلام، والتسليم، وبمتابعة دقيقة من فرقة القبض بمكافحة المخدرات، وتم ترتيب كمين محكم من قبل رجال المكافحة، وتم القبض على المتهم متلبس بجرمه بعد أن حاول الفرار من مسرح الجريمة لكن فرقة الضبط كانت له بالمرصاد للإيقاع به، وبعد تفتيشه تم إثبات الكمية من الحشيش المخدر التي كانت بحوزته، وصدر بحقه قرار اتهام من هيئة التحقيق والادعاء العام في محافظة جدة، ومازالت القضية منظورة أمام المحكمة الجزائية بمحافظة جدة. ووفقاً لمعلومات حصلت الرياض عليها فإن قضية الشاب الذي اعتبر مروجاً للمخدرات، ومجاهراً بالمعصية بدأت ببثه مقاطع مصورة له، وهو يعلن عن وجود أصناف من المخدرات بجميع أنواعها، ومن يرغب في الشراء عليه التواصل معه. وتحدث قانونيون لـالرياض، عن جريمة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للاتجار بالمخدرات والترويج لها، مشيرين إلى أنها جريمة لها ثلاثة أبعاد، وتم التطرق له في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية، والذي نص على أن إنشاء موقع على الشبكة المعلوماتية للاتجار بالمخدرات، أو المؤثرات العقلية، أو ترويجها، أو طرق تعاطيها، أو تسهيل التعامل بها يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمسة أعوام، وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال، أو بإحدى هاتين العقوبتين. وفيما يتعلق بالرأي القانوني في القضية، أوضح المحامي والمستشار القانوني الدكتور محمود حمزة المدني، أن أي جريمة، أو مخالفة يتم ارتكابها عبر مواقع التواصل الاجتماعي يكون حينها الشخص الجاني قد ارتكب مخالفتين في آن واحد: الأولى هي المخالفة نفسها كالسب، والشتم، أو إنشاء المواد الإباحية، أو ترويج المخدرات، والثانية هي انتهاك نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية؛ لأن المخالفة تمت عبر مواقع التواصل الاجتماعي. وقال: بتطبيق هذه القاعدة على القضية المطروحة فإن الجريمة إذا ثبتت في حق المتهم المذكور فسيكون المصير الذي سيتعرض له المتهم هو السجن والجلد، والغرامة تماشياً مع الفقرة (1) من المادة (38) من نظام مكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، إضافة إلى عقوبة إضافية وهي السجن الذي قد يصل إلى خمس سنوات حبسا وغرامة مالية قد تصل إلى ثلاثة ملايين، أو أحدهما، تطبيقاً للفقرة (4) من المادة (6) من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية. وذكر المحامي المدني كذلك بأن على أفراد المجتمع التفكير مراراً قبل الخوض في أي تجاوز، أو تعدٍ عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأن النظام قد نص على عقوبات رادعة من السجن والغرامة، بل إن في بعض الأحيان تكون عقوبة انتهاك نظام مكافحة الجريمة المعلوماتية أشد، وأقسى من عقوبة الفعل الأصلي الذي صدر، ومثال ذلك السب والشتم، فالعقوبة الحقيقية للسب والشتم (ما دون القذف) قد لا تتجوز حبس شهر أو عدة جلدات، لكن إذا كانت هذه المخالفة قد صدرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي فستكون العقوبة المحددة في النظام أشد وأكبر من السب والشتم نفسه، فقد تصل إلى سنة حبسا و500 ألف ريال، أو أحدهما، تماشياً مع الفقرة (5) من المادة (3) من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية. فيما أكد المحامي أحمد الصواف على أنه لابد من تفنيد كل جريمة على حدة، مشيراً إلى أن الترويج للمخدرات جريمة بحد ذاتها، وتعد من الجرائم الكبرى الموجبة للتوقيف، ونظام المخدرات فرق بين الترويج للمرة الأولى، وبين العائد بعد سابقة الحكم عليه بالإدانة في جريمة الترويج في الحال الأولى تكون العقوبة الحبس من عامين إلى 15 عاماً، أو بهذه العقوبات جميعاً بحسب ما يقتضيه تقدير القضاء طبقاً لنص المادة 38 من نظام المخدرات، وفي حال العودة إلى الترويج تشدد العقوبة، ويمكن أن تصل إلى القتل قطعاً للشر العائد على المجتمع بعد أن تأصل الإجرام في نفسه، وأصبح من المفسدين في الأرض طبقاً لنص المادة 37. ولفت إلى أن المروج للمخدرات عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي قد جمع بين ثلاث جرائم خطيرة جداً، موضحاً أنه في حال تضمنت لائحة الادعاء جريمة المجاهرة بالمعصية فللقاضي تقدير العقوبة التعزيرية المناسبة، وجريمة الترويج، والجريمة المعلوماتية نصت الأنظمة نصاً صريحاً على تجريم ترويج المخدرات، والعقوبة المقدرة لها. وأضاف أن جريمة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي للإتجار بالمخدرات والترويج لها ورد في نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية نصاً في المادة السادسة الفقرة الرابعة: إنشاء موقع على الشبكة المعلوماتية للاتجار بالمخدرات، أو المؤثرات العقلية، أو ترويجها، أو طرق تعاطيها، أو تسهيل التعامل بها ، مؤكداً أن النظام حدد عقوبة ذلك بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات، وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين. وأكد الصواف أن المجاهرة بالمعصية من أعظم الذنوب، وهي أن يرتكب الشخص الإثم علانية، أو يرتكبه سرًّا فيستره الله عز وجل ولكنه يخبر به بعد ذلك مستهينًا بستر الله له، واستشهد بحديث شريف نص على:كلُّ أُمَّتي معافًى إلا المجاهرين... وعلق المحامي فراس منصور حجازي على القضية، موضحاً أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي في ترويج المخدرات يعتبر من الاستخدام المسيء لهذه الوسائل، إضافة إلى كونه مجاهرة بالمعصية وتيسير تداولها بين الناس. وأشار إلى أن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي في ترويج المخدرات أمراً يعاقب عليه نظاماً بحسب المادة السادسة من نظام مكافحة الجرائم المعلوماتية؛ حيث يعاقب كل شخص يرتكب جرائم معلوماتية من خلال إنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة، أو إعداده، أو إرساله، أو تخزينه عن طريق الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي، أو إنشاء موقع على الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي، أو نشره للاتجار في الجنس البشري، أو تسهيل التعامل به. وبيّن أن من الجرائم المخالفة التي عاقب عليها النظام هو إنشاء المواد، أو البيانات المتعلقة بالشبكات الإباحية، أو أنشطة الميسر المخلة بالآداب العامة أو نشرها، أو ترويجها، إضافة إلى إنشاء موقع على الشبكة المعلوماتية، أو أحد أجهزة الحاسب الآلي أو نشره، للاتجار بالمخدرات، أو المؤثرات العقلية أو ترويجها، أو طرق تعاطيها، أو تسهيل التعامل بها. وأضاف حجازي إلى أن النظام المشار إليه فسر معنى الحاسب الآلي بأنه أي جهاز إلكتروني ثابت، أو منقول سلكي، أو لاسلكي يحتوي على نظام معالجة البيانات، أو تخزينها، أو إرسالها، أو استقبالها، أو تصفحها، يؤدي وظائف محددة بحسب البرامج، والأوامر المعطاة له. وشدد أن استخدام أي وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي في ترويج المخدرات يؤدي إلى معاقبة صاحبها بموجب نظام مكافحة نظام الجرائم المعلوماتية. المحامي د. محمود مدني المحامي أحمد الصواف
مشاركة :