وقع اعتداء آثم صباح يوم الأحد الحادي عشر من ديسمبر، أمام الكاتدرائية المرقصية بالعباسية بمصر، راح ضحيته عدد من الإخوة المسيحيين، وهو اعتداء يوصف بالجرم والإثم الشرعي، لأنه يخالف تعاليم الإسلام. فالإسلام دين من أهم خصائصه في تعامله مع الآخر: التسامح والعدل والإنصاف، فلا يقبل الإسلام ظلما لغير المسلم في المجتمع الإسلامي، ولا تعصبا ضده. وقد نزل القرآن الكريم يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم في قصة شهيرة، اتهم فيها غير مسلم بغير حق، وقف المسلمون بجانب المسلم السارق، وكانت البينة الظاهرة ضد اليهودي (غير المسلم)، فنزل القرآن يعاتب النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الموقف الذي بني على عاطفة ينبغي على المسلم أن يتجرد منها عند القضاء بين الخصوم، يقول تعالى: (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق ولا تكن للخائنين خصيما) النساء: 105. وبقية الآيات من سورة النساء تبين القصة كاملة إلى الآية: (113) من السورة. وعندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة، كان من أول ما قام به وضع وثيقة بين المسلمين واليهود، وقد اعتبرت هذه الوثيقة اليهود ـ وهم أهل كتاب سكنوا المدينة المنورة ـ من مواطني الدولة الإسلامية، وعنصرا من عناصرها؛ ولذلك قيل في الصحيفة: "وإنه من تبعنا من يهود، فإن له النصر والأسوة غير مظلومين، ولا متناصر عليهم" ثم زاد هذا الحكم إيضاحا، في فقرات أخرى فقال: "وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين... إلخ". وهكذا نرى أن الإسلام قد اعتبر أهل الكتاب، الذين يعيشون في أرجائه مواطنين لهم كامل المواطنة بكامل حقوقها، وأنهم أمة مع المؤمنين، ما داموا قائمين بالواجبات المترتبة عليهم، فاختلاف الدين ليس ـ بمقتضى أحكام الصحيفة ـ سببا للحرمان من مبدأ المواطنة. وشدد الإسلام على حرمة الدماء والأموال والأعراض، يستوي في ذلك دم ومال وعرض المسلم وغير المسلم، فلو زنى مسلم بغير مسلمة أقيم عليه حد الزنى، فلم يشترط الإسلام لإقامة الحد على الزاني أن يكون الزنى بمسلمة، وكذلك لو سرق مسلم مال غير مسلم أقيم عليه حد السرقة، إذا ثبت عليه، وشهد شاهدان بذلك. ولو سفك مسلم دم غير المسلم يُقْتل به، وفق إجراءات التقاضي العادلة، على ما نرجحه من أقوال الفقهاء، وهو مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة، فهو أولى بالترجيح، وأوفق لعموميات الكتاب والسنة، التي قال فيها القرآن الكريم: (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس) المائدة: 45، وقال: (أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا) المائدة: 23، وأرسخ لمبدأ المساواة والعدل، واحترام الإسلام للدماء، وحرصه على حقنها، وتشديده على حرمتها. وهو ما أفتى به أمير المؤمنين: عمر بن الخطاب، وذلك عندما قتل رجل من المسلمين رجلا من العِبَاد (قبائل شتى اجتمعوا على النصرانية بالحيرة) فذهب أخوه إلى عمر، فكتب عمر: أن يُقتل، فجعلوا يقولون: اقتل حُنين، فيقول: حتى يجيء الغيظ، فعفى ولي الدم، فكتب عمر: أن يُودَى ولا يقتل. يقول الإمام الطحاوي: فهذا عمر رضي الله عنه قد رأى أيضا أن يقتل المسلم بالكافر، وكتب به إلى عامله بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينكره عليه منهم منكر. كما أن المسلم يحيا في أي موطن كان، ومن أهداف تمكنه في الحياة: حماية دور العبادة لدى الآخرين، وحماية حرياتهم الدينية، يقول تعالى: (ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع) الحج: 40. قال ابن خويز منداد من أئمة المالكية (من أهل أواخر القرن الرابع): (تضمنت هذه الآية المنع من هدم كنائس أهل الذمة وبيعهم وبيوت نارهم). وهو ما قال به الإمام الليث، وعبد الله بن لهيعة المصريان، والإمام الليث بن سعد الذي يعد من أئمة المذاهب لا يقل علما عن مالك وأبي حنيفة، وعاصر مالك، وكان بينهما مراسلات، والآخر ابن لهيعة، وهو عالم محدث مصري، فقد كان رأيهما في بناء الكنائس من أنضج الآراء، إذ يقولا: إن بناء كنائس النصارى، هو داخل في عمارة دار الإسلام. وهو ما مال إليه أيضا: الإمام ابن القاسم المالكي. وحرم الإسلام المساس بأماكن العبادة لغير المسلمين، وترك الحرية لهم في تجديد كنائسهم وتعميرها، بما ينظمه القانون. وقد حافظ عمر بن الخطاب على كنيسة القيامة عندما فتح بيت المقدس، ورفض الصلاة فيها، مخافة المساس بها من المسلمين فيما بعد. هذا هو موقف الإسلام، وما يتمسك به كل مسلم، وأي مخالفة لذلك، فهي مخالفة صريحة للإسلام، تقضي بعقوبة من فعل هذا الجرم، في ظل مساءلة عادلة منصفة، تقدم الجاني الحقيقي للمحاكمة، لا الزج بالبرآء، حتى لا تكون الجريمة جريمتين، جريمة الاعتداء على الكنائس وقتل الأبرياء، ثم محاكمة البريء ليكون كبش فداء للجاني الحقيقي. هذه التدوينة منشورة على موقع عربي21.. للإطلاع على النسخة الأصلية إضغط ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :