حين مناقشة قضايا التنمية الإدارية والتنمية بشكل عام، من المهم أن نصنف الموضوعات وأن لا نخلط بينها. هذا التصنيف لا يعني دراسة قضية معينة بمعزل عن قضايا أخرى تؤثر أو تتأثر بها. هذا التصنيف يساعد في عملية التشخيص وتحديد المسؤوليات ومن ثم المتابعة والتقييم. الملاحظ أننا أحياناً نناقش المشكلات الإدارية فنسلط الضوء على السياسات والأنظمة مثلاً بينما جوهر المشكلة ربما يكمن في العملية التنفيذية. ومن المهم أن نقترب من الواقع ومن الأمثلة العملية. على سبيل المثال حين تحدث ممارسات مخالفة من الصيدليات في بيع أدوية معينة دون وصفة طبية فهذا لا يعني إصدار قرار يمنع وجود هذه الأدوية. (نتذكر أننا كنا نمنع الشباب من دخول الأسواق بسبب تصرفات فردية)، وحين تحدث ممارسات سلوكية ضارة بالمجتمع من عمالة وافدة من جنسية معينة فهذا مبرر لتطبيق القانون وليس لتعميم صفة معينة على كل من يحمل هذه الجنسية، أو إصدار قرار يمنع استقدام من يحمل هذه الجنسية. في هذا المثال تحديداً يجب أن تقودنا تلك الممارسات الضارة إلى مراجعة قضية أو ظاهرة الاستقدام في كافة المجالات وإلى متى تستمر؟ السياسات والأنظمة تتضمن توجهات وقوانين تتعلق بالتنمية البشرية وتطوير التعليم والخدمات وتوطين الوظائف، كما تتضمن أدبيات العمل موضوعات عن قيم العمل الأخلاقية والمهنية مثل الأمانة والمصداقية والجودة والعدالة وغيرها. ثم حين نتوجه إلى الواقع ونلاحظ وجود مشكلات وتقصير نجد أننا نتجه إلى الأخذ بخطوة من الخطوات التالية: - اتهام الأنظمة. - نقد الأداء والتطبيق. - نقد المتابعة والمحاسبة. - مناقشة أعراض المشكلة ونسيان أسبابها. وكان يفترض في تقييم المتابعين لأداء القطاعات المختلفة الأخذ في الاعتبار كافة الجوانب وتحقيق النظرة الشمولية حتى تأتي الحلول متفقة مع الواقع، وإذا أردنا (كمثال) تقييم أداء مدير إدارة فرعية في إحدى المحافظات فيجب أن نبدأ بالتعرف على صلاحياته الإدارية والمالية مقارنة بمسؤولياته. في قضية التعليم مثلاً قضينا سنوات طويلة نتحدث عن المبنى المدرسي وهو بلا شك عنصر مهم في العملية التعليمية والتربوية لكن طريقتنا في طرح هذا الموضوع أعطت الانطباع بأن التعليم لا يمكن أن يتطور إلا بتوفر المبنى المدرسي المصمم حسب المواصفات التي تتفق مع طبيعة عمل المدرسة. المبنى مهم لكن الأهم هو المعلم وطرق التربية والتعليم وبرامج الإثراء التي تنمي شخصية الطالب وتكتشف ميوله وقدراته وتنميها وتقدم للمجتمع إنساناً إيجابياً يملك القدرة والرغبة للعطاء والبناء والمشاركة. الأهم هو مخرجات التعليم بمستوياته وأنواعه المختلفة انطلاقاً من رؤية مشتركة وواضحة تبنى عليها الخطط الاستراتيجية للتعليم. وفي موضوع التعليم أيضا هناك احتياج للمعلمين والمعلمات في كافة مدن ومحافظات المملكة وفي القرى النائية ولا يمكن تعيين كل المعلمين والمعلمات في المدن التي يعيشون فيها. إذا كانت هذه مشكلة فهل تحل عن طريق التعاقد مع معلمين ومعلمات من خارج المملكة؟ هذا حل لا يتفق مع سياسة السعودة. هل المشكلة في التعيين أم في وسيلة النقل؟ أم في افتتاح مدارس بدون مبررات منطقية.؟ لنأخذ مشكلة الحوادث المرورية كمثال آخر (له علاقة بالمثال السابق) وهي في نظري جزء من مشكلة عامة ترتبط بقضية احترام قوانين المجتمع، وهذا يعني أن السائق الذي لا يحترم هذه القوانين سوف يتسبب في وقوع الحوادث. لكن هناك من له رأى آخر يربط الأسباب بالطرق أو بأداء المرور أو غيرها من الأسباب. ورغم قناعتي أن سائق السيارة هو السبب الأول في وقوع الحوادث المرورية لأنه يتجاهل أنظمة المرور أو يجهلها أو يسهو عنها، رغم هذه القناعة إلا أنني أحترم من يضيف أسباباً أخرى لهذه المعضلة وبالتالي فإن الحلول لابد أن تحقق النظرة الشمولية لكافة أبعاد هذه المشكلة وغيرها من المشكلات.
مشاركة :